نعم.. سينخفض سعر النفط والغاز ولو بعد حين، هي بكل تأكيد ليست أمنية؛ بل فرضية بسبب معطيات حاصلة أو قد تحصل في أي وقت مثل استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي لسبب أو لآخر، أو توقف الحرب الروسية الأوكرانية، أو زيادة المعروض من النفط والغاز عن المطلوب وبنسب كبيرة كما هو حاصل في بداية 2020، أو تنامي وجود البدائل والاتجاه إلى الطاقة الخضراء، أو غيرها من الاحتمالات التي تعرض سعر النفط والغاز إلى الانخفاض المؤلم لاقتصاديات الخليج ومنها اقتصادنا الوطني.
هذا يجعل الحكومة تفكر وتضع احتمالية “ماذا لو” انخفض سعر النفط إلى سعر 60 دولارًا أو أقل في أي وقت كان، وماذا عليها أن تقوم به “الآن” قبل حدوث هذا السيناريو، وفي هذه المقالة سوف يتم استعراض هذا الموضوع بشكل سلسل ومبسط.
ومن المعروف أن الحكومة حققت فوائض مالية في نشاطي النفط والغاز في نهاية عام 2021، وفي النصف الأول من عام 2022 بسبب استمرارية ارتفاع هاتين السلعتين، مما جعل الحكومة تستطيع أن تتنفس الصعداء بعد عام مؤلم هو عام 2020، والنصف الأول من عام 2021، وانفرجت الأمور قليلا في النصف الثاني من عام 2021، ولكن القطاع الخاص لم يتعافَ كما يجب بالرغم من عمليات الدعم الحكومي ومبادرات التحفيز الجزئي التي تمت، عليه فمن الأفضل على الحكومة الاستفادة من الفوائض المالية التي تمت في النصف الأول من هذا العام والإسراع في عمليات الإنقاذ من خلال عدة مسارات اهمها:
توسعة رقعة التحفيز: فكما هو معروف أن الشركات الكبرى هي عماد أساسي لأي قطاع خاص، إن تأثر سلبا بالانكماش أو الاغلاق، فإنه سوف يسحب معه مئات من الشركات الصغيرة والمتوسطة، لذلك فلابد من عدم إهمال هذا الملف، والاسراع إلى وضع برامج تحفيزية حقيقية قبل فوات الأوان، والاستماع إلى وجهات نظر هذه الشركات، وإقامة حوار مستمر قبل افلاسها أو هروبها خارج البلد.
غض الطرف: الشركات الكبيرة والمتوسطة في السلطنة تشكل أقل من ١٥% وهي أكثر الشركات التزاما في القوانين والممارسات وبياناتها المالية والتوظيف ودفع الرسوم والضرائب ومساهمات التأمينات الاجتماعية وحتى الدعم المجتمعي، لانها عادة تكون تحت المجهر، ولأن العديد من هذه الشركات عانت ما عانت خلال أعوام كثيرة قبل جائحة كورونا وأثناء الجائحة، فإن تعافيها يحتاج إلى أعوام كثيرة، عليه، فإن الآن هو الوقت المناسب للتدخل الحكومي السريع خاصة لهذه الفئة، والتغاضي عن بعض المتطلبات المعمول فيها أوقات الرخاء، ففي هذه الفترة على الحكومة مراعاتهم لأنهم ما زال معظمهم مثقلًا بهموم مالية وإدارية وفنية لا حصر لها، ولن يكون بوسعهم تحمل مزيد من الضغوطات الحكومية.
المصلحة المشتركة: تتمتع الحكومة في هذه الفترة ومنذ ارتفاع أسعار النفط والغاز بمرحلة رخاء مرحلي، مما يمكنها من اتخاذ قرارات تحفيزية، وظهر ذلك جليًا من خلال مبادرات عديدة تم إقرارها قبل عدة أسابيع، لكن الوضع يحتاج للمزيد خاصة لفئات الشركات الكبيرة والقديمة، فتدخل الحكومة السريع ودعمهم اليوم بصور مختلفة يعني استمراريتهم وبقائهم في السوق، مما يعني التوظيف ونمو الاقتصاد واستمرارية دخل الدولة من الأنشطة غير النفطية، وخلق قطاعات مصاحبة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، فدعمهم الآن هو دعم استراتيجي طويل المدى لضمان الشراكة والمصلحة المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع.
فتح السوق: أكبر دعم يمكن أن يقدم للقطاع الخاص هو تسهيل قدوم البشر إلى عمان، سوء للعمل أو السياحة، فليس من المهم تخفيض رسوم استقدام العمالة على سبيل المثال ما لم يتبعها تسهيل شروط هذا الاستقدام، ولا إقرار دخول السلطنة من 103 جنسيات ما لم تتبعه مؤشرات تثبت واقعية هذا القرار، وقس على ذلك كل القرارات والتوجهات الحكومية.
التدرج في التطبيق: معظم الشركات في السلطنة تعودت على أنظمة معينة على مدار عشرات السنوات، وعكفت الحكومة ومنذ 2020 على معالجة بعض التشوهات وخاصة فيما يتعلق بالتجارة المستترة أو بعض الممارسات، وهذا توجه محمود، لكنه من الأفضل على الحكومة التدرج في التطبيق، خاصة أن وقت التطبيق كان أثناء فترة جائحة كورونا المؤلمة للجميع، والأجدى للتصحيح أن يكون متدرجًا ووفق خطة متوسطة وطويلة المدى تكفل البقاء للشركات الحقيقة، وتصحيح أوضاع الشركات غير الملتزمة، وهذا هو التوقيت المناسب للقيام بذلك خاصة أن هناك رخاء مالي ناتج عن ارتفاع أسعار النفط والغاز.
على الحكومة الاستفادة من هذه الفوائض لدعم القطاعات الإنتاجية وضمان استمراريتها في السوق، ربما وبسبب وجود فوائض مالية يرى البعض أن القطاع الخاص غير مهم، لكن وجودهم واستمراريتهم جوهري؛ بل استراتيجي، وأهم من أسعار النفط، والسبب أن سلعتي النفط والغاز هما من السلع العالمية، والحكومة لا يمكن أن تتحكم في أسعارهما، لكن القطاع الخاص هو شريك حقيقي، وعلى الحكومة أن تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه، وتدعمه في كل وقت وحين، وخاصة في أوقات رخائها، وفي أثناء شدة ومحنة القطاع الخاص.
خلفان الطوقي