الرئيس الأميركي الـ44، عصامي براغماتي شق طريقه وسط أشواك السياسة الأميركية فأصبح أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، حاول تحسين صورة بلاده في العالم الإسلامي الذي تأذى بسياسات سلفه، لكنه تمسك بموقف الولايات المتحدة المنحاز للكيان الصهيوني، وغادر البيت الأبيض وشعبيته مرتفعة.
عن باراك أوباما أكتب، اخترت هذه الشخصية لا حباً بالولايات المتحدة، بقدر ما أن أبرهن أن من يعمل يصل إلى مبتغاه سواء اتفقنا مع نهجه أم اختلفنا، وكما تحدثنا عن مسيرة محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان، ودراسته القانون الذي كان بداية هذا النجاح العظيم، ومن بعده المهماتا غاندي وما فعله لبلاده الهند انطلاقاً من دراسة القانون واستغلاله لغاية كبرى، كذلك باراك أوباما أول أفريقي (أسود) يتبوأ منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أنه لم يعد رئيساً لكنه أثبت حضوره على الساحة الدولية من زوايا عدة سنعمل على ذكرها بقدر إتاحة المصادر لها.
بداية الرحلة
باراك والتي تعني (مبارك)، من كينيا إلى الولايات المتحدة، بعد أن تم منح والد باراك أوباما منحة للدراسة في أمريكا، تاركاً خلفه قطيع الماعز الذي كان يرعاه إلى جانب الدراسة، وبعد الحصول على إجازة جامعية نال منحة دراسية وانتقل إلى ولاية هاواي الأمريكية، وهناك تعرّف والد أوباما على والدته آنا دونهام من أصول انكليزية وتزوجا وأنجبا باراك أوباما عام 1961، وعند انفصال الأب عن الأم، بقي أوباما مع والدته وكان عمره آنذاك 6 سنوات، حيث تزوجت الأم من رجل إندونيسي مسلم، وانتقلوا إلى إندونيسا حيث درس أوباما في مدارس كاثوليكية لمدة أربع سنوات، ثم عاد مع والدته هاواي وعاش مع جديه في أمريكا، وفي إحدى السنوات لم يستطع والد أوباما دفع أقساط مدرسة ابنه فتم طرده من المدرسة، لكن إحدى المديرات بالمدرسة سمعت بقصته ومنحته منحة لإكمال تعليمه.
وفي مرحلة الثانوية تحسنت أحوال والد أوباما مجدداً الأمر الذي سمح له إكمال دراسته في جامعة كولومبيا في نيويورك ودرس آنذاك العلوم السياسية وبعدها انتقل إلى شيكاغو وعمل بإحدى الهيئات المحلية لمدة 3 سنوات ونصف، وفي عام 1988 انتقل إلى هارفرد ودرس هناك القانون، وبعد التخرج كان اول أفريقي يتولى منصباً مرموقاً في الجامعة، وتوالت المناصب بعد ذلك حيث شغل منصب سيناتور في مجلس مدينة إلينوي بين 1996 – 2004، حيث يعد أوباما السيناتور الأسود الخامس في تاريخ مجلس الشيوخ الأمريكي ثم اول مرشح أسود للانتخابات الرئاسية الأمريكية في تاريخ الولايات المتحدة، ومن مكتب المحاماة تعرف على زوجته ميشيل روبنسون وتزوجا في العام 1992.
التوجه الفكري
تأثر أوباما بمالكوم إكس (1) ومن خلاله حاول أن يفك لغز القومية السوداء وجادل بأن الرسالة الإيجابية للقومية عن التضامن والاعتماد على النفس والنظام والمسؤولية المشتركة ليست في حاجة لأن تكون معتمدة على كراهية البيض أكثر من اعتمادها على سماحتهم، فكان يدفع نفسه وزملائه أنه بوسعهم إخبار الولايات المتحدة عن الأخطاء ومضامينها من منطلق الإيمان بالقدرة على التغيير.
يصنف أوباما على أنه رجل سياسة براغماتي يتمتع بالقدرة على جمع أصوات الناخبين على اختلاف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية، ورغم هذا التصنيف فإن مجلة ناشيونال جورنال اختارته كأكثر أعضاء مجلس الشيوخ ليبرالية.(2)
يلقي أوباما المحاضرات في كلية القانون بجامعة شيكاغو، وهي المحاضرات التي يقول إنها تبقي ذهنه حاضراً، خاصة وأن مجال تخصصه الدفاع عن الحقوق المدنية. ومارس قانون الحقوق المدنية ودرّس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو، وعمل على تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة مرشحين من الحزب الديمقراطي، كما درّس القانون في جامعة ألينوي عام 1993. وكان أغلب زبائنه من ضحايا التمييز في العمل والسكن، وكان أوباما الأفريقي الوحيد بين أعضاء مجلس الشيوخ المئة، وخامس أمريكي من اصول افريقية يدخل إلى مجلس الشيوخ.(3)
بدأ أوباما حياته العملية كاتباً مالياً لدى إحدى الشركات الاستشارية الدولية في نيويورك، وتركها في عام 1985 لينتقل إلى شيكاغو، حيث عمل منظماً للمجتمع الأهلي لدى اتحاد من الكنائس المحلية للمساعدة في إعادة إنعاش مجتمعات أصيبت بضرر كبير لدى إغلاق مصانع الحديد المحلية.
لقد كتب أوباما، السيناتور، والمحامي، والأستاذ الجامعي، والأب، والمسيحي المؤمن، والمعتنق لمبدأ الشك، ودارس التاريخ والطبيعة البشرية، كتاباً يتمتع بقوة تغييرية. إذ لا يمكن للأمريكيين – برأيه – إصلاح حال العملية السياسية المنهارة وإعادة تنظيم آليات عمل الحكومة العاجزة التي افتقدت الصلة إلى درجة الخطر مع المواطنين العاديين، إلا بالعودة إلى المبادئ التي أنتجت الدستور. هؤلاء الأمريكيون يقفون هناك ” في انتظار الجمهوريين والديمقراطيين للحاق بركبهم”، باراك أوباما من السياسيين القلة الذين يملكون موهبة الكتابة، وبأسلوب بليغ ومؤثر وأصيل، عن الذات، وهو يسعى إلى تأسيس تفكيره السياسي على الحس البدهي السليم والمنطق العقلاني البسيط، في حين يعبر عن أفكاره بأسلوب نثري رصين ونزيه وبعيد عن الحزبية الضيقة. وهذا بحد ذاته أمر غير عادي، لا في هذه الأيام السابقة على الانتخابات بكل ما يسودها من حقد ولؤم وضغينة، بل في هذا العصر الذي تتفاقم فيه حالة الاستقطاب.
إذاً إن باراك أوباما من أصول أفريقية، وللأفارقة على مدى تاريخ أمريكا، كان لهم دوراً ثورياً لشدة الاضطهاد الذي عانوا منه، فهل من أحد عند ذكر كلمة عنصرية ينسى مارتن لوثر كينغ، أو نيلسون مانديلا، حتى السينما الأمريكية الحديثة نسبياً، كم من الأفلام صورت والتي وضّحت فيها عبر نقل صورة حية لواقع السود في الولايات المتحدة، وآخرها قصة جورج فلويد وعنصرية الشرطة، وإهمال مناطق السود عمداً حتى باتت ترتبط الجريمة والمخدرات بالأحياء التي يقطنها السود، كل هذا الواقع رآه باراك أوباما حتى وإن لم يتحدث عنه علانية لكنه ربما حاول إلا أن الدولة العميقة أقوى منه، وهي صاحبة القرار في نهاية المطاف، فلقد أنجز الأمريكيون السود ما أرادوه دوماً هو نبذ العنصرية والتفرقة، وإلى حدٍّ ما استطاعوا ذلك، فأن يدافع أوباما عن التمييز ومشاكل السكن حتى برنامج أوباما كير الذي لم يبصر النور كان ليريح كامل الشعب الأمريكي.
على الصعيد السياسي
تزامن وصوله للسلطة مع أزمة اقتصادية خانقة وكان عليه أن يواجه وضعاً اقتصادياً داخلياً وتبعات علاقات خارجية خلفها ما يعرف بالحرب على الإرهاب، فلقد بادر إلى إصدار قانون لإنعاش وإعادة الاستثمار وصلت ميزانيته إلى 787 مليار دولار بهدف تحفيز الاقتصاد ومساعدته على التعافي من تفاقم الكساد العالمي، وعلى المستوى الخارجي حاول تحسين صورة الولايات المتحدة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي اللذين تأذيا مما عرف بالحرب على الإرهاب فألقى كلمة في أنقرة بتركيا قوبلت بالترحيب من قبل العديد من الحكومات العربية.
وفي العام 2009، ألقى خطاباً في جامعة القاهرة بمصر دعا فيه إلى بداية جديدة في العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة وتعزيز السلام في الشرق الأوسط، ثم بدأ بسحب القوات الأميركية من العراق وقرر إنهاء وجود الجيش الأميركي في أفغانستان في نهاية 2014.
لكن كل ذلك لم يغير شيئاً في سياسة الولايات المتحدة الداعمة لما تسمّى “إسرائيل”، حيث ظل الموقف الأميركي منحازاً لها رغم محاولة وزير خارجيته جون كيري التوصل لإيجاد حل تفاوضي بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وبرغم رفض واشنطن في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016 استخدام الفيتو لرفض قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يندد بالاستيطان ويدعو الكيان الصهيوني لوقفه وبدء مفاوضات للسلام بناء على حل الدولتين.
غادر باراك أوباما البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني 2017، وقد حققت شعبيته ارتفاعاً ملحوظاً. فبحسب استطلاع للرأي أجرته سي أن أن بالتعاون مع معهد خاص فإن شعبية أوباما وصلت إلى 60% محتلاً بذلك الرتبة الثالثة ضمن لائحة الرؤساء الأميركيين الأكثر شعبية بينهم بيل كلينتون (66%) ورونالد ريغان (64%).
ووجه أوباما رسالة إلى الكونغرس ندد فيها بمعارضة المؤسسة التشريعية إغلاق معتقل غوانتانامو، موضحاً أن ذلك “مخالف للقيم الأميركية”، وأنه لا يوجد مبرر لإصرار الكونغرس على الاحتفاظ بالمعتقل الذي “سيحاكمنا التاريخ بقسوة بسببه”.
جاذبية ملحوظة
قدمت لاريسا مكفاركوهار من مجلة نيويوركر، نظرية حول الجاذبية الملحوظة لأوباما المتجاوزة للخطوط السياسية التقليدية، فكتبت تقول، “سِجل أوباما الانتخابي يشير إلى أنه من أشد الليبراليين في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً يحصل على إعجاب الجمهوريين ربما لأنه يتحدث عن الأهداف الليبرالية بلغة محافظة”، لقد كان أوباما بمثابة عصر التغيير الأمريكي، التغيير، وليس الخبرة، كان السمة الطاغية لليوم. النظرة الشاملة، وليس إجادة التفاصيل، كان الفضيلة الأكثر قيمة في خطابات الحملة الانتخابية. الانفصال الكامل عن الماضي، وليس فقط العودة إلى أيام أفضل، شكّل الوعد الأكثر جدارة.
هذا الأسلوب مكنه من أن يحوز على جائزة نوبل للسلام لعام 2009 نظراً لمجهوداته في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. ويعد ثالث رئيس أميركي يفوز بهذه الجائزة أثناء توليه منصبه بعد ثيودور روزفلت وودرو ويلسون، بالإضافة إلى أنه أول رئيس أميركي يفوز بها في سنته الأولى من توليه المنصب، حصل أوباما على جائزتي Best Spoken Word Album Grammy Awards عن كتابين مسموعين Dreams from My Father (2006) وThe Audacity of Hope (2008)، اختارته مجلة Time كشخصية العام في سنتي 2008 و2012، صدر له كتابان هما: أحلام من أبي، وجرأة الأمل.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان
المصادر:
- مالكوم إكس: مالكوم ليتل، ويُعرف أيضاً باسم الحاج مالك الشباز، هو داعية إسلامي ومدافع عن حقوق الإنسان أمريكي من أصل إفريقي (1925 – 1965).
- باراك أوباما – الجزيرة – 3-9-2014.
- من هو باراك أوباما؟ – الحرة.