أقامت الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم يوم الجمعة (17 رمضان 1442هـ – 30 إبريل 2021م) محاضرة عن بُعْد بعنوان: (حين يفرح الله بك: توجيهات قرآنية لحياة طيبة)، للشيخ سلطان بن سعيد الهنائي (المدير العام للمديرية العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية).
بدأ المحاضر ببيان فكرة عنوان المحاضرة، وارتباطه بموضوع التوبة، والرجوع إلى الله؛ يقول –عز، وجل-: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]، وجاء في الرواية عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، وقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح).
ثم تحدث المحاضر عن أهم الدوافع إلى التوبة، وهي:
- العلم: فالعلم فضله عظيم، وله الدور في توجيه الناس إلى الخير، وتجنب الشر. ولا شك أن العلم بما ورد في فضل التوبة له أثر في دفع الناس إلى المسارعة إلى التوبة، والإنابة إلى الله –سبحانه-، من مثل: (أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ) [التوبة: 104]؛ فعلمهم بقبول الله للتوبة دافع لهم إليها: (قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزمر: 53-54].
- العقل: العقل الرشيد أساس التكليف؛ لذلك رفع قلم التكليف عن غير العاقل؛ كالمجنون، والصبي؛ لأن عقلهما لا يزال قاصرًا من أن يتوقى المحاذير والمحارم التي بينها الله –تبارك، وتعالى-؛ لذلك فالعقل الراشد الناضج هو الذي يدعو صاحبه إلى التوبة؛ لأن التوبة الصالحة الجامعة تحفظ له جميع أعماله.
- الخوف من الله يدفع إلى التوبة؛ فالخوف من الله ليس عيبًا، بل هو أعظم الشرف، وأرفع الدرج؛ ولذلك كان الأنبياء والمرسلين –عليهم السلام- أكثر شفقة من الله.
إن خوف الإنسان أن يفرط؛ بترك الواجبات أو بفعل المحرمات يدفعه إلى الإنابة؛ لذلك كان الإنسان مأمورًا أن يكون أكثر خشية وشفقة من الله، ومن اتصف بذلك كان أكثر انقيادًا وتوبة.
ومن لوازم الخوف من الله أن يخاف العبد من عذاب الله، وأن يخاف من الدار الآخرة، وأن يخاف من التقصير في حقوق الله وحقوق الخلق. - الرجاء: وهو مقابل الخوف؛ فنرجو ما عند الله بحسن التوبة والرجوع إلى الله؛ فهو من أعظم أبواب الرجاء: (ن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ)، ففي جميع الأوقات كل أبواب التوبة مفتوحة؛ ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية.
ولا يكون هذا الرجاء إلا بمراعاة شروطه التي جاءت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، فلا يكون بالأماني، وإنما مع جميل الإحسان، وصنائع المعروف، والتوبة، والمسارعة في الخير: (وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزمر: 54]. - الحب: إن الحب هو طاقة محركة؛ ولذلك كان حب الله –تعالى-، وحب الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم-، وحب الأعمال الصالحة وأعمال البر والتقوى والصلاح والإيمان والاستقامة والجنة؛ دافعًا لهذا الإنسان إلى الإنابة والتوبة.
وكذلك الكره لما خالف ذلك دافعًا إلى الاستقامة، وترك التقصير، وعدم الإصرار عليه عند الوقوع فيه.
ونجد أن الله يخاطبنا على لسان رسولنا الكريم: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31]؛ فنجد أن محبة الله لنا ومغفرة الذنوب المرتبطة بالقبول تتعلق بإخلاصنا في حبنا لله إخلاصًا لا تشوبه شائبة، ويكون إثباته ودليله هو اتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فـ (إِن) هي أداة الشرط، وجملة الشرط: (إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ)، وجملة جواب الشرط: (فَٱتَّبِعُونِي)، والنتيجة المتحصلة: (يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ).
فيفرح الله بك حين تعيش هذه الآية واقعًا باتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وللأسف الشديد فإن بعض الناس يفرط في السنة النبوية بدعوى أنه قرآني، مع أن الله قد أمرنا باتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في مواضع كثيرة؛ لذلك إن كنا نريد قبول التوبة حقًا فلا بد من ربطها بالله، وبحب رسوله، وبالقرآن. - التوفيق: لا تكون التوبة إلا بتوفيق من الله، ولا بد من الأخذ بالأسباب السابقة لاستجلاب توفيق الله –تعالى-؛ فإذا ما أردت أن يخصك الله بأن تكون مع قوافل التائبين فلا بد من حسن الظن بالله، واليقين أنه يحب منا خالص التوبة والإنابة، وأن نتعرض لنظرة من الله؛ فنظرة واحدة منه –عز، وجل- كفيلة بإصلاحنا وإسعادنا دنيا وآخرة، وأن تشرح صدورنا: (أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٌ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ) [الزمر: 22].
فلا بد أن نسابق إلى تلك المواطن التي تجعل الله يتوب علينا، ويقبل إنابتنا.
ثم تطرق المحاضر إلى أهم موانع التوبة:
- الجهل: فما أبغضه؛ فهو سبب البعد عن الله، فمن أشرك وعصى كان سببه الجهل، وهو أصل لكل شر، والجهل لو كان صفة لفرد أو أسرة أو مجتمع كان سبب المهالك كلها في الدنيا والآخرة، ويهلك الإنسان بعدم معرفته بالله وبصفاته.
والجهل المركب من أعظم أنواع الجهل؛ فيظن صاحبه أنه يعلم وهو غارق في أوحال الجهل، ويرى أنه ليس بحاجة إلى تذكير مذكر، وتربية مرب، ونصيحة عالم رباني، وتعليم معلم؛ يقوده بحسن الدليل وبكنوز ما استخرجه الله من كتاب الله وسنة رسوله وبما فتح الله لبعض عباده من علوم ربانية وأبواب روحانية. - الغفلة: ما أقبح الغفلة! والغافلون بعيدون عن التوبة؛ لذلك لا بد أن يكون العبد ذاكرًا ربه.
- طول الأمل: فبسببه يؤجل المذنب توبته حتى يبلغ سنًا ثم يتوب، أو يؤمل أن يذهب إلى الشيخ الفلاني ليدرس، ويتوب، أو يؤمل أن ينجز المشوار التعليمي ثم يتوب، وينتبه من غفلته وطول أمله، أو يؤمل أن يذهب إلى الحج ثم يعود تائبًا، أو غير ذلك.
- التسويف: فكثير من الناس يسوفون التوبة حتى يفاجئهم صارم الأجل؛ فينتبهون وقتها ولا ينفعهم ذلك: (حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ ا۬حَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ. لَعَلِّيَ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّاۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِمُۥ بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ) [المؤمنون: 100-101].
- استصغار الذنب والمعصية: فيقول بعضهم: هل يعقل أن يعذبني الله لأنني لم ألبس اللباس المشروع، أو لوقوعي في: الغيبة، أو النميمة، أو لأنني اقترضت بالربا؟
إن العاقل ينظر إلى عظمة من يعصي لا إلى حجم المعصية، بل إن الإصرار على الصغائر أو استصغارها أو تعمدها أو عدم التوبة منها بعد الانتباه إليها يحولها إلى كبائر، ولعل المرء عد معصية صغيرة وهي عند الله كبيرة: (وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15]. - ذنوب الخلوات: فمن أعظم الذنوب عدم مراقبة الله في الخلوات، فعلى الإنسان أن يلتزم الصدق في جميع أوقاته، وأن يكون بعيدًا عن التصنع والتكلف.
وعلينا أن نحرص على التوبة إلى الله توبة يقبلها، وأن لا يخرج رمضان إلا وقد جاهدنا أنفسنا؛ لنفرح بثمرات التوبة؛ المتمثلة في:
- سعادة في الدنيا: تملأ نفوسنا، وسعادة تغمرنا في كل عباداتنا وتصرفاتنا ومعاملاتنا.
- الاستقرار: فمن نعم الله نعمة السكينة والثبات، وأن يعود الإنسان إلى الله بنفس مطمئنة: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح: 4]، (يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ. ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ. فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي. وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30].
- من ثمرات التوبة الحصانة: أن يحصن الإنسان أعماله من الإحباط عندما يعود إلى الله بالتوبة والإنابة؛ لأن الله يقبل ويحب من كان نقيًا من الذنوب والخطايا: (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].
- يكون التائب في عناية الله، وفي رعاية الله؛ التي تحفظه من بعض الذنوب والخطايا، ويكون من المتقين: (وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ. ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ. وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ. أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٌ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ) [آل عمران: 133-136]؛ فلأنهم يعيشون مع الله فإنهم سرعان ما يعودون إليه إذا ما اقترفوا ذنبًا، أو ارتكبوا خطيئة.
- من ثمرات التوبة محبة الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222)، والله إذا أحب عبدًا وفقه: (وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
- التائبون المخلصون يستحقون الولاية من الله التي تكون بين العبد وربه: (ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة: 257]، والولاية التي تكون بين المؤمنين الصالحين المخلصين المتقين من الإنس والجن والرجال والنساء من الأولين والآخرين حتى قيام الساعة: (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وهي فريضة تجب على المؤمن مثلما تجب عليه الصلاة؛ فعليه أن يؤديها.
- النجاة والسلامة في العقبى؛ لأنه لا ينالها إلا التائبون، وتحقيق التوبة يكون في ثلاث صور؛ لأن الذنوب على ثلاث أحوال:
الأولى: الكفر ولوازمه: ولا توبة منه إلا بدخول الإسلام: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا) [النساء: 48].
الثانية: الكبائر: وتحقيق التوبة منها يكون بالتوبة النصوح بأركانها وشروطها كاملة: (وَاَلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ اَ۬للَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ اَ۬لنَّفۡسَ اَ۬لَّتِي حَرَّمَ اَ۬للَّهُ إِلَّا بِالۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامًا (68) يُضَٰعَفۡ لَهُ اُ۬لۡعَذَابُ يَوۡمَ اَ۬لۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اُ۬للَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٍ وَكَانَ اَ۬للَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اَ۬للَّهِ مَتَابًا) [الفرقان: 68-71]: (إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء: 17-18].
الثالثة: الصغائر: وتحقيق التوبة من الصغائر يكون بأحد أربعة أمور: التوبة بضوابطها، وبالعمل الصالح: (إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ) [هود: 114]، وبتجنب الكبائر كما جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية؛ من مثل قول الله –تعالى-: (إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31]، ويكون تكفيرها كذلك بعدم تعمدها أو الاستخفاف بها أو استصغارها أو الإصرار عليها؛ لأن ذلك كله ومنه الإصرار عليها يحولها إلى كبائر: (وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ) [آل عمران: 135].
ثم انتقل المحاضر إلى الحديث عن أركان التوبة؛ فحتى تكون مقبولة لا بد أن تستوفي أركانها، وهي:
- الندم: فلا بد أن يندم من وقع في الذنب على معصيته وذنوبه.
- العزم على عدم العودة إلى تلك المعصية والذنوب مرة أخرى.
- الإقلاع: فعلى التائب أن يترك الذنب والعصيان، ولا يكون مصرًا، ولا متلبسًا بالمعصية، وليحذر أن تستولي عليه: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَٰطَتۡ بِهِ خَطِيَٓٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة: 81].
- الاستغفار: فعلى التائب أن يستغفر الله -تعالى-.
ومن الأخطاء الشائعة عند بعضهم أنه عندما يريد التوبة فإنه يقتصر على الاستغفار دون بقية الأركان، وهذه لا تعتبر توبة كاملة نصوحًا، بل لا بد أن يأتي التائب بجميع الأركان.
ثم عرض المحاضر صورة تتضمن مجموعة من الدوائر:
- الدائرة الصفراء الكبيرة المضيئة: هي دائرة النور، دائرة الضياء لحياة المسلم، دائرة الهداية التي يجب أن يعيشها كل واحد منا.
- الدائرة السوداء: هي تلك الدائرة المظلمة، وعلى المؤمن أن يحذر من الاقتراب منها؛ فإنها دائرة الكفر، دائرة الشرك، لا نجاة ولا سلامة للإنسان إذا كان يعيش في تلك الدائرة، ولا يمكن أن يرجو النجاة عند الله –عز، وجل- وهو يعيش في دائرة الكفر وما يؤدي إلى الكفر من لوازمه؛ من إنكار معلوم من الدين بالضرورة.
والإلحاد صورة من صور الكفر بالله؛ فلا بد أن نبتعد عن تلكم الدائرة، ولا يمكن أن نقترب منها، ومن أسبابها، ومما يؤدي إليها. - الدائرة الحمراء: دائرة الكبائر، وهي دائرة الخطر الأكبر على حياة المسلم في الدنيا والآخرة بعد الكفر والشرك بالله –عز، وجل-، وكبيرة واحدة منها خطيرة؛ فكيف إذا اجتمعت أكثر من كبيرة؟! (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ) [الحجرات: 2]؛ والله –عز، وجل- يأمر الإنسان بأن يحافظ على أعماله الصالحات: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ) [البقرة: 264].
لذلك فلنحذر من أن نكون في لحظة أو في دقيقة أو في ساعة ونحن على كبيرة من كبائر الإثم، سواء أكانت قلبية: كالعجب، والكبر، والرياء، والحسد، وسوء الظن في الله، أو سوء الظن بالناس وبالمؤمنين، وغير ذلك. أو كانت باللسان: كالكذب، والغيبة، والنميمة، وقول الزور، والأيمان الكاذبة، وغيرها. أو كانت من أعمال الجوارح: ككبيرة شرب الخمر، أو السرقة، أو الزنى، وغيرها.
وعندما تكون لدى الإنسان واحدة من هذه الكبائر فليدخلها إلى الدائرة المضيئة دائرة النور؛ وذلك بحسن التوبة والإنابة إلى الله –عز، وجل-؛ بالإقلاع والعزم ألا يعود إليها؛ لأن الله يبدلها إلى حسنات: (إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِهِمۡ حَسَنَٰتٍ) [الفرقان: 70]. - الدوائر الحمراء الصغيرة: هي الصغائر، فإن أبقيتها مع وجود الكبائر تكون –والعياذ بالله- من الكبائر؛ فلا بد أن تتخلص منها بواحد من أربعة أمور –كما تقدم-: بالتوبة، أو بالعمل الصالح، أو بترك كل الكبائر، أو بعدم تعمدها أو الإصرار عليها أو استصغارها أو الاستخفاف بها.
ثم انتقل المحاضر إلى الحديث عن كيفية تحصين التوبة؛ فذكر:
- مداومة عمل الصالحات.
- مصاحبة الأخيار: فيكون الجو الأعظم مع هذه الصحبة، والله –عز، وجل- يأمر رسوله بذلك: (وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا) [الكهف: 28]؛ فهنا الله يصنف الناس؛ فهنالك فئة منهم يدعون ربهم ليل نهار، ويستغفرونه، ويتوبون إليه، وهم متعلقون بالله -عز، وجل-، ومتمسكون بحبائل الطاعة والإنابة والأعمال الصالحة؛ هؤلاء لا تفارق عيناك هذه الفئة حتى طرفة عين، وعليك أن تعيش في بيئتهم. ولكن هنالك فئة كن على حذر منها؛ لأنها ستؤثر عليك شيئًا فشيئًا: (وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا).
- رقابة الذات: (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، وبكثرة مراقبة الله ومحاسبة نفسك تصل إلى إدارة الذات.
- اتقاء أسباب المعصية: وأسباب المعاصي كثيرة لا حدود لها؛ فالدنيا محفوفة بالملذات والشهوات؛ لذلك تكون النفوس مطمئنة إلى الدنيا؛ لذلك لا بد أن تتوقى أسباب المعصية، وأن تتجنبها.
- الإلحاح في الدعاء: فالمؤمن يعلم أن التوبة ما هي إلا تسديد وتوفيق من الله؛ فلتلح على الله في كل وقت وحين أن يوفقك إلى أن تكون من التائبين المنيبين، ولتكرر: (رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ) [آل عمران: 8].
ثم أجاب المحاضر عن بعض الأسئلة، ومما جاء في بعض الأجوبة:
معرفة قبول التوبة يكون بحسن الظن بالله؛ فالله قد أمر الإنسان بالتوبة، وكتبها على نفسه: (إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ)؛ فجعل الله ذلك من صفاته اللازمة الواجبة التي يعد بها خلقه، والله إذا وعد وفى به؛ ولذلك علينا أن نجد في التوبة والإنابة إلى الله، وأن نسابق ونسارع إلى ذلك بكل ما أوتينا.