مساع دولية حثيثة نحو عالم خال من الكربون..
خبراء: تعد أحد القطاعات القيادية في تحول العالم نحو الطاقة المتجددة –
الأمونيا تجذب أنظار شركات الطاقة في جميع أنحاء العالم لإمكاناتها كوقود نظيف –
الإنتاج باستخدام الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية موفّر للكهرباء –
خلال الأسابيع الأخيرة وقّعت أوكيو على اتفاقية التطوير المشترك لمشروع هيدروجين عُمان مع مستثمرين من أمريكا والسعودية بهدف إنشاء محطة لإنتاج الأمونيا باستخدام الهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان؛ اعتمادًا على مصادر الطاقة المتجددة. وتندرج هذه الاتفاقية ضمن جهود التحوُّل نحو الطاقة النظيفة والمتجددة في سلطنة عمان والعالم. كما تحمل الاتفاقية أهمية خاصة لسلطنة عمان نظرا للدور المهم والمتزايد الذي يؤديه قطاع الطاقة في تعزيز التنويع الاقتصادي واستغلال الموارد الطبيعية وجلب التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وتشجيع الاستثمارات الجديدة في سلطنة عمان.
ومن المقرر إقامة هذا المشروع الاستثماري المشترك الواعد في المنطقة الحرة بصلالة وتزويده بأحدث التقنيات العالمية، والاستفادة من التكامل المبتكر للطاقة المتجددة من مختلف مصادرها مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتخزين وإنتاج الهيدروجين باستخدام عملية التحليل الكهربائي وإنتاج النيتروجين من خلال فصل الهواء وإنتاج الأمونيا الخضراء. ويرى المستثمرون أن السوق العُمانية سوق رئيسية واعدة في مختلف مصادر الطاقة المتجددة لما تتمتع به من إمكانات وموارد طبيعية وافرة وثرية وموقع جغرافي متميز يؤهلها لتمكين مشروعات ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر وغيره من أنواع الطاقة المتجددة في وقت يشهد العالم اهتماما غير مسبوق بالوصول إلى أهداف التنمية المستدامة وخفض الانبعاثات الكربونية وتقليل حدة التغيُّر المناخي فضلا عن تأمين مصادر مستدامة ونظيفة للطاقة.
وتعد الطاقة النظيفة من الأمونيا مجالا جديدا نسبيا لكنه واعد للغاية ويتوقع خبراء الطاقة أن تكون الأمونيا أحد القطاعات القيادية في تحوُّل العالم نحو الطاقة المتجددة سعيا إلى عالم خال من الكربون خلال العقود المقبلة. وخلال السنوات الأخيرة أصبحت الأمونيا الخضراء من المنافسين بفضل التقنيات الجديدة للطاقة المتجددة فطبيعتها الأكثر كثافة تجعل نقلها أسهل من الهيدروجين السائل. وبينما تتسابق شركات النفط الكبرى لإيجاد بدائل مبتكرة للطاقة المتجددة، تكتسب الأمونيا الخضراء مزيدًا من الاهتمام الدولي لإمكاناتها كوقود خالٍ من الانبعاثات. وعلى الرغم من قلة الحديث عنها مقارنة بالهيدروجين الأخضر والأزرق، فإن الأمونيا تجذب أنظار شركات الطاقة في جميع أنحاء العالم لإمكاناتها كوقود نظيف. والأمونيا هي مركب من الهيدروجين والنيتروجين يمكن استخدامه كوقود تمامًا مثل الهيدروجين، وهناك عدة أنواع مختلفة من الأمونيا اعتمادًا على الطاقة المستخدمة في إنتاجها.
واعتبر تقرير صادر عن موقع أويل برايس المتخصص في شؤون الطاقة أن الأمونيا الخضراء ستكون هي الشكل الأكثر تفضيلا للوقود لأنها خالية من الكربون، في حين أن طنًا واحدًا من الأمونيا التقليدية (البنية) ينبعث منه حوالي طنين من ثاني أكسيد الكربون. ويتم إنتاج الأمونيا الخضراء باستخدام الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية لتوفير الكهرباء التي تدير أجهزة التحليل الكهربائية والتي تقوم بدورها باستخراج الهيدروجين من الماء حيث يتم فصل النيتروجين عن الهواء باستخدام وحدة فصل الهواء.
وبينما لا يعد إنتاج الأمونيا الخضراء أمرًا جديدًا لكن الجديد هو أن الابتكارات الحديثة جعلت إنتاجها سهلا ومع مزيد من التقدم التقني ستقبل شركات الطاقة على ضخ استثمارات أكبر في كافة مصادر الطاقة المتجددة.
وتضع العديد من دول العالم نصب أعينها ضرورة الاهتمام بالتوسع في إنتاج الطاقة من مصادر مستدامة ويتم الآن إنتاج الأمونيا وشحنها حول العالم حيث تدرك الشركات إمكاناتها الواعدة.
وتشهد مناطق مختلفة من العالم اهتماما باستغلال إمكانات الأمونيا الخضراء حيث يسعى عدد من البلدان لتبنّي استخدام مجموعة متنوعة من المصادر المتجددة للتخلص من الكربون في قطاع النقل والقطاعات الأخرى، ويعد النقل البري والجوي من أعلى القطاعات استهلاكا للوقود التقليدي. ويعتقد الخبراء أن الأمونيا الخضراء يمكن أن تكون مفتاح نجاح استراتيجي لطموح المفوضية الأوروبية، والذي يهدف إلى استخدام نحو 20 مليون طن من الهيدروجين المتجدد. وفي الوقت الحاضر تستخدم دول المفوضية الأوروبية حوالي 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا في الغالب كمادة وسيطة للأسمدة ويوضح هذا إمكانات مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة لتشغيل إنتاج الأمونيا في العديد من القطاعات. ويعتبر جويل موسر، الرئيس التنفيذي لشركة فيرست أمونيا، أن التحوُّل إلى الأمونيا الخضراء يمكن أن يساعد أوروبا على تحقيق حوالي 30 في المائة من هدف خفض الانبعاثات البالغ 35 مليار متر مكعب بحلول عام 2030. وقد صرَّح نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز بالفعل بإمكانية استخدام الأمونيا الخضراء كناقل للهيدروجين المتجدد وتشجيع شركات الطاقة على الاستثمار في هذا القطاع، إضافة إلى المساعدة في التخلص من الكربون في قطاع الطاقة الأوروبي إذا تمكنت المنطقة من تطوير صناعة قوية للأمونيا الخضراء.
وفي ظل هذا الاهتمام الكبير بمختلف مصادر الطاقة النظيفة يأتي التقدم التقني ليعزز الآفاق المستقبلية حيث يسهم في خفض التكاليف وتسهيل الإنتاج. ومؤخرا نشر باحثون في جامعة هيروشيما اليابانية نتائج دراسة حديثة، في مجلة الكيمياء الفيزيائية، تكشف النقاب عن نجاحهم في تصنيع الأمونيا ضمن الضغط العادي. وتظهر الدراسة عملية واعدة جدا يمكن استخدامها في تخزين ونقل الطاقة المتجددة، ويعتمد على هذه العملية طيف واسع من الموارد مثل الرياح والطاقة الشمسية.
وقال هيروكي مياوكا، مؤلف الدراسة والأستاذ المساعد في مركز العلوم الوطنية للبحوث الأساسية والتنمية في جامعة هيروشيما، إن ”هدفنا النهائي هو الوصول إلى إنتاج الأمونيا على نطاق صغير؛ للاستفادة بشكل فعال من الطاقة المتجددة»؛ وتفتح التقنية الجديدة الباب أمام تصنيع الأمونيا على نطاق أقل كلفة واحتياجا لعمليات معقدة، دون الحاجة إلى مصانع كبيرة وشروط متعددة، كما يتم بشكل متواصل اكتشاف تقنيات تسهل توليد الطاقة النظيفة، ونقلها وتخزينها بمرونة واستدامة، للوصول إلى الهدف النهائي في وقف الانبعاثات الحرارية.
ومنذ وقت طويل تم ابتكار تخليق الأمونيا من النيتروجين والهيدروجين، وأدّت الأمونيا دورا مهما في صناعة الأسمدة لكن هناك دور جديد اكتشفه العلماء للأمونيا حديثا، يتمثل في قدرتها المميزة على حمل الطاقة، فهي تمتلك 9 أضعاف كثافة الطاقة مقارنة ببطاريات أيون الليثيوم، وثلاثة أضعاف الهيدروجين المضغوط لكن ظلت العمليات التقليدية لصنعها تتطلب درجة حرارة مرتفعة وضغطا مرتفعا، وهي شروط غير متوفرة في تخزين الطاقة المتجددة والبنية الأساسية لوسائل النقل. وتأتي التقنيات الحديثة لتغير هذه الجوانب مما يمهد لتوسع كبير في إنتاج الطاقة المتجددة من الأمونيا الخضراء.
