حط الطائر الميمون المقل لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على أرض مدينة نيوم، في زيارة تاريخية للمملكة العربية السعودية ترسم آفاقا للمستقبل، وتصوغ عناوين لمرحلة مقبلة من تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين. ولا شك أن هذه الزيارة التي جاءت بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية تحمل من الآمال الخيِّرة لصالح البلدين وعموم المنطقة حسبما يراه المراقبون للشأن الخليجي والعربي، والأهم في الزيارة أنها جاءت في توقيت دقيق يتطلع فيه البلدان إلى مزيد من التعاون والتنسيق المشترك وهي من ضرورات المرحلة القادمة. فالمملكة العربية السعودية وما تمثِّله من ثقل على الساحة العربية والدولية تنظر إلى أهمية التعاون الوثيق مع سلطنة عمان نظرا لما يميز السلطنة من ثقل سياسي جعلها طرفا موثوقا في المعادلة السياسية الإقليمية والدولية، وما تمتاز به تجربتها من قِيَم ومبادئ إنسانية وحضارية يتكئ عليها نظامها السياسي، وبلا شك أن المملكة العربية السعودية أيضا تدرك تلك المعطيات البراجماتية للسياسة العمانية، وتدرك أهمية التقارب الخليجي العربي في ظروف مثقلة بالتنافس الإقليمي والدولي، وبالمقابل تنظر سلطنة عمان إلى الأهمية البالغة في إعادة التموضع الخليجي وتشابك المصالح بين دول الخليج والتكامل مع بقية الأشقاء في الوطن العربي، وبالذات مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية. وتعوِّل السلطنة كثيرا على الشراكة الثنائية مع المملكة نظرا لحاجة البلدين الماسَّة إلى تدعيم ورفد اقتصاديهما، كما أن التشاور الثنائي في قضايا المنطقة وأهمية التوافق العماني السعودي سوف يسهم في تجاوز النقاط الحرجة في عدد من الملفات الإقليمية .
أصداء الزيارة الكريمة لجلالة السلطان هيثم ولقاء أخيه خادم الحرمين الشريفين والتقارب الكبير الذي برز مؤخرا بين البلدين يسجل علامة خليجية وعربية فارقة، وبلا شك أن البلدين يدركان حقائق التاريخ والجغرافيا والهُوية المشتركة، وأن الأمان والسلام والخير والوئام ينشده الأشقاء من خلال هذا التقارب الذي يبلور مواقف سياسية متطابقة يراهن على نجاعتها في تمهيد الخطى نحو المستقبل، وهذه التوأمة العمانية السعودية لا شك أنها ستكون عنوانا لمستقبل واعد بإذن الله.
من محاسن الظروف أن الأقدار وضعت سلطنة عمان لتكون الطرف الموثوق في ملفات إقليمية عدَّة، وقد سعت السلطنة بكل إمكاناتها لتحقيق الخير للأشقاء والنأي بهم عن الصراعات؛ ذلك لأن خسائر هذه الصراعات هي خسارة للجميع، وعليه فإن السلطنة ملتزمة بدورها في إنهاء هذه المأساة الإنسانية التي يرزح تحتها الأشقاء من أبناء الشعب اليمني، وهذه الرؤية العمانية وجدت نفسها تتماشى مع مبادرة المملكة العربية السعودية للسلام لإنهاء القتال في اليمن الشقيق، ما يؤكد أن السلطنة تترقب كل وسيلة أو موقف أو مبادرة خيِّرة من شأنها وضع أوزار الحرب. ولا شك أن التنسيق المشترك بين وزيري خارجية البلدين في هذا المسار مهَّد كثيرا للانتقال بهذه المشاورات والرؤى المشتركة للتنفيذ على أرض الواقع، ونأمل أن تكلل هذه الجهود بإنهاء تلك المأساة التي يعاني منها الأشقاء في اليمن.
الظروف الاقتصادية التي داهمت العالم أجمع وسعي الجميع إلى تجاوزها وتحقيق التنمية المستدامة للسلطنة والمملكة تناغم أيضا مع رؤية عُمان ٢٠٤م ورؤية المملكة ٢٠٣٠م، وهذا المشروع الاقتصادي المشترك ينظر إليه بتفاؤل كبير؛ لأن المصلحة والخير بالمضي معا في تسخير مقدرات وثروات البلدين قُدما في هذا الاتجاه لا سيَّما مع وجود الرابط البري الذي يربط مسقط بالرياض، ويؤمل التوقيع على عدد من الاتفاقيات في هذا الشأن.
المقاربات السياسية للملفات الإقليمية الأخرى لا تقلُّ أهمية، ويأتي في مقدمتها الحوار مع طهران وتوظيف الحكمة العمانية في بلورة صورة متقاربة تجمع المملكة وإيران وفقا لمعطيات التاريخ والجوار والجغرافيا، لا سيَّما وأن المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي تمضي بوتيرة متقدمة في فيينا، وهذا الملف الشائك لا بُدَّ له من مقاربة إن لم تكن اليوم فغدًا، ويأمل بعض المراقبين أن تتبنى سلطنة عمان تقريب المسافات بين الرياض وطهران من أجل إنهاء عقود من التنافس السلبي، وتحقيق حالة من التكامل بين طرفي الخليج فيما من شأنه الخير لشعوب المنطقة.
الزيارة التاريخية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ولقاء أخيه خادم الحرمين ستسجل مرحلة جديدة من العمل الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات بعد استدراك البلدين أهمية هذا التعاون والتنسيق المشترك، والتشاور في مختلف القضايا الإقليمية، وتحقيق المقاربات السياسية التي تسهم في تقديم رؤى مشتركة ينشد منها أبناء الشعبين الشقيقين وأبناء الخليج عامة مزيدا من التفاهم والتعاون في تجاوز الظروف الحرجة التي ألمَّت بالمنطقة، ونسأل الله سبحانه أن يتوج هذه الزيارة والجهود المشتركة بالنجاح، والله ولي التوفيق والسداد.
خميس بن عبيد القطيطي