منذ إنشاء وزارة السياحة في العام 2004، وهذه الوزارة تمر بتحديات كثيرة من أجل تحقيق رضا المواطن والجمهور عن الخدمات التي تُقدمها من أجل تحقيق متطلبات التنمية الشاملة، وينظر المواطن لهذا القطاع على أنه من القطاعات الواعدة، وأنه مؤهل لأن يكون مصدرا بديلا لقطاع النفط؛ كون بلادنا حباها الله بمقومات سياحية طبيعية قد تكون هذه المقومات أحد أهم الأسباب لأن تتصدر السياحة العمانية المشهد، بل وتُسهم في رفد خزينة الدولة والناتج المحلي.
منذ العام 2004، وهناك جهود تُبذل من قبل الحكومة الرشيدة ولكن تواجه هذه الجهود تحديات حقيقية، ويسعى القائمون على هذا القطاع لوضع مقترحات وحلول، لكنها لا تُرضي الجمهور، وقد يكون الجمهور بعيدا كل البعد ولا يعرف ما يدور في جعبة الوزارة وكيف تعمل الوزارة. حقيقة، أتابع هذا الحراك منذ زمن بعيد منذ أن كانت هذه الوزارة مجرد دائرة بوزارة التجارة والصناعة، ثم أصبحت مديرية عامة، إلى أن صدر المرسوم السلطاني رقم ٦١/٢٠٠٤ بإنشاء وزارة مُستقلة تسمى “وزارة السياحة”.
وعلى مدار عقدين من الزمان، والحكومة تضع كل اجتهاداتها لتنمية هذا القطاع، والحق يُقال إن ما تحقق يدعو للفخر والاعتزاز، ولكن نظرة الجمهور ترى أنَّ ما تحقق لا يصل إلى مستوى طموح المواطن والسائح؛ فهناك تقصير بسبب عدم قدرة المسؤولين على توجيه البوصلة بشكل دقيق لتعميق هذا القطاع.
وبالأمس، كنت في رحلة مع مجموعة من الأصدقاء إلى منطقة “خلوف”، وأثناء مرورنا رأينا كَمْ هي بلادنا جميلة، وأن كل شبر من عُمان مهيَّأ لأن يكون مصدرا وموردا للتنمية السياحية، زرنا القرى القريبة لمنطقة خلوف ومحوت وبر الحكمان، هذه القرى الجميلة بطقسها المعتدل، لكن العجلة السياحية لم تصلها، وأعتقد لن تصلها في القريب العاجل.
إنه ولتحقيق التنمية الشاملة، فلا بد أن نبحث في كل شبر من عمان، ونحقق ما ينشده السائح، وهذا المطلب سيظل قائما من قبل الجمهور والسائح بشكل عام.
مر على هذه الوزارة منذ إنشائها قبل عشرين عاما العديد من المسؤولين، وكل مسؤول يجتهد ليُحقق ما يتمناه المواطن، ولكن رضا المواطن يظل محدودا، والوزارة ترى أنها قدمت الكثير وفق إمكاناتها، ورغم ذلك تجتهد لترضي المواطن والجمهور، فهي وزارة خدمية، وعليها أن تتحمل المسؤولية الكاملة بأن تصل ببلادنا إلى مصاف الدول السياحية على مستوى العالم.
التحديات ما زالت قائمة، وقد جاءت ضمن الإستراتيجية الشاملة لهذا القطاع، نعم ستظل التحديات قائمة لأنَّ القطاع السياحي في عُمان يمتد لأكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع، ويتوزع لإحدى عشرة محافظة، وواحد وخمسين ولاية، ومئات من القرى المنتشرة، وكل قرية من قرى عمان هي معلم سياحي.
أذكر أنني زرت معالي سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة في عز جائحة كورونا، واستقبلني معاليه في مكتبه، على الرغم من الاحترازات والإغلاقات التي كانت تواجه الجميع، كان الوزير مُنكبًّا ويعمل وفريقه ليل نهار من أجل ترجمة إستراتيجية شاملة للقطاع السياحي، تحدثنا كثيرا ووعدنا بأن تكون الإستراتيجية جاهزة وتُعرض لوسائل الإعلام عندما تكتمل أركانها.
نعم.. وكما وعد معاليه، فقد عُقِد لقاء موسع حضره عدد من الزملاء، واستعرضت وزارة التراث والسياحة في هذا اللقاء الإعلامي تفاصيل الخطة الشاملة لتنمية القطاع السياحي، والتي تتوافق في رؤيتها وتتماشى مع رؤية “عمان 2040”.
التنمية الشاملة لهذا القطاع كما كشف معالي الوزير تتضمن إنشاء نظام للحوكمة وتحديث الإطار القانوني المنظم عبر مراجعة وتحديث قانون السياحة ولائحته التنفيذية ومراجعة، وتحديث قانون التراث الثقافي وإصدار لائحة تنفيذية للقانون، ومراجعة وتحديث الأطر المتعلقة بالمجمعات السياحية المتكاملة وعقود حق الانتفاع واتفاقية التطوير مع بحث منح حوافز وتسهيلات للمشروعات الاستثمارية.
وكشف لنا معالي سالم بن محمد المحروقي وزير السياحة أيضًا أن خطة التنمية السياحية الشاملة تنطلق من خلال تطبيق سبع محاور رئيسية، وتدمج ما بين الإستراتيجية العُمانية للسياحة، التي يمتد تنفيذها حتى عام 2040، ومشروعات وبرامج التنويع الاقتصادي وعدد من المبادرات التي تم تعديلها أو إضافتها بما يتماشى مع المستجدات الراهنة، وبما يتوافق مع رؤية عمان المستقبلية 2040.
هذه الخطة تنسجم مع عدة مسارات تسعى لتحقيق مكاسب سريعة في القطاع من خلال المشروعات ذات الأولوية التي يحتاجها سوق السياحة حالياً، واستمرار خطة تعافي قطاع السياحة من الجائحة ودعم المشروعات التي تأثر تنفيذها بسبب تبعات الجائحة. إن الوزارة تدرس إنشاء صندوق التنمية السياحية وسوف يُسهم هذا الصندوق في تنمية المشاريع المتعثرة.
وحسب الخطة، فمن المستهدف جذب حجم استثمارات بنحو 3 مليارات ريال عماني للفترة من 2021 وحتى 2023، ضمن البرنامج الوطني لجلب الاستثمارات.
وتحدث معالي الوزير عن المكتسبات التي تحققت؛ مثل: المشروعات والمجمعات السياحية المتكاملة والتي يبلغ عددها حالياً 21 مشروعًا، منها 11 مشروعًا على أراض حكومية مملوكة للوزارة، وهناك 5 اتفاقيات تطوير موقّعة بالفعل لهذه المجمعات و8 عقود انتفاع، كما أن هناك 10 مشروعات على أراضٍ خاصة، منها اثنان في طور الإجراءات، و4 تم توقيع اتفاقية التطوير الخاصة بها. وأضاف معاليه أنَّ خطة التنمية الشاملة لقطاع التراث والسياحة تتضمن 194 مشروعًا رئيسيًّا وفرعيًّا، و٧ محاور رئيسية، هي الحوكمة والإدارة وبناء القدرات، والتخطيط والتطوير والاستثمار، والجودة والاستدامة والتنافسية، والقيمة المحلية المضافة، والمنتجات والتجارب السياحية، وسوق العمل ودعم المنتجات المحلية، والترويج السياحي، فيما يركز المحور السابع على التحديات الرئيسية والحلول المقترحة من خلال التنسيق والتكامل بين الوزارة والجهات المعنية، وتشمل هذه التحديات تلك المرتبطة بإجراءات الاستثمار والمرتبطة بالمشروعات الاستثمارية وتحديات التمويل، والتحديات المرتبطة بمشروعات المجمعات السياحية المتكاملة والسياحة الداخلية وإجراءات الدخول والوصول إلى سلطنة عُمان.
هذه التحديات ستظل تواجه القطاع السياحي، وسيظل الجمهور يطالب بالمزيد، وسيظل يقارن بما هو موجود في بلادنا وبما هو موجود في دول الجوار والدول السياحية بشكل عام.
حمود بن علي الطوقي