تلقيتُ، خلال الأسبوع الماضي، مُطالبات من أناس يعملون في مسقط، وهم يقدمون من محافظات مختلفة من كافة أرجاء السلطنة للعمل، وقد حفَّزهم على التواصل معي التطرُّق في مقالتي الأسبوعية للتوقيتات في رمضان المبارك في زمن الحظر الذي حتَّمته جائحة “كورونا”؛ فقد أجمع كل المتصلين على الحرج في التوقيتات لضِيق المساحة المسموحة؛ أكان بشأن غلق الطرق، أو غلق المطاعم؛ فهناك من قال إنَّ الوقت لا يكفي للإفطار يوم السبت مع الأهل، ومن ثمَّ الانتقال إلى مسقط للمبيت على مقربة من العمل، وكذلك الخروج صباحاً من بلدانهم يكون فيه من المجازفة ما فيه؛ لأن زحمة وظروف الطريق قد لا تُساعدان على الوصول لمقر العمل في الوقت المناسب.
فإذا نحن تخيلنا أنَّ الشخص سينطلق من محافظة هيما، أو محافظتيْ البريمي والظاهرة، فإن الوقت الذي سيحتاجه للطريق قد يصل أو يزيد على ثلاث ساعات؛ ففي الأمر استحالة في التوفيق بين الإفطار والطريق، وإذا تصورنا خروجهم من بلدانهم فترة العصر ففي الأمر مخاطرة على سلامتهم، وذلك لصعوبة الجمع بين إرهاق الصوم، وإرهاق الطريق، وقد يحل عليهم وقت الإفطار في الطريق نتيجة لظروف لم تكن في الحسبان، وقد يصلون إلى مسقط في وقت متأخر على فسحة فتح المطاعم، فيدخلون في معارك مع الزحمة لتوفير لقمة العيش، وليس هناك من بدائل أخرى تحل هذه الإشكالية، إلا قرار اللجنة بالتسهيل في هذه القرارات.
وكذلك تدخل معهم شريحة المطاعم في نفس المعضلة، فالمطاعم التي مُنحت لها فترة وجيزة للعمل، لا تستطيع أن تحقق طلبات الناس في هذا الظرف العصيب، ولا هي قادرة على توفير قيمة الإيجارات والكهرباء والماء، أو حتى جزء من رواتب العمال من خلال مبيعاتها القليلة؛ وذلك من خلال أربع ساعات عمل؛ فهناك جهات -وليسوا أفراداً- وضعت نظاماً لا وسطية فيه، إما الإغلاق الكامل، وإما دفع الإيجارات كاملة، وكأن أصحاب المطاعم يتعاملون مع مخلوق آلي، وليس بشراً مثلهم يعي ويقدر الأمور بقدرها، إذن فالحلول الجزئية تعقد الأمور ولا تحلها!!
وبالعودة للاتصالات التي تلقيتها؛ فقد تضمَّنت مُطالبات بمراعاة الأوضاع المعيشية لهؤلاء العزاب، فهم يعتمدون في معيشتهم على المطاعم، خاصة وجبتيْ العشاء والسحور، وذلك بالنظر إلى أن المطاعم ستغلق بحكم الضرورة عند الساعة التاسعة ليلاً، فهذا وقت مبكر جداً على الصائمين، يضاف إلى ذلك الزحمة والإرباك اللذين سيكون عليهما وضع المطاعم، فكما يقول المثل فقد اجتمع عليهم حالان: “شوق ورعيت نوق”؛ بمعنى غربة عن الأهل، ومشقة في توفير وجبات الطعام. إذن؛ فلن تتجانس الأمور مع بعضها، فهذا ما جعلني أتعاطف معهم، وأعيد تكرار مطالبهم إلى الواجهة من جديد، عسى ولعل يُعاد النظر في هذه التوقيتات؛ بحيث يتمُّ تفعيل قاعدة “لا ضرر ولا ضِرار” وكل المتصلين قد غضُّوا الطرف عن مطلب صلاة التراويح الذي يُكرره غيرهم من الناس.
إذن؛ معشر العزاب في الإقامة فقط وليس في الزواج، يطالبون، بل يلتمسون، من اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطوُّرات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، بأن تنظر إلى ظروفهم الخاصة، وذلك في هذه المرحلة الرمضانية، وأن تكون نظرتها لهم بعين التقدير لظروفهم العزوبية خلال هذا الشهر الفضيل، حتى يستطيعوا المواءمة بين صوم الفرض في شهر رمضان، والعمل الواجب، وأن تخفف لأجلهم بعض الضوابط وأن توسع في التوقيتات، وذلك من خلال مد ساعات الفسحة في الحركة إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكذلك مد ساعات عمل المطاعم إلى فترة أطول، وسوف يُساعد ذلك معشر العزاب على توفير الوجبات الضرورية التي ستُساعدكم على الصيام، وكما هو ثابت علميًّا فإنَّ الصيام يزيد من قوة المناعة، وإن الخطورة ستكون أقل في هذا الشهر الفضيل.
… إنَّ مَسألة التوصيل للمنازل مُمكن حلها عن طريق شركات التوصيل، أو أن يذهب صاحب الحاجة إلى استلام حاجته؛ وذلك شريطة أن يسمح للمطاعم بالاستمرار في العمل حتى الثانية عشرة أو الواحدة بعد منتصف الليل، والأمور المنظمة مع الحرص على الالتزام بالضوابط الواقية من العدوى، وسوف تقلل من انتقال وباء كورونا؛ فلا يُعقل كذلك أن يُضر بمصالح الناس شدة الإجراءات، وكل ذلك تحرزاً من عدوى كورونا التي حيَّرت العالم إلى اليوم في طريقة الوقاية منها؛ فعلى أقل تقدير لا تعيقنا عن الأكل والشرب، خاصة في الفترة المحددة للصوم والصائمين برمضان المبارك.
حفظ الله بلدنا عُمان وشعبها الأبي، وأعز سلطاننا الأمين وأيده بالحق والنصر المبين، ووفقنا والأمة الإسلامية أجمعين للصيام والقيام وحسن العبادة.. وكل عام وأنتم بخير.
حمد بن سالم العلوي