تكتسب العلاقات العمانية ـ السعودية أهمية قصوى في استراتيجية الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، ويتجدد التواصل بين البلدين الشقيقين فيما من شأنه خير واستقرار المنطقة، ذلك التواصل لاقى ترحيبا واسعا في الأوساط الإعلامية والعامة في البلدين الشقيقين. يشار إلى أن العلاقات الوطيدة التي تجمع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية كانت وما زالت تمثِّل حلقة الميزان في أمن واستقرار الخليج، واليوم تبرز حالة من التقارب والتطابق في وجهات النظر بين مسقط والرياض في ملفات عدَّة سياسية واقتصادية وأمنية، وترسم تلك الملفات المشتركة أبرز العناوين في مستقبل المنطقة، لا سيما مع إنشاء رابط اقتصادي وشريان حيوي مهم بين البلدين يتمثل في الطريق البري الرابط بين المملكة والسلطنة الذي يختصر المسافات بين الشعبين ويعزِّز التواصل التجاري بين البلدين ويشجِّع الاستثمار بينهما ويفتح منافذ عدَّة متبادلة، والأهم من ذلك أيضا هو حالة الارتياح السعودي للأدوار العمانية التي لم تتلوَّن ولن تتغير تجاه السلام والاستقرار في المنطقة. فالسلطنة هنا كانت وما زالت تمثِّل سفينة السلام التي تمخر عباب البحار لنشر الخير والسلام والازدهار في المنطقة، وهذه القِيَم العمانية الراسخة التي تتمسك بها السياسة العمانية دائما، وتسعى إلى نشرها بين الأشقاء من أجل خير واستقرار منطقة الخليج والعرب عموما، وذلك بعد عقد من الزمن تفشت فيها السياسات المشوشة التي بلغت مداها في أكثر من اتجاه جغرافي لم نجد منها سوى العناء والمتاعب، وهذا كله نتيجة بعض المعالجات الخاطئة لملفات إقليمية متعدِّدة منذ بداية ما سُمي الربيع العربي، واليوم نعتقد أنه آن الأوان أن نشهد انفراجة وتغيرات إيجابية في إصلاح تلك الملفات، ويأتي في مقدمتها المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن، وبلورة مواقف إيجابية عربية تجاه سوريا قد تشهد عودة سوريا إلى الحضن العربي قريبا. كل ذلك لم تكن السلطنة بعيدة عنه، وهي ـ بلا شك ـ مواقف خيِّرة للمنطقة عموما تدرك الرياض ومسقط أهمية نتائجها الإيجابية.
الترحيب الشعبي العماني ـ السعودي للتعاون الوثيق بين البلدين والمشاورات السياسية، والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، وترجمة ذلك التعاون في تعاون وتنسيق مشترك بدَّد حالة العتب المتبادل في الفترة الماضية، وهو ـ بلا شك ـ عتب الأشقاء حيث يبحث كلاهما عن مصالح الآخر، وهي مصلحة الخليج والوطن العربي عموما، ونحن جميعا في منطقة الخليج والوطن العربي ـ بلا شك ـ نسيج واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وهذا هو لسان الحال الذي يسود التواصل الخير الذي يجمع مسقط والرياض اليوم.
لا شك أن الملف اليمني واستمرار معاناة الأشقاء من أبناء الشعب اليمني، واستمرار الدور العماني الموثوق والأمين في تقديم المعالجة ومحاولة التنفيس عن الأشقاء اليمنيين، وتتويج ذلك بمبادرة سعودية ووساطة عمانية مخلصة في سبيل إنهاء الصراع في اليمن، وإنهاء تلك المعاناة التي يرزح تحتها أبناء اليمن، مما يستوجب التقاطها واستدراك مساعيها الخيِّرة على وجْه السرعة لإنهاء صفحة الخلاف وفتح آفاق جديدة تستشرف مستقبلا يمنيا أرحب يجمع الفرقاء على طاولة واحدة بالتساوي في دولة واحدة يسودها الأمن والاستقرار والإعمار، وتنحاز نحو واقع سياسي يمني يشكِّله جميع أبناء اليمن دون تدخل خارجي، والابتعاد عن واقع الإقصاء والتهميش لجميع الأطراف الأخرى، وكذلك الابتعاد عن المصالح الفئوية الضيقة وذلك من أجل اليمن وأبنائه الذين ذاقوا الأمرَّيْن خلال العقد الماضي. وهنا نكرر الدعوة للأشقاء في اليمن باغتنام هذه المساعي العمانية التي لا يمكن أن تقف إلا مع الحق، وقد جربت طوال سنوات الأزمة قبل أن تختلط الحسابات وتتعقد الأوضاع وتتشعب الأزمة ليصبح اليمن متشظيا أكثر مما سبق، وتستقوي هذه الشظايا بالخارج حتى يهلك الحرث والنسل والعياذ بالله، عندها لن يتحقق شيء في صالح اليمن إلا الخراب الذي لا يسرُّ عدوا ولا صديقا إطلاقا؛ لذا فإن الفرصة ما زالت قائمة ومتاحة للعودة إلى جادَّة الصواب وتقديم ما يمكن من تنازلات، وذلك بمعزل عن أي تأثير خارجي تماما والجلوس تحت حوار يمني ـ يمني صادق النية والهدف على أمل انتشال اليمن مما يعانيه، واضعين نصْبَ أعينهم معاناة أبناء الشعب اليمني، وما ذلك على أبناء اليمن أهل الحكمة والإيمان ببعيد.
وعودا على بدء فيما يتعلق بالزيارات الخيِّرة المتبادلة بين مسقط والرياض والتي تفتح مجالات أرحب لتنقية الأجواء وإزالة الرواسب واجتثاث الأورام التي ألمَّت بالجسد الخليجي، ونشر مظلة السلام والوئام على المنطقة، ولا شك ثقتنا كبيرة في القِيَم السياسية التي تتمتع بها السلطنة والكفيلة بنشر مظلة الخير على الخليج والوطن العربي عموما، والتي نعوِّل عليها كثيرا في هذا التقارب الكبير الذي يسود الأجواء، ويترجم على أرض الواقع بقوة، ونأمل أن يعمَّ خيره على الجميع بإذن الله.
خميس بن عبيد القطيطي