لا شك أنَّ الإنسان بفطرته يميل للحرية، ولا يألف التقييد، ومما لا شك فيه أيضًا أن الأعمال الحرة وحدها التي تمنح صاحبها الوقت للتفكير والمساحة للإبداع لأجل تقديم أفضل المنتجات والخدمات للعملاء.
وبما أنَّ ملف الباحثين عن عمل يُعد أحد أهم الملفات الوطنية التي كانت ولا تزال تأخذ جلَّ اهتمام أولويات الحكومة الرشيدة، والتوجيهات السامية من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -يحفظه الله- في شأن توفير الدعم المستمر؛ سواء عبر خطة التحفيز الاقتصادي أو برامج دعم رواد الأعمال من فئة المشاريع المتوسطة والصغيرة، أو المبادرات التشغيلية العديدة، إلا أنه لا بد من تكاتف جهود كافة القطاعات في الدولة لأجل دعم الأعمال الحرة، وليس ذلك لشيء إنما يُعدّ ذلك واجبًا وطنيًا تجاه بلادنا.
وقد أشـارت معالي وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي -في بياناها أمام مجلس الشورى بتاريخ 30 يونيو 2021م- إلى أنَّ عدد الخريجين للعام الدراسي 2019/2020 بلغ 23.816 خريجا وخريجة، ولقد ذكرت معاليها أن ضعف استيعاب سوق العمل للخريجين عائد إلى صغر حجم سوق العمل العماني، وضآلة التوجه إلى الإستثمار المبني على المعرفة، وعدم تفعيله لاستخدام التقنيات الحديثة، مما أدى إلى عدم نمو الطلب على العمالة العمانية الماهرة واستمرار الطلب على العمالة الوافدة غير الماهرة التي لا تتطلب شهادات جامعية أو عُليا، وهذا بالطبع تحليل واقعي جدًا يعكس التراكم السنوي لأعداد الخريجين الباحثين عن عمل، وفي ذات الوقت فإنَّ الحكومة الرشيدة من جانبها تسعى جاهدة لدعم مبادرة تشغيل القوى العاملة العمانية سواء عبر التوظيف المباشر في أجهزة الدولة أو عبر مبادرات التشغيل المدعومة من الحكومة والموجة نحو شركات القطاع الخاص.
إلا أنَّ كل ذلك لا يكفي، وهنا فإنَّ الجميع دون استثناء مطالبون بضرورة القيام بأدوارهم، فنحن أمام قضية وطن عندما تمس فئة من أبنائه وهم الباحثون عن عمل، ونحن جميعًا أمامنا العديد من الفرص لاستغلال هذه الطاقات ودعمها وتشجيعها نحو التوجة للعمل الحر الذي يزخر بالعديد من الفرص، والتي فيما لو تم تمكين الشباب من اقتناصها، ستوفر لهم دخلًا ينمو بنمو حجم الأعمال التي يزاولونها، وأنا من هنا أوجه النداء للشباب الذي ينوي التوجه نحو قطاع ريادة الأعمال بالابتعاد قليلًا عن الأنشطة التي أصبحت تقليدية جدًا ومستهلكة وتملأ السوق وهي عديدة ومعلومة لدى الجميع؛ حيث إن البلد به من الأنشطة الاقتصادية الأخرى ما يُسهم في بناء مؤسسات حقيقية يكون لديها المجال في نمو رأس المال المُستثمر، وزيادة حجم المؤسسة مع الوقت، حيث لدينا مجال إمدادات الكهرباء والمياه، صحيح قد يتطلب لمن سيبدأ هذا المجال أن تكون خلفيته هندسية ولكن كم من مخرجات الكليات المهنية الذين يحملون مؤهلات مهنية بإمكانهم البدء في مشاريع صغيرة ستكبر مستقبلا، وكم من مخرجات مؤهلات الدبلوم والبكالوريوس لديهم من المعرفة لبدء مشاريع لديها فرص للنمو، هذا القطاع لوحده بإمكانه استيعاب أعداد لا بأس بها، إلا أنه يتطلب من المؤسسات الداعمة لريادة الأعمال توجيه البوصلة نحو دعم مشاريع في قطاعات محددة، كما يتوجب على جهات الاختصاص الحكومية وشركات توزيع الكهرباء منح الشباب الفرصة للتدريب وتمكين من لديه الجدية لبدء مشوار عمله الحر في هذا القطاع.
كما لدينا قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، وهذا المجال يدعم مباشرة سياسة الدولة المتعلقة بالأمن الغذائي، فكم من المواد الغذائية التي نستوردها بإمكاننا إنتاجها محليًا وتصدير الفائض منها، وكم لدينا من مخرجات المؤهلات التي تحمل هذا التخصص بإمكانها العمل على مشاريع في هذا القطاع، إلا أن هؤلاء الشباب بحاجة لمن يأخذ بيدهم ويُدّربهم ثم يمنحون قطع الأراضي الزراعية التي تنعم بوفرة المياه، عبر نظام الانتفاع، وكذلك الحال بالنسبة لدعم الصيادين ومشاريع الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية ستدعم بلا شك قطاع التجزئة واللوجستيات؛ لأنها ستتطلب وجود شركات توزيع؛ حيث إنَّ هناك من يزرع ويحصد وآخر يصطاد الأسماك وهناك من يسوّق ويبيع، فهل أدركنا الآن القطاع الواحد كم من فرص الأعمال بإمكانه أن يخلق؟
وهناك قطاعات أعمال واعدة مختلفة تتطلب النظر إليها بطرق ليست تقليدية حتى يتوجه نحوها رواد الأعمال من الشباب وتزخر بالكثير من الفرص، كقطاع تجارة الجملة والتجزئة والنفط والغاز والقطاع السياحي وقطاع الطاقة والمعادن…وغيرها من القطاعات الواعدة الأخرى.
أحمد بن خلفان الزعابي