تُعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الحوكمة بأنها ” مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الادارة وحملة الاسهم وغيرهم من أصحاب المصالح ” في حين أنّ مؤسسة التمويل الدولية(IFC) تعرفها على أنها ” النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها”. وعلى ذلك فالحوكمة كنظام عبارة عن قوانين وأنظمة تؤطر العلاقات بين الأطراف الأساسية في المؤسسة، كما تُعدّ أحد الأدوات التي تسعى مؤسسات العمل لتطبيقها؛ من أجل تحسين العمليات، والارتقاء بمستوى الخدمة المقدمة، بالإضافة الى تعزيز ثقافة المسؤولية والمساءلة.
إنّ جهود سلطنة عُمان نحو تطبيق مبادئ الحوكمة خطوة سابقة لرؤية عمان2040، تمثلّت في إنشاء مركز بمسمى” مركز عمان للحوكمة والاستدامة” يتبع الهيئة العامة لسوق المال، وذلك بتاريخ 12 يوليو 2015م رسميًّا بموجب المرسوم السلطاني 30/2015، ويتكون أعضاء المجلس من الشركات والمؤسسات بكافة أشكالها القانونية والأفراد الراغبين في الانضمام لعضوية المركز. إذ تشكّل تلك الجهود بنية تحتية رصينة تقوم عليها أولويات الرؤية ومحورها الخاص بالحوكمة والأداء المؤسسي.
ويأتي محور الحوكمة والأداء المؤسسي تأكيدًا لترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة، خاصة ونحن على أعتاب الانطلاقة الفعلية لتنفيذ رؤية عمان 2040. والتي أكدَّ عليها المقام السامي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه في العيد الوطني ال 50 للنهضة العُمانية بقوله: “كما أنَّ العملَ مستمرٌّ في مراجعةِ الجوانبِ التشريعيةِ والرقابيةِ وتطويرِ أدواتِ المساءلةِ والمحاسبة، لتكون ركيزةً أساسيةً من ركائزِ عُمانَ المستقبلِ، مؤكدينَ على أهميتِها الحاسمةِ في صون ِحقوقِ الوطنِ والمواطنين ودورِها في ترسيخ ِالعدالةِ والنـزاهةِ، وستحْظى هذه المنظومةُ برعايتِنا الخاصة بإذن ِاللهِ تعالى”. وعليه فإن خطاب جلالته يُعدّ إعلانًا صريحًا من لدنه، بأنه أمرًا سيحظى باهتمام كريم منه شخصيّا في المرحلة المقبلة من عُمان المتجددة.
ومن ذلك المنطلق، فإنّ على جميع الأفراد على اختلاف مواقعهم، والمؤسسات على اختلاف أنشطتها، تَمَثُّل تلك القيم في خططها، وممارساتها، وفي برامجها تنظيرًا وتفعيلًا. فلا يكون تميّر أو تنافسية وإنجازات طموحة لمستقبل أكثر ازدهارًا وتقدّمًا، في ظل ممارسات الخروج عن القانون، أو تجاوز تحقيق ما يسمى بسيادة القانون. لذا تبرز أهمية تطبيق الحوكمة المؤسسية؛ لمكافحة الفساد، في إطار من التكاملية وصولًا بمستقبل عُمان كما أراد لها العمانيون حكومةً وشعبًا، حيث يمثل التشريع والقضاء والرقابة من أولويات رؤية عمان 2040.
إنّ نتائج التعداد للسكان والمساكن والمنشآت2020م،والذي تفضّل جلال السلطان هيثم -أبقاه الله- باعتماده في 13/ ديسمبر 2020م؛ تُعدّ عاملًا قويّا وعصريّا؛ للحصول عل معلومات وبيانات دقيقة لتطوير القوانيين والأنظمة الداعمة لتفعيل مفهوم الحوكمة بدرجة عالية من الكفاءة، وبما يضمن تحقيق مبادئ العدالة والنزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبية، بالإضافة إلى التزام السلطنة بتنفيذ بنود الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والتي انضمت إليها في عام 2013م.
إنّ سعي سلطنة عُمان ممثلة في حكومتها الرشيدة نحو تطبيق الحكومة الإلكترونية، سيوفر فرصًا لخلق بيئة عمل أفضل باستخدام تقنيات المعلومات والاتصال في المؤسسات ،وتأسيس بنية تحتية للحكومة الالكترونية؛ تساعد على العمل بجودة وفعالية من خلال تحقيق الانسيابية في التواصل بين الحكومة وجهات الأعمال الاخرى. الأمر الذي يؤكد على أهمية تبني مفاهيم المحاسبة والمساءلة والشفافية استنادًا إلى البيانات المخزنة والمعتمدة في أنظمة المؤسسات الداخلية. والتي تتطلب دقة البيانات ومصداقيتها لتكون قاعدة بيانات حديثة وموثوقة في تطبيق مبادئء الحوكمة.
وفي إطار العمل الإجرائي لتطبيق الحوكمة في مؤسساتنا، يتطلب الواقع تطوير مجموعة من والقوانين والأنظمة التي تحكم سلوك العاملين، وتحديد آليات محكمة للإجراءات التي تتم في المؤسسات الحكومية والخاصة؛ لتحيق أهدافها بمستويات عالية بما يحقق مصالح المستفيدين من الخدمة أو المنتج بحسب نوع المؤسسة، وبالتالي تحسين الأداء المؤسسي على المستوى الوطني، وتحقيق المنفعة للدولة والمواطن في كافة الخدمات المجتمعية والاقتصادية.
ختامًا: إنّ مقدرات عُمان ومكتسباتها أمانة في أيدي كافة العُمانيين، كل من موقعه واختصاصه. فلا يخفى على أحد بأن الأمم لا تقوم إلا بسواعد أبنائها، ولن تتقدم المجتمعات أو تزدهر في ظل غياب الأمانة والمواطنة. فلا الشعارات الجوفاء ولا الانتقادات المُجحفة تُسهم في الإصلاح والتطوير والتعمير، بقدر ما هي أدوات مثبطة تتسبب في جمود هيكلي للمؤسسات وخطط التنمية الوطنية. وهنا الدعوة للعمل والتعاون الجماعي والمخلص بين أبناء المجتمع؛ كضرورة حاضرة ومستقبلية لبناء عُمان، والوصول بها إلى مصاف الدول المتقدمة، امتثالًا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. (سورة المائد، الآية: 2)
د. رضية بنت سليمان الحبسية