أقامت الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم مساء يوم الأحد: (19 رمضان 1442هـ – 2 مايو 2021م) محاضرة عن بُعْد بعنوان: (كيف تربي أبناءك قرآنيًا؟)، قدمها الشيخ/ عبدالله بن علي بن أسلم غفرم الشحري (إمام وخطيب بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم).
بدأ المحاضر بالحديث عن كيفية تأمله في كتاب الله، واستخراج مفاهيم التربية من الآيات الكريمة؛ حيث انطلق المحاضر من قضية الدعاء؛ فجعل منها منطلقًا إلى ترميم مفهوم أساس لدى شخصية المسلم؛ وهو الإيمان بالغيب؛ فالمؤمن كما أنه مكلفٌ بأن يعمر الدنيا، وأن ينشط فيها، وأن يكون محققًا لمفهوم الاستخلاف؛ كذلك هو يؤمن بالآخرة إيمانًا قطعيًا، ويؤمن بالله –تعالى-، ويؤمن بالغيب؛ تصديقًا لقول الله –تعالى-: (ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ. ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ) [البقرة: 2-3].
ثم فصل الحديث عن الدعاء، وركز على أهميته، وكيف أن الدعاء هو الأمر الذي أمر الله –تعالى- به عباده؛ حيث قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ).
ثم بين المحاضر منزلة الدعاء عند النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكيف أن المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أشار إلى أن دعاء الوالدين مستجاب؛ فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ).
ثم بين المحاضر كيف أن هنالك إشكالية معاصرة؛ وهي قضية أنه قد يغيب فضل هذه المسألة عن كثيرٍ من المسلمين؛ فتجد أن الأب والأم مع أنهما يعلمان أهمية الدعاء، ولكنهما قد يقصران في هذه القضية، بل قد تغيب عنهما لفترةٍ طويلة؛ فعلى الإنسان أن يتدارك نفسه، وأن يتلافي التقصير. ثم ذكر قصصًا من الواقع لأناسٍ استلهموا معاني هذه الآيات في أهمية الدعاء؛ فبدأوا فعلًا يكثرون من الدعاء لأبنائهم، وكانت المفاجأة بأن رأوا صلاحًا حقيقيًا، وتغيرًا ملحوظًا في سلوك أبنائهم.
ثم انتقل المحاضر بعد ذلك إلى ركيزةٍ تربويةٍ قرآنيةٍ أخرى؛ حيث عبر عنها من خلال قصة سيدنا إبراهيم مع سيدنا إسماعيل؛ في إطار قول الله –تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ) [الصافات: 102]: حيث ركز المحاضر على قضية (مَعَهُ)؛ إذ إن القرآن لم يشر فقط إلى أن إسماعيل قد بلغ، وقد ذهبت به سنوات، بل أشار إلى أن هنالك ارتباطًا قويًا بين الابن وابنه؛ لقول الله –تعالى-: (مَعَهُ)؛ اذ إن هذه المعية جعلت انعكاس الأفكار والأخلاقيات واضحًا في الابن؛ وذلك يظهر في تتمة قول الله –تعالى- عندما قال: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [الصافات: 102]: حيث قارن المحاضر بين هذه الاستجابة وبين هذه الإجابة الرائعة والغريبة والقوية؛ التي تصدر من صبيٍ صغيرٍ يتجاوز العاشرة بسنتين أو ثلاث، وكيف يمكن أن نحصل على إجابةٍ مثلها من أبنائنا لو أننا انطلقنا معهم في إطار معية وارتباط؛ إذ إنهما ينبغي أن يكونا مع بعضهما بعضًا، ثم عبر عن هذا بما يسميه التربويون بالوقت المعاش؛ وهو أن يبقى الأب مع ابنه طويلاً، ولكن هذا لن ينعكس سلوكًا إلا من خلال ما يسمى بالوقت التربوي؛ والوقت التربوي: هو أن يتكلم معه، أو أن يسمع من ابنه، وأن يغرس فيه القيم، وأن يكون بينهما حوار؛ فهذا هو ما يسمى بالوقت التربوي.
ثم ذكر المحاضر لذلك أمثلة من سيرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ حيث إن صغار السن كانوا إذا سبقوا إلى مجلس رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- جلسوا عن يمينه، والأشياخ يجلسون شماله، وفي هذا دلالة قوية إلى مدى الارتباط الحقيقي بين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وبين صغار السن؛ إذ إن الهدف هو الغرس.
ثم أكد المحاضر على أن هذه السنة النبوية وهذه الصفة القرآنية كانت متجسدةً في المجتمع العربي عمومًا والمجتمع العماني خصوصًا؛ فيجب علينا في هذه الأجيال الحاضرة أن نحافظ على هذه الصفة، وأن لا نتركها؛ لأنها ستكون -بإذن الله تعالى- الرافد الذي يرفد بقاء القيم في سلوكيات أبنائنا.
ثم بين المحاضر أهمية الغرس؛ من خلال التركيز على آية سيدنا لقمان؛ إذ إنه أظهر في هذه الآية مدى مفهوم الغرس في إطار تفسيريٍ تبييني، وليس في إطارٍ آمري؛ إذ يقول الله –عز، وجل-: (وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ) [لقمان: 13]؛ فهنا يبين لقمان ويفسر لماذا على ولده ألا يشرك؛ وهذا ما يسمى بالأسلوب التربوي التفسيري والتعليلي والتبييني، وليس الأسلوب الآمري؛ وأكد المحاضر على أن الأسلوب الآمري المنتشر بكل أسف في زماننا هو معاكسٌ تمام الانعكاس للمفهوم القرآني وللمسلك النبوي –على صاحبه أفضل الصلوات والتسليمات-.
ثم ختم المحاضر بالتأكيد على أن كل أسرةٍ لو ارتسمت هذه الملامح الثلاثية من خلال: الدعاء، والصحبة، وإعطاء الوقت (بالتعبير القرآني: مَعَهُ)، ثم المنهج التعليلي والتفسيري والغرس القيمي (من خلال قضية سيدنا لقمان)؛ عندها سوف نرى انعكاس هذه المفاهيم في صلاح الجيل القادم، ثم ختم بالدعاء لوطنه، ولبلده، ولعموم المسلمين: بالصلاح، وللعالم كله: بالخير، والفلاح.
كما أقامت الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم يوم الاثنين: (20 رمضان 1442هـ – 3 مايو 2021م) محاضرة أخرى عن بُعْد بعنوان: (سورة الفلق في ميزان التدبر)، قدمها الشيخ الدكتور/ محمد بن علي بن محمود اللواتي (إمام مسجد الإمام جعفر الصادق بولاية مطرح).
ذكر في بداية المحاضرة أن سورة الفلق المباركة تحدثنا عن الشرور في حياتنا، وتعلمنا طريق الخلاص منها؛ لنأمن في الدنيا والآخرة، ولنسعد في حياة خالية من الشر؛ بلطف الله وكرمه.
ثم أوضح أن سورة الفلق تبين لنا أن كل شيء في الوجود إنما وجد بيد ربوبية الله -سبحانه-، وأنه -تعالى- ربنا الذي أراد لنا الخير والسعادة والأمان؛ فلا يمكن أن يسمح للشر بأن يعترض كمالنا وسعادتنا، وتشير إلى هذه الحقيقة بقولها: (رَبِّ ٱلۡفَلَقِ).
ومن هنا فإن جميع ما خلق الله -تعالى- إنما هو خير وحسن: (ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ ) [السجدة: 7]، وإن ما يتراءى لنا شرًا ليس إلا وجهًا شريرًا للأشياء، قد غلب في ظهوره الوجه الحسن لها، وهذا تشير إليه السورة بقولها: (مِن شَرِّ مَا خَلَقَ).
ثم بين أن السورة الكريمة تفاجئنا أن السبب في ظهور الوجه الشرير للأشياء من حولنا هو الإنسان نفسه؛ وذلك بتوفره على أحد العناصر المسببة لذلك:
العنصر الأول: الجهل: (وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ).
العنصر الثاني: الوهم: (وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ).
العنصر الثالث: الراذائل النفسانية: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
وختم محاضرته بالتأكيد على أن الإنسان إذا ما تخلص من هذه العناصر الخبيثة فإنه يأمن من الشر في كل شيء.