تحظى زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى المملكة العربية السعودية ولقاء أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمية استراتيجية، وتلقى اهتماما كبيرا في الأوساط العربية والدولية، وهي الزيارة الخارجية الأولى لجلالة السلطان هيثم بن طارق الذي تولَّى مقاليد الحكم في السلطنة في الـ١١ من يناير ٢٠٢٠م عقب رحيل جلالة السلطان قابوس مؤسس نهضة عُمان الحديثة ـ طيَّب الله ثراه ـ الذي كانت له أول زيارة خارجية للمملكة العربية السعودية ولقائه مع الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ آنذاك. وهنا فإن التاريخ والجغرافيا والأبعاد الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية تبرز نفسها وتتجلَّى دائما، وهذه الزيارة تعكس دلالات كبيرة لما تمثِّله المملكة العربية السعودية من أولوية في الفكر السياسي العماني، كما تأتي الزيارة بدعوة رسمية من أخيه خادم الحرمين الشريفين بعد زيارات عدَّة متبادلة بين وزيري خارجيتي البلدين التقيا خلالها في مسقط والرياض وتشاورا في ملفات مشتركة سياسية واقتصادية وأمنية ذات أهمية قصوى في رسم مستقبل البلدين والمنطقة.
الزمان والمكان والملفات المشتركة والظروف السياسية التي تعيشها المنطقة والارتباط الوثيق بين مسقط والرياض؛ كلها حملت عناوين هذا اللقاء الكبير الذي يجمع العاهلين جلالة السلطان هيثم والملك سلمان ـ حفظهما الله. ولا شك أن الزيارة الخارجية الأولى التي تحط الرحال في مدينة نيوم، تحمل أبعادا جيواستراتيجية للبلدين الشقيقين، إلا أن الظروف التي تعيشها المنطقة والأوضاع الدولية السياسية والاقتصادية هي جوهر هذا اللقاء الكبير، وقد تصدرت المواقف العمانية السعودية المتطابقة مؤخرا سطح العلاقات بينهما، وأبرزها ما يتعلق بالأحداث في اليمن والأدوار العمانية المضيئة، وتبنِّيها للمبادرة السعودية للسلام بالتنسيق مع جهود الأمم المتحدة، إضافة إلى مواضيع أخرى مثل عودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية، وإيجاد مقاربة للعلاقات مع إيران وما يتعلق بالمفاوضات الجارية في فيينا للعودة للاتفاق النووي، كما تحمل الزيارة أهمية استراتيجية بتتويج المباحثات الثنائية بين البلدين في إطار الاستثمار، لا سيَّما بعد إنشاء الطريق البري الرابط بين مسقط بالرياض والذي يُعد شريانا حيويا بالغ الأهمية بين البلدين، يجعلهما في دائرة اقتصادية مُهمَّة ينتظر أن تحدث تحولا اقتصاديا كبيرا بين البلدين، مما يوجد منفذا تجاريا للرياض على بحر العرب وبحر عُمان، ويُعوَّل على هذا الرابط البري كثيرا في رفد اقتصادَيْ البلدين بعون الله.
النظرة المتطابقة لملفات سياسية واقتصادية بين الرياض ومسقط واستشعار أهمية الارتباط الوثيق بينهما، واستدراك كل منهما أن أمن المنطقة وازدهارها لا بُدَّ أن يتحقق عبر هذه الجسور المتينة التي تربط البلدين الشقيقين، وتتسع مظلتها لتشمل عموم المنطقة. وبلا شك أن منطقة الخليج اليوم بحاجة ماسَّة إلى تنسيق الرؤى الاستراتيجية الجماعية بعد عقد من الزمن استُنزفت فيها القدرات الوطنية في مسارات سياسية وأمنية لا طائل منها، وبالتالي فإن توحيد هذه الرؤى الاستراتيجية الخليجية في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية، وإيجاد مقاربات تُبعد عن المنطقة شبح التدخلات الخارجية التي تحدث غالبا في حالة التباعد وغياب التنسيق المشترك والانكفاء على السياسات الفردية وعدم التشاور بين الأشقاء، وهي حالات سلبية عانت منها دول المنطقة خلال العقد الماضي، نأمل أن تنفرج بعودة خليجية لدعم الأمن والسلم الخليجي ورفد الاقتصاد الخليجي، والعودة بروح متجددة نحو الأشقاء العرب لقيادة العمل العربي المشترك بعيدا عن التدخلات الخارجية التي تسعى لتحقيق أجندتها الخاصة، ولذلك فإن التقارب والتشاور والتنسيق المشترك بين الأشقاء يضمن تحقيق هذه المعادلة الأمنية والاقتصادية والاستقرار والازدهار في عموم المنطقة.
وعودة إلى اللقاء الكبير الذي تفاعلت معه الأوساط الإعلامية والشعبية في البلدين وعموم المنطقة ليشكل حجر الأساس لبناء مظلة الخير التي ترنو إليها القيادتان والشعبان الشقيقان، ولا شك أن القِيَم السياسية العمانية التي لم تتلون أو تتغير تجاه الأشقاء، إضافة إلى ما تمثِّله المملكة العربية السعودية من ثقل كبير في المنطقة ورغبة البلدين في تتويج تلك المعطيات الاستراتيجية بنتائج على أرض الواقع ترسم اليوم مستقبلا واعدا في العلاقات بين البلدين، مؤكدين على تطابق الرؤى في ملفات عديدة ومقاربات متجددة يأمل منها الشارع الخليجي والعربي أن تأتي أُكلها لخير وصالح المنطقة، والتفاؤل يسود الأوساط التي رحَّبت بلقاء العاهلين الكبيرين جلالة السلطان هيثم والملك سلمان ـ حفظهما الله ـ والتأكيد على لجنة التنسيق المشترك بين البلدين في شتَّى الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية. ونسأل الله أن يكلل هذه الزيارة بالخير والنفع لشعبَيْ البلدين والمنطقة وعموم الجغرافيا العربية.
خميس بن عبيد القطيطي