الجزائر في 29 مارس / العمانية / صدرت مؤخرًا النسخة العربية من كتاب “مرآة
الجزائر” لصاحبه علي رضا باشا، وذلك بترجمة الباحث خليفة حماش، أستاذ التاريخ
الحديث بجامعة الأمير عبدالقادر بقسنطينة.
ويقع الكتاب المترجَم من اللغة التركية في 444 صفحة، وقدّم له حماش متطرّقًا لشخصية
علي رضا باشا والغموض الذي اكتنفها بأبعادها العلمية والسياسية والعسكرية،
واستعرض جهود الباحثين الذين اهتمّوا بعلي رضا من الأتراك والعرب والجزائريين،
كما عرّج على كتاب “مرآة الجزائر” من خلال عنوانه، ونسبته لعلي رضا، وتاريخ تأليفه
ولغته، ومحتواه، ثم تطرّق لبعض الأخطاء التي وردت في الكتاب، والباحثين الذي
اهتمّوا به، دراسةً وترجمة، وأخيرًا توضيح المنهجية المتّبعة في تعريب الكتاب.
ثم انتقل المترجم للجزء المترجم للُّغة العربية قبل أن يدرج النص الأصلي للكتاب باللُّغة
العثمانية. كما زوّد المترجم عمله بملاحق تتضمّن فهرس المصطلحات الصعبة الموجودة
في الكتاب وترجمتها للُّغة العربية.
وعلي رضا باشا، ابنُ السياسي والتاجر والفقيه الجزائري الكبير حمدان بن عثمان خوجة،
وهناك من يضيف له لقب “جزايرلي” للتفريق بينه وبين شخصيات عثمانية أخرى تحمل
الاسم نفسه. وقد وُلد بمدينة الجزائر، وتوفي بإسطنبول، سنة 1876، بسبب أزمة قلبية
ألمّت به، ودُفن في مقبرة الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري.
ويعدّ علي رضا باشا شخصية جزائرية مرموقة، تقلّد مناصب سياسية وعسكرية، وتولّى
باشوية طرابلس الغرب (ليبيا الحالية) لمرتين؛ الأولى خلال الفترة 1867-1870،
والثانية سنة 1872، وقام بإصلاحات كبيرة على مستوى الزراعة والبريد والموانئ
والصحة والضرائب والجيش، واهتم بقطاع الصحافة؛ فهو أول من أدخل الطباعة
والتيليغراف إلى الأرض الليبية، كما أقام سوق العزيزية الشهير والحديقة العمومية
بطرابلس وبرج الساعة، وتولّى ولاية خداوندكار بالأناضول، ثلاث مرات، في السنوات
1870 و1875 و1876، وشارك في حرب القرم بين الدولة العثمانية وروسيا (1853-
1856)، وعيِّن عضوًا في كلّ من مجلس الذخيرة والعتاد والمجلس الاستشاري العسكري
العثماني ومجلس التنظيمات العسكرية؛ نظرًا للتدريب الذي تلقاه في المدرسة العسكرية
بباريس لمدة تسع سنوات، ونال رتبًا عسكرية كبيرة بالجيش العثماني، كرتبة بينباشي،
ومير لوا، ومير آلاي، وقائممقام، وعمل قائدًا عسكريًا في عدد من القلاع بإستنبول،
وبورسا، وبلغراد.
كما كان علي رضا باشا شاهدًا على دخول القوات الفرنسية للجزائر، سنة 1830، وقد
رافق والده حمدان خوجة من الجزائر العاصمة إلى قسنطينة، سنة 1832، لمقابلة الحاج
أحمد باي للتوسُّط بينه وبين الفرنسيين، وقد دوّن رحلته هذه باللُّغة العربية، ونقلها
الفرنسي دو صولسي إلى اللُّغة الفرنسية، وتكفل بتعريبها علي تابليت، سنة 1993،
وعميراوي أحميدة، سنة 2000.
ونالت شخصية علي رضا باشا اهتمام العديد من الباحثين والمؤرّخين، بداية بالمستشرق
الفرنسي دو صولسي الذي ترجم رحلته لقسنطينة إلى الفرنسية، مرورًا بشارل فيرو من
خلال كتابه “تاريخ ليبيا من الفتح العربي إلى الغزو الإيطالي”. كما ذكره المستشرق
الإيطالي إيتوري روسي في كتابه “ليبيا من الفتح العربي إلى سنة 1911”.
وأصل العنوان (مرآة الجزائر) حرّره علي رضا باشا باللُّغة العربية، لكنّ نسخته الأصلية
ضائعة، وقد قام علي شوقي أفندي بترجمته إلى اللُّغة التركية العثمانية (ذات الأحرف
العربية)، وبقيت هذه النسخة بالمكتبة العامة ببلدية الفاتح بإستنبول، تحت رقم 529، وقفًا
من الشيخ علي أميري الدياربكري، وقد شهد هذا الكتاب اهتمامًا من الباحثين
المتخصّصين في التاريخ العثماني لكن لم يحاول أحد ترجمته للُّغة العربية. وفي سنة
2012، قام محمد نام، المتخصّص في الدراسات العثمانية بجامعة استنبول، بترجمة
الكتاب، من العثمانية إلى التركية الحديثة، وجاء بعده عمر جهيد كايرا، سنة 2014،
فترجم الكتاب أيضًا إلى اللغة التركية ذات الأحرف اللاتينية، وفي سنة 2018، أنجزت
حكيمة عليوات رسالة ماجستير في اللُّغة التركية بجامعة الأمير عبدالقادر، وذلك بترجمة
الفصلين الرابع والخامس من الكتاب تحت إشراف د.خليفة حماش، قبل أن يقرّر الأخير،
منذ أن اطّلع على النسخة العثمانية للكتاب سنة 1988، بتركيا، واعتمد عليه في رسالة
الماجستير التي ناقشها بمصر، القيام بتعريبه، وإتاحته للطلبة والباحثين، وهو ما تحقّق،
أخيرًا، سنة 2021.
/العمانية/ 178