ترتبط سلطنة عمان بمصر العزيزة ارتباطا استثنائيا فريدا، حيث تعرف الحضارات بعضها، وحوار الحضارات في الماضي يصوغه الحاضر بأحرف من نور ويترجمه بعلاقات فريدة، وهي علاقات نموذجية لم تغيرها التحوُّلات السياسية، بل زادتها رباطة وقوة. وتذكر المصادر التاريخية أن التواصل الحضاري للفراعنة القدماء مع عُمان كان قائما في عهود قديمة؛ أي قبل ما يقرب من ٣٥٠٠ عام عندما كانت حضارة الفراعنة تجلب اللبان العماني من مدينة ظفار التاريخية، وكان ميناء البليد مرفأ للأسطول الفرعوني. وقد زارت الملكة حتشبسوت ظفار العمانية، كما تشير تلك المصادر، حيث كان الفراعنة يستخدمون اللبان العماني في تعطير المعابد والتحنيط وفي الطقوس الدينية. وقد سُجِّل هذا المنتج العماني في سجلَّات اليونسكو ضمن عدد من الرموز العمانية الأخرى كموقع آثار البليد وقلعة بهلا وغيرها من المآثر الإنسانية. وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث فيشار إلى موقف العمانيين من الحملة الفرنسية على مصر عام ١٧٩٨م، حيث أعلن سلطان بن أحمد سلطان عُمان آنذاك استياءه من هذه الحملة، وأوقف المفاوضات الفرنسية العمانية التي كانت تُمهِّد لعقد معاهدة تعاون ملاحي بحري بين الدولتين، وأعلن احتجاجه الرسمي على اعتداء فرنسا على دولة عربية مسلمة، كما شارك سلطان عُمان في مراسم افتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩م. فقد كانت العلاقات العمانية المصرية علاقات يسودها كثير من الاحترام والتعاون المتبادل بين امبراطورية عُمان حينها وامبراطورية مصر التي شيَّدها محمد علي باشا وابنه إبراهيم. وعندما قام العدوان الثلاثي على مصر أعلنت عُمان تأييدها لمصر وانفجرت مشاعر الغضب لدى العمانيين، وتميَّزت تلك العلاقات بشكل مطَّرد بين البلدين، فأطلق جلالة السلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ مبادرة تاريخية حينما أصدر مرسوما بالتبرع بربع رواتب الموظفين لدعم جبهات القتال في حرب أكتوبر ١٩٧٣م المجيدة، وأرسلت السلطنة بعثتين طبيتين إلى مصر، وأوقفت تصدير النفط كما هو معلن في الصحافة العمانية، وما زال أرشيف الوثائق والمحفوظات العمانية يحتفظ بنسخ من تلك الأخبار والمواقف العمانية، كما كان لسلطنة عُمان موقف مستقل بعدم قطع العلاقات مع مصر أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ورأت السلطنة أن قطع العلاقات بين العرب ومصر ليس حلًّا، بل إنه فرصة للأعداء لتكريس سياسة فرِّقْ تَسُدْ، فأعلن جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ أن مصر لا تُقاطع ولا تُعزل، واستمرت العلاقات العمانية المصرية على أكمل وجْه، بل إن السلطنة أسهمت في عودة العرب إلى مصر وعودة مصر إلى الحضن العربي، وفي حادثة المنصة ٦ أكتوبر ١٩٨١م التي قتل فيها الرئيس السادات كان من بين الضحايا ضابط عماني كبير كان من ضمن الحضور، واستمرت العلاقات العمانية المصرية كنموذج للعلاقات العربية العربية في كل عهود رؤساء مصر. ففي خطاب العيد الوطني الرابع عشر أعلن جلالة السلطان قابوس ـ غفر الله له ـ في خطابه: “أنَّ مصر عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، ولم تتوانَ يوما في الدفاع عن قضايا العرب، وإنها لجديرة بكل تقدير…”، كما تُوِّجت تلك العلاقات بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطنة عام ٢٠١٨م والاستقبال المهيب الذي خصَّه جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ ترحيبا بمصر وقيادتها، وقد استثمرت تلك الزيارة التاريخية بتوقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين. وتستمر تلك العلاقات الثنائية في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بما يحقق نقلة نوعية كبيرة، خصوصا في ظل رؤية عُمان الاقتصادية ٢٠٤٠م، والطوحات الاستثمارية المأمولة بين البلدبن الشقيقين.
هذه هي مصر في عيون العرب، وستظل مصر هكذا متألقة على الدوام، ويدرك العرب أهمية أدوار مصر، وأهمية دعم مصر، فمصر قوية يُعد قوة للعرب جميعا، وواجب العرب تجاه مصر أكبر، والوقوف مع مصر في مختلف قضاياها السياسية هو مسؤولية عربية جماعية، وإن دعت الضرورة ستقف الأمة العربية بأكملها رهن إشارة مصر لرد تلك الفضائل والمكرمات التي قدَّمتها مصر للعرب طوال التاريخ، وستبقى مصر في رعاية الله وحفظه، حفظ الله مصر.
خميس بن عبيد القطيطي