على الذين يراهنون على الادارة الامريكية الجديدة وينتظرون منها ان تضغط على انظمة الحكم العربية لتخفيف قبضتها الحديدية على المعارضة واتخاذ اجراءات أكثر انحيازا للديمقراطية وحقوق الانسان، ان يتخلصوا من اوهامهم.
***
ولنتفق اولا على أن استدعاء الخارج، تدخلا أو استقواءً او تدويلا، مهما بلغت درجة معاناة الشعوب من حكامها، كان وسيظل موقفا مرفوضا ومدانا بشكل قاطع، يقع تحت طائلة الخيانة الوطنية.
وذلك لعشرات الاسباب والثوابت والبديهيات على رأسها ما يعلمه الجميع من ان الخارج الذي هو الولايات المتحدة ومجتمعها الدولى بالاساس، هى قوى استعمارية معادية وعدوانية، تكره وتنهب وتستغل كل شعوب الارض، ولا تستهدف سوى مصالحها، ووجودها واطماعها ومشروعاتها فى بلادنا خير دليل على ذلك من اول حماية ودعم وتسليح (اسرائيل)، ومرورا بحصار العراق وغزوه، وانتهاءً بنهب الثروات العربية وبذر القواعد العسكرية والهيمنة على الممرات الاستراتيجية..الخ. ناهيك عن النهايات الكارثية التى لحقت بالبلاد التى استدعت القوات الامريكية وحلف الناتو او التى تتم تدويل قضاياها.
ولمن لا تُجدى معه الحجج السابقة، فاننا نكتب له هذه الكلمات عن عمق العلاقات وتعدد واتساع المصالح بين الولايات المتحدة وبين الغالبية العظمى من الدول العربية، ليتخلص من كل أوهامه، ويدرك ان الامريكان لا تعنيهم حرية الشعوب وحقوقها من قريب او بعيد، الا فى كونها ورقة ضغط وتفاوض لترويض واخضاع انظمة الحكم.
***
ولن أضرب أمثلة من المحميات الامريكية فى السعودية والخليج، وانما سآخذ مصر مثالا واضحا على الاهمية الكبرى التى توليها الولايات المتحدة للدولة المصرية فى الاستراتيجية الامريكية فى المنطقة، والتى تعلو وتسود على اى قضايا أو ملفات أخرى، وهو الاهتمام الذى لم يتغير منذ ما يزيد عن اربعين عاما، رغم كل التحفظات والتصريحات التى تصدر من حين لآخر من مسئولين امريكيين عن احوال الديمقراطية وحقوق الانسان فى مصر.
ويمكننا ان نستهل حديثنا بالاخبار الاخيرة التى نشرتها السفارة الامريكية بالقاهرة، والتى قد تزيل أى التباس أو غموض حول طبيعة العلاقات الحالية فى ظل الادارة الامريكية الجديدة، كما انها تقدم تحديثا هاما ومفيدا للمتابعين والمتخصصين فى هذا الملف:
***
نشرت السفارة الامريكية فى القاهرة على موقعها الالكترونى خبرا عن توقيع مذكرة ((تفاهم للاستحواذ والخدمات المتبادلة ـ ACSMOU)) بين مصر وامريكا فى 27 ابريل الماضى تتعلق بتسهيل تبادل الدعم اللوجستي العسكري والإمدادات والخدمات.
وذكرت السفارة فى بيانها ان المذكرة تضع إطار عمل للقوات العسكرية المصرية والأمريكية لتبادل الدعم اللوجستي والإمدادات والخدمات. وفي حين أن مذكرة التفاهم لا تلزم أي من الجانبين بتقديم الدعم، إلا أنها تنشئ آلية دائمة لضمان قدرة القوات العسكرية الأمريكية والمصرية على تقديم دعم قابل للسداد لبعضهما البعض عند الحاجة. ستتيح مذكرة التفاهم تسهيل تقديم الخدمات المشتركة والمتطلبات اللوجستية خلال أنشطة التدريبات والتبادلات المشتركة المستقبلية وذلك بدلاً من توقيع اتفاقيات قصيرة المدى أو اتفاقيات منفصلة لكل نشاط من هذه الأنشطة. وخلال العام الحالي، ستُسهل مذكرة التفاهم الجوانب اللوجيستية ومشاركة القوات الأمريكية خلال مناورات النجم الساطع 2021، وهي المناورات متعددة الأطراف التي تأتي لمواصلة التدريبات العريقة بين الولايات المتحدة ومصر والدول الشريكة التي تعمل معًا لتعزيز الاستعداد للرد على التهديدات الإقليمية، وبناء إطار مشترك لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الإقليميين.
وتعقيباً على هذا، أشار السفير الأمريكي في مصر جوناثان كوهين إلى أن العلاقة العسكرية الأمريكية مع مصر كانت ولا تزال أساسًا للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر لأكثر من أربعين عامًا، وأن المعدات الأمريكية تدعم القوات الجوية المصرية والقوات البرية والبحرية وحرس الحدود في مواجهة أي تهديدات لأمن مصر، حيث يُعد التعاون الدفاعي مع مصر حجر الزاوية في شراكتنا الاستراتيجية، والتي تشمل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود والتدريب المشترك والتخطيط لمواجهة التحديات الجيوسياسية المعقدة.
***
وفى 12 ابريل الماضى ايضا، نشرت السفارة على ذات الموقع خبرا آخر عن انضمام مصر الى القوة البحرية المشتركة CMF لتصبح العضو رقم 34 فيها.
وجاء فى الخبر ان القوة البحرية المشتركة “CMF” هو تحالف دائم لقوات متعددة الجنسيات ملتزم بدعم النظام الدولي المستند إلى القواعد من خلال مكافحة الجهات الفاعلة غير المشروعة والتي لا تمثل اي دولة في أعالي البحار وذلك لتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار. وتشمل منطقة عمليات CMF بعضًا من أهم ممرات الشحن في العالم مع أكثر من 3 ملايين ميل مربع من المياه الدولية، بما في ذلك الممرات الرئيسية لقناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز.
وذكرت السفارة ان الأدميرال صمويل بابارو نائب قائد الأسطول الخامس وقائد القوة البحرية المشتركة، قد رحب بعضوية مصر أثناء زيارته للإسكندرية. فقال ((اليوم هو يوم تاريخي حيث تدخل مصر في تحالفنا الدائم. مصر شريك هام في ضمان الاستقرار في المنطقة، ويشرفنا أن نرحب بشراكة مصر في مهمتنا التي تركز على جعل المنطقة والعالم مكانًا أكثر أمانًا)) وان مصر ((تقدم ثروة من الخبرة التشغيلية في المنطقة والقدرات البحرية إلى القوات البحرية المشتركة، وتوفر الآن شركاء التحالف على جانبي البحر الأحمر، وهو ممر مائي ذو أهمية إستراتيجية كبيرة يمثل 10 في المائة من التجارة العالمية. ستعمل عضوية مصر على تحسين الوعي المتبادل والقدرة على العمل في وسط وشمال البحر الأحمر.))
***
واضح اننا امام تصريحات امريكية رسمية “حديثة” تؤكد على اهمية التعاون العسكرى مع مصر والاشادة بفوائده، لتضاف الى السجل الطويل السابق من الاشادات المماثلة والتى منها على سبيل المثال:
· ((فى اغسطس 2013 وافقت السلطات المصرية على مرور البارجة الأمريكية سان انطونيو من قناة السويس قبل مرور 24 ساعة من تقديمنا لطلب المرور بينما فى الظروف العادية تحتاج الموافقة الى 23 يوما، وهذا مثل واحد فقط من التسهيلات التى نحصل عليها جراء التعاون العسكرى مع مصر))من شهادة دريك شوليت مساعد وزير الدفاع الأمريكى فى جلسة الكونجرس بتاريخ 29 اكتوبر 2013***· ((مساعدتنا العسكرية لمصر ليست هدية، فهى تحقق لنا فوائد جمة، لا تقتصر فقط على الحفاظ على معاهدة السلام..
o فبعد كامب ديفيد قدم الجيش المصري تعهدا بالتحول من نموذج التدريب والتجهيز الروسى للنموذج الامريكى
o وكان ذلك قرار كبيرا لانه انتقال كبير فى المفاهيم والعقيدة والمعدات..
o فى عملياتنا العسكرية فى المنطقة، لا نستطيع بدون مصر، ان نصل الى المواقع الاستراتيجية فيها..
o بدون قناة السويس وحقوق الطيران فوق مصر والتسهيلات بقاعدة غرب القاهرة وغيرها لا يمكننا تحريك أو دعم قوات الانتشار السريع و قوات الطوارىء ..
o لقد وفرت مناورات النجم الساطع فى مصر لنا وللأوربيين مساحات واسعة للتدريب كان من الصعب الحصول فى مناطق أخرى..
o لقد ظلت علاقة أمريكا بالجيش المصرى قوية جدا وذهبنا الى ساحات المعارك سويا وأعطونا كل ما نحتاجه لمواجهة حالات الطوارىء وكانوا بجانبنا اثناءها))
الجنرال انطونى زينى القائد السابق للمنطقة المركز الامريكية ـ فى ندوة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ـ مايو 2013
***· ان الجيش المصري شريك قوى لأمريكا والاستثمار فيه له عوائد كثيرة:
o يعطينا مرورا تفضيليا فى السويس وتحليقا ديناميكيا، وتعاون استخباراتي، وتعاون فى مكافحة الارهاب
o ان الأسلحة والمعدات التى نقدمها للمصريين لن تستخدم فى أى صورة قد تعرض للخطر، موظفى الولايات المتحدة العسكرية أو المدنية أو مصالح الولايات المتحدة))
من وقائع جلسة إعادة تنصيب رئيس الأركان الامريكى مارتان ديمبسى بمجلس الشيوخ الامريكى ـ لجنة القوات المسلحة ـ 18/7/2013
***
دراسة قديمة شهيرة قام “تقرير واشنطن” بنشر عرضا هاما لها عام 2007، أعدها مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي U.S. Government Accountability Office، وهو مؤسسة تابعة للكونجرس الأمريكي، ورد فيها ما يلى:
· أنفقت مصر بين عامي 1999 و2005 مبلغ 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة من الشركات الأمريكية وبما يوازى 80 % من إجمالي المشتريات العسكرية المصرية، وأن 52 % من مجموع المعدات العسكرية المصرية وفقا لاحصاء 2005 هي معدات أمريكية، وأن المساعدات العسكرية الأمريكية تم استخدامها في استبدال المعدات التي كانت مصر قد حصلت عليها من الاتحاد السوفيتي السابق بمعدات عسكرية أمريكية عصرية.
· قدمت مصر خدمات لوجستية ومباشرة للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان:
· مثل السماح بعبور 36553 طائرة عسكرية أمريكية للأجواء المصرية خلال الفترة من 2001إلى 2005
· منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، ووفرت الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج
· بالإضافة إلى قيامها بنشر حوالي 800 جندي وعسكري من قواتها في منطقة دارفور غربي السودان عام 2004
· ان مساعداتها فى عملية نقل الجنود فى الحرب ضد العراق كان أساسيا لانجاح الغزو الأمريكى، بالاضافه لمجهوداتها بعد الحرب لإعادة تأهيل العراق عربيا وعالميا فى المجتمع الدولى.
· أن مصر قامت أيضا خلال نفس العام بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية و25 دبلوماسيا عراقيا
· إنشائها مستشفى عسكريا وإرسالها عددا من الأطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005، حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب هناك الرعاية الصحية.
· تأثير مصر فى المنطقة فهو محوري فيما يتعلق بمصالح أمريكا فى العالم العربي و الاسلامى والدول النامية
· ان المساعدات العسكرية لمصر سوف تدفع بأهداف السياسة الخارجية لأمريكا إلى الأمام في المنطقة
· وسوف تؤهل القوات المسلحة المصرية للمشاركة كحليف فى العمليات العسكرية فى العالم أجمع
· التدريب والتعليم الدولي العسكري للضباط المصريين .. يخدم مصالح أمريكا فى المنطقة
· تدريب المصريين على الوسائل المختلفة لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، يساعد على دعم المؤسسات والسياسات المتعلقة بالقوانين الاستراتيجيه المسيطرة على التجارة.
***
واضح من الأمثلة السابقة، الثبات والاستقرار الكبير للعلاقات العسكرية بين مصر وامريكا فى ظل كل الادارات الامريكية المتعاقبة، لا فرق بين جمهوريين وديمقراطيين ولا فرق بين اوباما وترامب. وما يقال عن مصر يقال أضعافه عن غالبية الدول العربية.
***
فكفى أوهاما ورهانا على الولايات المتحدة الامريكية.
وعلى القوى الوطنية المعارضة فى اى قطر عربى ان تعتمد على سواعدها وسواعد شعوبها فقط، فى معارك الاستقلال والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
*****
محمد سيف الدولة