مسقط في 29 مارس / العمانية / تُعد النخيل مصدرًا من مصادر الدخل القومي للسلطنة،
وتمثل كذلك جزءًا من التاريخ والتراث العُماني، حيث ارتبطت النخلة بكل تفاصيل حياة
العماني اليومية منذ القدم، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياته الاجتماعية والاقتصادية.
ونظرًا لهذه المكانة، احتلت النخلة موقعها في مشروع “جمع التاريخ الشفهي العماني (
المرويات العمانية)” التي تأتي في إطار الاهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان
هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – فقد أولى اهتماما كبيرا لموضوع الحفاظ
على التراث العماني وتوثيقه ونشره وذلك استكمالا لجهود المغفور له – بإذن الله تعالى –
السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه – في الحفاظ على التراث والثقافة
العُمانية لرفع التناقض بين التراث والمعاصرة ولمواجهة تيار التغريب والعولمة.
وجاء كتاب /النخلة في الموروث الثقافي العماني/ الذي صدر مؤخرا في مجلدين وقام
بإعداده فريق بحثي مكون من الباحث الدكتور مسعود بن سعيد بن ناصر الحضرمي،
والباحث أحمد بن عبد الله بن مسعود العزيزي ومراجعة من الدكتور أحمد بن سعيد
الحضرمي والدكتور علي بن أحمد الحارثي وبأشراف عام من قبل وزارة الثقافة
والرياضة والشباب ليتناول النخلة بكافة مفرداتها من خلال مجلدي الكتاب الذي حوى
مجلده الأول فصلين في 184 صفحة والمجلد الثاني على فصل واحد في 212 صفحة.
ويجد قارئ هذا الكتاب نفسه لا إراديا يجوب بخلده بين بساتين النخيل بمختلف أنواعها
ومكوناتها وأنواعها خصوصا أن الباحثين استطاعا حصر 255 نوعًا من أنواع النخيل
ربما الكثير منها غير معروف لدى الغالبية من الناس.
وبنظرة سريعة على الكتاب نجد أن كتاب /النخلة في الموروث الثقافي العماني/ جاء
اعتمادا على توثيق الشهادات التاريخية للرواة العمانيين من المعمرين وكبار السن سواء
من الرجال أم النساء الذين بلغ عددهم 75 مواطنا ومواطنة تراوحت أعمارهم بين
الثلاثين والخمسة والتسعين عاما، إضافة إلى فريق من الباحثين والمهتمين بكل ما يتعلق
بمفردات النخلة.
وقام الفريق البحثي بجمع المعلومات من المحافظات والولايات العُمانية، إضافة إلى
محاورة عدد ليس بالقليل من له صلة بزراعة النخيل أو القائمين على الصناعات الحرفية
المرتبطة بها حيث تمكن من الحصول على معلومات مهمة ساعدت على نجاح مشروع
الكتاب.
وتناول المجلد الأول من الكتاب تاريخ زراعة النخيل وموقعه بين المزروعات الأخرى
في حضارات العالم القديم وكيفية استمرار الاهتمام بها عبر الحقب التاريخية المختلفة،
وزراعة النخيل في عُمان وانتشارها في المحافظات المختلفة، ورصد أنواع التمور
وأساليب التسويق.
كما عرض المجلد الأول أيضا اهتمام السلطنة بزراعة النخيل لأنها تعد ثروة وطنية
متطرقًا إلى أهم المبادرات الرسمية للارتقاء بهذا المحصول المهم وبالصناعات المرتبطة
به.
واهتم الباحثان في المجلد الثاني بدراسة العلاقة بين النخيل والثقافة العُمانية، فرصدوا
احتفاء الأدب العُماني والفنون الشعبية العُمانية والشعر بالنخيل، كما تتبعوا الأمثال
الشعبية العُمانية التي ارتبطت بالنخيل والتمور، والأهازيج التراثية الشعبية المرتبطة
بالنخيل، والألعاب الشعبية العُمانية وموقع النخلة فيها، وموقع النخلة في القصص
والحكايات الشعبية والأساطير العُمانية.
ونجد الباحثان يرصدان تحليلا لجميع المصطلحات والمفردات التي يزخر بها الموروث
الشعبي العُماني حول النخيل والتمور ليتمكن الجيل الحالي من معرفتها والإلمام بها،
والطقوس والأنشطة المصاحبة لها، والعادات والتقاليد والمأكولات العُمانية المرتبطة
بموسم زراعة وحصاد وجني التمور.
كما استعرض الكتاب الحرف والصناعات التقليدية المرتبطة بالنخيل والتمور، والوصفات
الشعبية لعلاج بعض الأمراض اعتمادا على النخلة ومكوناتها، والتداوي بالتمور
وبعناصر النخلة من العادات القديمة التي تعلمها العمانيون، وأفرد الباحثان لنتائج البحث
وتوصياته المبحث الأخير في الكتاب على أمل أن تلقى المقترحات والتوصيات الاهتمام
من قبل الجهات المعنية.
وسيجد القارئ التأكيد على أن سعي الباحثان إلى تناول موضوع النخلة في الثقافة العُمانية
جاء لكون أمرها يمس صميم الكينونة العُمانية، ويرسم أهم ملامحها في الماضي وامتداده
الحاضر حيث أن هناك الكثير من الحقائق والاستنتاجات التي تكشفت للباحثين الدكتور
مسعود الحضرمي وأحمد العزيزي حول ثقافة النخلة في المجتمع العُماني ومنها أن نجاح
الإنسان في زراعة نخيل التمر في المناطق الجافة وشبه الجافة من العالم، قد أسهم في
انتشار هذه الشجرة في بقاع مختلفة من العالم، وقام العرب بدور كبير ومحوري في عملية
الانتقال والانتشار، وشواهد التاريخ كثيرة على ذلك كما تعد البقاع العربية والإسلامية أهم
المناطق الجغرافية وأكثرها غنى بنخيل التمر، بنسبة تصل إلى 95ر97 بالمائة من
مساحة العالم، بما يعادل 980ر766 هكتارا.
وأخذت شجرة النخيل منزلة خاصة في وجدان الشعب العماني، وشكلت العديد من
المظاهر الاجتماعية والثقافية في تركيبة الإنسان العماني حتى أصبحت من الموروثات
الأصيلة الباقية برغم كل التحديات.. كما تعد النخلة بحد ذاتها لدى بعض المزارعين
القدماء في معزة أبنائهم وحيثما وجه الناظر بصره في السلطنة، فإنه لا يجد مزرعة أو
منزلا تخلو حديقته من شجرة نخيل.
وقد أسهم مناخ السلطنة – كسائر دول منطقة الخليج العربي- في ازدهار نمو النخلة
وانتشارها على امتدادها الجغرافي، وتكرر ذكرها في القرآن الكريم 26 مرة ليؤكد لنا الله
سبحانه وتعالى على فضائلها ويكشف لنا أسرار خلودها في الحياة البشرية ويجلب انتباهنا
لضرورة الاعتناء بها وإكرامها.
كما استنتج الباحثان إلى أن التنوع الجغرافي الذي حظيت به السلطنة وتعدد الأقاليم
المناخية بها، جعلها بيئة صالحة لنمو وتكاثر الكثير من أنواع الأشجار ومن بينها النخلة،
التي يتطلب على مختلف أنواعها وأنواع ثمارها بيئات مناخية وجغرافية محددة، وها هي
بحسب وجهة الكاتب تجتمع في السلطنة. فالواحات والأراضي المنخفضة عن سطح
البحر، التي توفر نسبة أوكسجين مناسبة لنضوج التمور، والجبال التي توفر أنواعا
مناسبة من التربة لزراعة ونمو النخيل، والسهول حيث تكثر المياه العذبة وتواجد الأفلاج
والعيون والمياه الجوفية بدرجات ملوحة معتدلة، كلها عوامل مناخية وطبوغرافية تمكن
أشجار النخيل أن تنمو وتؤتي أكلها كل حين.
وتتعدد الأساليب والطرق المتبعة في السلطنة لإكثار أشجار نخيل التمر، بعضها تقليدي
ومازال متبعا لحد الآن، في حين أن هناك طرق مستحدثة، وكلها تشكل دعامات رئيسة في
تحقيق الوصول إلى إشباع السوق المحلية بمختلف الأصناف الأكثر استهلاكا، والتوجه
إلى تسويقها خارج السلطنة.
واستطاع الباحثان التأكيد على حقيقة صناعات التمور والنخيل التحويلية بدأت تأخذ
مكانتها في الاقتصاد القومي من خلال إنتاجها العديد من المنتجات الغذائية والصيدلانية
والأخشاب والعلف في السلطنة، وقد قدمت الدراسة بعضا من تلك الصناعات وتناولت
واقعها وسبل تطويرها لتحقق الغاية المنشودة في تنويع مصادر الدخل القومي والخروج
من دائرة المصدر الواحد.
وبين الباحثان من خلال هذه الدراسة العلمية إلى أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه
زراعة أشجار نخيل التمر وإنتاج التمور والصناعات التحويلية القائمة عليها في السلطنة،
ومنها الزحف العمراني الذي قضى على مساحات واسعة من بساتين النخيل القديمة،
والتغيرات المناخية التي أخذ يشهدها العالم لم تكن السلطنة بمنأى عنها فأثرت في مناخها
وغيرت ظروفه التي بدورها كان لها الأثر في نمو وديمومة أشجار النخيل، والجفاف
ونقص المياه بالمزارع والأفلاج ، وظهور حشرة دوباس النخيل التي تعد من أشد الآفات
فتكا بالمحصول التمري وموت أشجار النخيل ما أثر بشكل سلبي في كمية الإنتاج.
وقد أكد على ذلك العديد من المسؤولين والمزارعين وأصحاب شركات تصنيع وإنتاج
التمور في السلطنة …ونوه الباحثان إلى أن الحكومة بذلت جهودا واسعة لتحسين أداء
منظومة تسويق المنتجات الزراعية عموما والتمور ومنتجاتها على وجه الخصوص من
خلال الاستراتيجية الوطنية للنهوض بنخيل التمر والتي أقرتها الحكومة وفق برنامج
متكامل للنهوض بالعملية التسويقية للتمور، أطلق عليه البرنامج التنموي للنهوض
بالتسويق.
ويعد مشروع زراعة المليون نخلة أحد أهم المشاريع الاستراتيجية الرائدة في تاريخ
السلطنة الذي يستهدف استحداث بساتين حديثة لنخيل التمر يتم تطبيق أفضل الحزم التقنية
المتكاملة فيها وتتمتع النخلة والتمر في السلطنة بمادة تراثية غنية وخير هذه الأرض، ولم
يخل موسم زراعة أو حصاد أو بيع للمحصول عبر السنين من أشكال تراثية مختلفة
باختلاف المناسبة.
الكتاب أيضا تناول العادات والتقاليد المتبعة والموروثة في مواسم جني المحصول
وتوزيعه والدور المهم الذي قامت به المرأة العمانية في جمع وفرز وتخزين التمور،
واستغلالها لأجزاء عديدة من النخلة في صناعات يدوية تقليدية استخدمت في أغراض
منزلية وغيرها. وقد حرص أهالي السلطنة على تناقل هذه العادات والموروثات من جيل
إلى جيل حيث أن مواسم زراعة النخيل وجني التمور لها مظاهرها الفريدة وخصائصها
التي جعلتها تشكل تجربة تراثية لا يجب أن تخبو بهجتها مع كل موسم من مواسم
الاحتفال بتلك الشجرة المباركة وثمارها.
وأكدت عينة الدراسة على مبدأ التشارك الاجتماعي والتعاون لإنجاح عملية زراعة
وحصد الثمار، وقد توارثتها أجيال وأجيال، واشترك بها جميع أفراد العائلة، نساء
ورجالا.
/العمانية / 104