مسقط في 10 مايو/ العمانية / تقدِّم الباحثة العمانية الدكتورة هدى بنت
عبدالرحمن الزدجالية، قراءة مغايرة لوقائع التاريخ العماني في أفريقيا، من
خلال كتابها الجديد “العمانيون وأثرهم الثقافي والفكري في شرق أفريقيا
1870 ـ 1970م”، الذي يأتي ضمن المشروع الثقافي لجمعية الكتّاب
والأدباء العمانيين، لدعم الكاتب والكتاب العماني لعام 2021م، والصادر
عن دار نثر للنشر.
ففي هذا الكتاب تذهب الدكتورة الزدجالية لتقدم العمانيين كرواد لساحل
أفريقيا، وأكثرهم تأثيرًا، ولم يكن تاريخ العمانيين بشرق أفريقيا حسب
رؤيتها في مجال التأريخ مرتبطًا بالنشاط التجاري أو السياسي فقط بل تعداه
إلى تأثيرات حضارية وثقافية وفكرية ولغوية ودينية، أدّى خلالها العُمانيون
دورًا مهمًا في تاريخ شرق أفريقيا؛ بما امتلكوه من مقومات جغرافية، وإرث
حضاري وديني، وما تبوأته عُمان من مكانة تاريخية متقدمة ساعدتها على
نقل كثير من ملامحها إلى مناطق شرق أفريقيا، فأثرت تأثيرًا واضح المعالم
على مجتمعاتها، ودينها، واقتصادها، وثقافتها، وحضارتها، ولغتها،
وأصبحت مناطق شرق أفريقيا بوجه خاص تنهل من الحضارة العربية
العمانية وتعيش على مقوماتها وأبعادها خاصة بعد أن تأسست سلطنة
زنجبار، ففي ركابها نمت الثقافة الإسلامية وازدهرت، وازداد التوغل
العربي داخل القارة.
والمتتبع لتفاصيل هذا الكتاب سيدرك أن التأثير العُماني في شرق أفريقيا لم
يكن مقتصرًا على الناحيتين السياسية والاقتصادية فقط، بل وجدت تأثيرات
مهمة ما زالت ماثلة للعيان إلى يومنا هذا في المجالات الثقافية، الفكرية،
الحضارية والاجتماعية، غفل عن ذكرها المؤرخون والباحثون.
هذه الدراسة التاريخية والتي تحمل عنوان “العمانيون وأثرهم الثقافي
والفكري في شرق أفريقيا 1870-1970م”، جاءت لتشمل أيضا مضامين
وتفاصيل موضوعات شتى تناولتها هذه الدراسة بالبحث والتحليل وهي في
الأساس أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة عين شمس بجمهورية
مصر العربية.
وحول مبرر اختيار عام 1870م بوصفه كبداية لهذه الدراسة تقول
الزدجالية: نابع هذا الاختيار من كونه يمثل بداية عهد حكم السلطان برغش
بن سعيد الذي شهدت منطقة شرق أفريقيا في عهده نهضة واسعة في مختلف
نواحي الحياة الحضارية والفكرية والدينية واللغوية والسياسية والاقتصادية
والعلمية والثقافية، أما عام 1970م الذي اختتمت به هذه الدراسة فقد مثل
نقطة تحوّلٍ مهمةٍ في تاريخ عُمان بقيام نهضة 23 يوليو 1970م بعد تولي
السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – مقاليد الحكم في عُمان، وقيام
نهضة عمانية شاملة.
ويأتي الكتاب من مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة وقائمة بأهم
المصادر والمراجع. فقد جاء التمهيد حسب تصوُّر الدكتورة هدى الزدجالية
ليكون بعنوان “العلاقات العمانية الثقافية والفكرية مع شرق أفريقيا قبل عام
1870م”، وهنا تقول: التمهيد هنا يلقي الضوء حول تلك الفترة التاريخية
حيث سنتطرق فيه لعدد من المواضيع منها العوامل الجغرافية، والتجارية،
ودورها في العلاقة بين المنطقتين، مع التركيز على أهم الهجرات العربية،
وأثرها في ساحل شرق أفريقيا (الحضارمة والعمانيين أنموذجًا)، حيث يبدأ
بهجرات اليمنيين والحضارمة ودورها السياسي والديني والتعليمي في
شرقي أفريقيا، مركزين على هجرة الحضارمة ودورها في انتشار اللغة
العربية وتطوُّر اللغة السواحيلية في شرق أفريقيا، وننتقل بعدها لذكر أبرز
القبائل العمانية، ودورها السياسي والثقافي كبني الجلندى والحرث والنباهنة
والمزارعة، ودورها السياسي والثقافي، انتهاء بدولة البوسعيد في عهد السيد
سعيد بن سلطان (1804-1856م) وما صاحب ذلك من تأثيرات سياسية
وإدارية وثقافية واجتماعية في إطار الإمبراطورية العمانية وسقوطها
وانقسامها بين أبناء السيد سعيد.
ثم تضع الباحثة تفصيلا للفصل الأول والذي حمل عنوان “دور العمانيين في
انتشار الإسلام في شرق أفريقيا”، وتذكر فيه أبرز طرق انتشار الإسلام في
شرق أفريقيا في العهد البوسعيدي، وأساليب العُمانيين في نشر الدعوة
الإسلامية، مع التطرق لأشهر العلماء والفقهاء العُمانيين وغير العمانيين
ونتاجهم الفكري غير مغفلين الحديث عن موقف العُمانيين من تعدد المذاهب
الفقهية والطوائف الدينية بشرق أفريقيا مع إبراز سياسة التسامح الديني
والاجتماعي التي انتهجها العُمانيون هناك بشتى أشكالها المختلفة، وموقف
العُمانيين من العادات والمعتقدات السائدة في شرق أفريقيا، وما جرى بها
من متغيرات بعد دخول الإسلام، وذكر أهم الصعوبات الداخلية والخارجية
التي واجهت العُمانيين في الدعوة بشرق أفريقيا، وكيف واجهها العُمانيون،
وتصدوا لها، وفي مقدمتها الاستعمار بأشكاله، وصوره المتعددة، ثم سنختم
الفصل بالحديث عن اهتمام العُمانيين بالأوقاف، وكيفية إدارتها، ودورها في
المنطقة.
أما عن الفصل الثاني فتقول الزدجالية: ناقشت في هذا الفصل الذي حمل
عنوان “الدور العماني الثقافي، وأهم المؤسسات العلمية، والثقافية العمانية
في شرق أفريقيا” دور العمانيين في نشر اللغة العربية، وظهور اللغة
السواحيلية في شرق أفريقيا، إذ بدأت بالحديث عن انتشار اللغة العربية،
ودور العُمانيين في انتشارها، والتطرُّق لأثر الاستعمار في اضمحلالها،
لننتقل بعدها إلى موضوع انتشار اللغة السواحلية، وظهورها، وارتباطهما،
وأثر اللغة العربية في الأدب السواحلي، ودور العُمانيين في انتشار اللغة
السواحلية بآدابها المختلفة، ومناقشة موضوعي الاستعمار والتبشير وأثرهما
في اللغة السواحلية، وأبرز المؤسسات الثقافية في شرق أفريقيا، بداية
بالمساجد ودورها الثقافي، ثم الكتاتيب والمدارس والمعاهد العلمية ودورها
في نشر مظلة التعليم والثقافة، مرورًا بالمجالس العامة والخاصة، ودور
العلماء، وإسهامها الثقافي في مختلف مناحي الحياة، وننهي الفصل بالحديث
عن أهم الجمعيات الإصلاحية ودورها الثقافي، وما تمخض عنها من
متغيرات.
وبرز في الفصل الثالث حسب رؤية الباحثة والذي حمل عنوان “دور
العمانيين التعليمي في شرق أفريقيا” الاهتمام بمجال التعليم، وظهور
المدارس، وانتشارها، وتطورها، ولم تغفل الزدجالية ذكر مدارس الجاليات
الهندية، والقمرية، والإسلامية، ومدارس الإرساليات التبشيرية، وأثرها
التربوي، كما تناقش أهم المناهج الدراسية آنذاك، وتشير إلى أبرز المعلمين
في مدارس زنجبار وشرق أفريقيا من مختلف الفئات السكانية، وأهم البعثات
العلمية الخارجية في تلك الفترة سواء أكانت لدول عربية كمصر والعراق أم
أوروبية، وتنتهي بذكر أهم العقبات التي واجهت النظام التعليمي. أما الفصل
الرابع فحمل اسم “المطابع والصحافة العمانية في شرق أفريقيا”، وتطرقت
فيه الزدجالية إلى ظهور المطابع، ودورها في الحركة العلمية، وذكرت دور
الصحافة العُمانية في شرق أفريقيا، وظهورها لأول مرة هناك، وأبرز
الصحف العُمانية كالفلق، والنهضة، والإصلاح، والنجاح، وغيرها، وغير
العُمانية الصادرة، وانتشارها، وتطوُّرها، وأهميتها، كما تعرج على علاقتها
بالصحف العربية الأخرى الصادرة في الفترة نفسها، وعلاقة العُمانيين برواد
حركة الإصلاح في العالم الإسلامي أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد
عبده، ومحمد رشيد رضا، ومدى تأثرهم بهم، وتناقش كذلك علاقة العُمانيين
بالعلماء المغاربة في زنجبار، والصلات التي ربطت بين الطرفين دينيًا
وثقافيًا وإصلاحيًا، وتختتم الفصل بذكر موضوع البريد والبرق، ودورهما
الثقافي في تلك الفترة.
وفي الفصل الخامس الذي حمل عنوان “دور العمانيين في التصدي لحركة
التنصير والاستعمار الأوروبي”، تشير الزدجالية إلى الدور العماني في
التصدي لحركة التنصير، والاستعمار الأوروبي في منطقة شرقي أفريقيا،
وتطرقت كذلك لدور المؤسسات، والجمعيات التنصيرية، وأثرها في
المنطقة، كما تحدثت فيه عن موقف الغرب من السلطات العربية،
والإسلامية في ظل ظهور حركات المقاومة، والجهاد ضد القوى الأوروبية
فضلا عن التركيز على تصدي العُمانيين لها، وأمثلةٍ لتلك الحركات العُمانية
المقاومة للاستعمار والتنصير، وأخيرًا نشير إلى العلاقات العُمانية مع شرق
أفريقيا منذ عام 1964م وحتى نهضة 23 يوليو 1970م في عُمان مع حكم
السلطان قابوس بن سعيد.
وحول الدراسات السابقة المتعلقة بتاريخ زنجبار وشرق أفريقيا والتأثير
العُماني فقالت الزدجالية: لقد ركزت بشكل ملحوظ على الجانب السياسي،
ولم تتطرق بشكل موسع، ومفصل لجوانب مهمة، كدور العُمانيين في نشر
الإسلام واللغة العربية والجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية. وقد
اعتمدت هذه الدراسة على مجموعة من المصادر، والمراجع العربية،
والمؤلفات والدراسات القيمة في هذا المضمار، كما استعانت حسب حديثها
كذلك بمجموعة من الجرائد الصادرة في زنجبار، وعلى رأسها الأعداد
المتوفرة من جريدتي الفلق والنهضة اللتين كانتا لسان حالٍ ناطقٍ باسم
مجتمع سكان شرق أفريقيا، وأحداثه السياسية والاجتماعية والاقتصادية
والثقافية والعلمية، وعلى الرغم من كونها تمثل توجهات الأحزاب السياسية
العربية العُمانية التابعة لها؛ فإنها جاءت لتعطينا دلالات تاريخية لم نجدها في
كتبٍ معاصرةٍ ، واعتمدت على مجموعة قيمة من الدراسات، والمؤلفات
العربية، والأجنبية، وكتابات للرحالة الأوروبيين ممن عاصروا تلك الأحداث
التاريخية وشاركوا فيها بالإضافة إلى عدد من الدراسات، والبحوث
الأكاديمية، والوثائقية، وكذلك الاستفادة من الرسائل العلمية الأكاديمية سواء
رسائل الماجستير، والدكتوراة التي تناولت منطقة شرق أفريقيا، واطلعت
على العديد منها في مختلف الجوانب العلمية.
وتختتم الزدجالية حديثها بقولها: سيظل الأثر الثقافي والفكري والحضاري
العُماني في شرق أفريقيا باقيًا؛ لأنه صار جزءًا من كيان المجتمع والشواهد
التاريخية والآثار الباقية ماثلة للعيان وشاهد عصر على ذلك التأثير والتأثر.
/العمانية /