الشارقة، في 3 مايو/ العمانية / يتضمّن معرض “كلمات من الشرق” الذي تستضيفه هيئة
الشارقة للكتاب، نماذج لخرائط قديمة مشهورة، ومخطوطات قرآنية، وطبعات لكتب
قديمة، وملصقات متنوعة.
ومن بين الخرائط المعروضة، خريطة “مابا موندي” التي رسمها فرا ماورو، وهو راهب
ورسام خرائط من البندقية وُلد سنة 1400. وتذكر المصادر أنها رُسمت بتكليف من الملك
أفونسو الخامس ملك البرتغال، واستغرق إنجازها سنوات إلى أن اكتملت في 24 أبريل
1459م ثم أُرسلت من البندقية إلى البرتغال.
وفي التعريف بالخريطة ترد إشارات إلى أنها تعدّ أكبر خريطة تم رسمها في العصور
الوسطى، وتغطي نسختها الأصلية المحفوظة في البندقية أكثر من خمسة أمتار مربعة،
وتم إعداد نسخة منها لتُحفظ في المكتبة البريطانية في عام 1804 من قِبل عالم الآثار
البريطاني ويليام فريزر.
وفي عام 1869 أنتج بائع الكتب الفينيسي مونستر أول نسخة فوتوغرافية من الخريطة
بمقياس 62 × 68 سم. أما النسخة التي تُعرض ضمن “كلمات من الشرق” فهي من
الصور الفوتوغرافية التي التقطها المصور الإيطالي كارلو نايا في عام 1871، وتُطابق
الحجم الأصلي للخريطة 223 × 223 سم.
وتحتوي الخريطة على المئات من الرسوم التوضيحية التفصيلية ونحو 3000 نص
وصفي، وتعدّ من آخر الخرائط التي كانت سائدة في أوروبا خلال العصور الوسطى، قبل
أن تُعتمَد الأساليب العلمية في رسم الخرائط.
وتَظهر جهة الجنوب أعلى الخريطة، وجهة الشمال أسفلها، تماهياً مع خريطة العالم
الشهير أبو عبد الله محمد بن محمد الشريف الإدريسي (1100-1165م) الذي سبق
ماورو وأنجز رسم خريطته في القرن الثاني عشر للميلاد، ومن المرجح أن يكون ماورو
قد اطلع عليها.
كما تُعرض ضمن قسم الخرائط، مجموعة تنتمي إلى حقب تاريخية مختلفة، منها نسخة
مصورة من الخريطة الشهيرة للإدريسي الذي تجوّل في شمال إفريقيا وأوروبا
والأناضول، ثم أنجز خريطته المفصّلة للعالم آنذاك في عام 1138م، بطلب من ملك
صقلية روجر الثاني الذي دعاه إلى بلاطه في باليرمو، وكلّفه بتجميع وصف للعالم
المعاصر بأكمله، فرسم الإدريسي خريطته الكبيرة التي تصور العالم من إسبانيا حتى
كوريا.
وفي قسم آخر، يشتمل المعرض على نسخ نادرة من كتاب “ألف ليلة وليلة” بأكثر من
لغة، إذ يجد الزائر نفسه أمام النسخة الإنجليزية القديمة من “ألف ليلة وليلة”، التي تعد
الإصدار الأول من الرسام والمصور البريطاني المعروف رينيه بول، الذي جسّد
الحكايات بـ 18 لوحة في عام 1912 على ورق أبيض مزخرف بإطارات ونقوش
إبداعية.
كما تُعرض نسخة روسية قادمة من موسكو بترجمة جديدة كاملة لجيه دبليو دوبيلماير،
يعود تاريخ طباعتها إلى عام 1890.
ويشاهد الزائر أيضاً النسخة الفرنسية من الحكايات التي ترجمها بول دي موريلي،
وتضمنت رسومات توضيحية من مجموعة الأعمال الفنية لـ “دي اتش مكتبة تيتيودور
ليفيفر- إميل غيرين”، الذي زيّنها برسومات الحبر الأسود والرمادي وأطّرها بالرموز
والزخارف.
وفي قسم ثالث، يضم المعرض مجموعة من الملصقات السياحية الشرقية التي يعود
تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وتحمل أسماء رسامين متخصصين بفن الملصقات، مثل
ليون كاريه، وإدوارد كولن، وهوغو دالسي، وجاك ماجوريل.
وتكتسب الملصقات المعروضة أبعادًا فنية تنأى بها عن البعد الإعلاني المباشر، لتجعلها
أقرب إلى الرسم الذي يمزج بين التشكيل وتوظيف تقنية الكولاج، من خلال الدمج عبر
لغة اللون بين معالم ورموز سياحية من أماكن مختلفة، وبين لمسات كل رسام وأسلوبه في
مقاربة الفكرة في فن الملصقات التي كانت تُعرض للجمهور في الأماكن العامة،
وتستهدف شدّ الأنظار إلى رسالتها الإعلانية، ولكن من خلال خطاب بصري لافت جماليًا.
وتضم المجموعة 267 ملصقًا أصليًا بأحجام مختلفة، وتتناول بألوانها الزاهية ما يجذب
عين المشاهد إلى موضوعات السفر والسياحة وشركات الطيران والملاحة، في بدايات
توظيف الملصقات عالميًا ضمن الحملات الدعائية.
ويعود تاريخ الملصقات المعروضة إلى الفترة 1890-1950، إذ رُسم أول ملصق
في عام 1890 بمناسبة تدشين توسع شبكة الخطوط الحديدية (باريس-ليون-المتوسط) إلى
خارج فرنسا مرورًا بشمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. آنذاك، بدأ تأسيس شركات
الخطوط الحديدية وشركات النقل الجوي والبري والبحري التي استخدمت الملصقات
للترويج لخدماتها، وكذلك للترويج للمعارض والأحداث والفعاليات المتعلقة بالشرق،
وأشرف “مجمع الرسامين الشرقيين الفرنسيين” على تنظيم أول معرض لهذه الأعمال
بهدف تعزيز الدراسات الفنية التي استلهمت ثقافات الشرق وحضاراته.
ومن بين الأعمال المعروضة، ملصق “المغرب عن طريق مرسيليا” الذي أنتج في
عام 1926 لصالح الترويج لرحلات شركة “باريس-ليون-المتوسط”، وهو من أعمال
الفنان الفرنسي جاك ماجوريل (1886-1962) الذي عاش في مراكش. وكذلك ملصق
“تلمسان” لشركة “بيه إل إم – تلمسان” الذي نفذه الفنان ليون كاريه (1878-1942)،
وطُبع في الجزائر في عام 1929. وهناك أيضًا ملصق “القاهرة – الخطوط الحديدية
المصرية” الذي رُسم لشركة الخطوط الحديدية المصرية، من قِبل الفنان البريطاني إف
إتش كوفينتري، وطُبع في القاهرة في عام 1935.
ويتيح المعرض للزائر معاينة ثلاثة وعشرين من المجلدات الضخمة المزخرفة والمرقّمة
بنقوش ذهبية، التي تمثل نسخة من كتاب “وصف مصر” الذي أُنجز خلال الحملة
الفرنسية التي قادها نابليون على مصر (1798-1801م).
ويحظى الزائر بفرصة الاطلاع على جهود فريق من العلماء والفنانين الذين سجلوا مصر
بكامل تفاصيلها الثقافية والجغرافية والأنثربولوجية ورسموا صور سكانها وأسواقها
ومساجدها وساحاتها ليبدو الوقوف أمام هذه المجلدات والتمعن في صفحاتها عودة إلى
حياة مصر في أوائل القرن التاسع عشر.
وضمن الفعاليات المرافقة للمعرض، عُقدت ندوة ثقافية بعنوان “مستقبل المخطوطات”،
شارك فيها د.علي بن إبراهيم النملة، وزير العمل والشؤون الاجتماعية السعودي الأسبق،
والباحث والكاتب الإماراتي د.أحمد محمد عبيد، لمناقشة راهن المخطوطات ومستقبلها،
والتحديات التي تواجهها، والسبل المتاحة لدراستها.
وقال د.علي إن عالم المخطوطات “محيط من العلوم كتبت بخطّ اليد”، وإن المخطوطات
“علم قائم بحدّ ذاته ويدرَّس في أقسام المكتبات والمعلومات”، ملخّصًا حال المخطوط في
بلاد المشرق بثلاثة مسارات، هي: الحفظ، والتهجير الذي غالباً ما كان إلى الغرب،
والإتلاف.
وأضاف د.علي: “لدينا مئات الآلاف من المخطوطات التي تحظى بقدر جيد من العناية في
مراكز بحوث ومكتبات عربية وغيرها، وكثيرة هي النوادر التي كُتبت بخطّ اليد إبّان
الحواضر الإسلامية وكان لها مراكز للوراقة، إذ إن بغداد وحدها كانت تحتضن 100
حانوت من حوانيت الورّاقين، ولم تتخصص هذه الحوانيت بالنسخ فقط بل كانت ملتقيات
أدبية شهدت حضور المتنبي والأصمعي وغيرهما”.
وتناول د.علي ظاهرة تهجير المخطوطات، قائلاً إنها صاحبت المخطوط العربي
والإسلامي والشرقي بوجه عام وبلغاته المختلفة، وأسهمت فيها جهات كثيرة منها الكنيسة
التي أخذت المخطوطات من الشرق إلى أوروبا، إلى جانب ما ساهم فيه تجار
المخطوطات والجواسيس والرحالة.
ورأى أن الحفاظ على محتوى المخطوطات واستعادته، أهمّ من استرداد المخطوطات
الأصلية نفسها، لعدم وجود اتفاقيات وأعراف دولية بهذا الشأن، مشيراً إلى أن هناك
الكثير من المخطوطات التي لا نعلم إن كانت أصلية أم لا، إلا بالعودة إلى الصفحات
الأخيرة من المخطوط، حيث يذكر الورّاق تاريخ كتابته والمكان الذي نسخه فيه وهذا
يحتاج إلى بحث دقيق.
وتحدث د.علي عن إتلاف المخطوطات بقوله: “هناك الكثير من المخطوطات التي
تعرّضت للحرق والمسح والطمس، إلى جانب أن الكثير من العلماء لم تكن لهم ورثة
يحفظون ويتابعون إرثهم المعرفي، بالإضافة إلى ما ساهم فيه الاستعمار من إتلاف
للمخطوطات ونوادر قيّمة صاحبت حملاته”.
من جانبه قال د.أحمد محمد عبيد إن هناك نوعاً من التهيّب عند التكلم عن المخطوطات،
باعتبار أن المخطوط كتاب قادم من عالم الماضي كُتب بخطّ اليد ولا يمكن قراءته إلا من
قِبل أشخاص متخصصين. موضحاً أن هذه الفكرة بدأت في التلاشي لدى الكثير ممن بدأوا
بمطالعة المخطوطات واقتربوا من عالمها، فضلاً عن أن المعارض التي يحضرها
المهتمون وغير المختصين ساهمت في جعل فكرة التهيّب تختفي شيئاً فشيئاً.
وأضاف أن حركة نشر المخطوطات العربية بدأت في مطلع القرن العشرين، ثم
انتشرت واتسعت وصولاً إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مع ظهور مؤسسات
معنية بالمخطوطات”.
وعن التحديات الخاصة بالمستقبل وتأثير التكنولوجيا على المخطوطات قال د.أحمد: “
تحديات المخطوطات تتلخّص في انصراف الكثير من المحققين إلى جوانب أخرى بسبب
عدم وجود عائد مادي للتحقيق، كما أن بعض الجامعات لا تعتبر التحقيق جزءاً من
متطلبات الحصول على شهادات الماجستير أو الدكتوراه”، خاتماً حديثه بدعوته إلى
الاعتراف بالجهود التي يقوم بها مختصون لتوفير مخطوطات للباحثين على شبكة
الإنترنت ووسائل التواصل لتكون متاحة بشكل محكم وسهل الوصول.
/العمانية /174