العراقي صلاح لوكالة الأنباء العُمانية: أشعر أني لم أقل كلمتي بعد ( النشرة الثقافية )
القاهرة في 26 يوليو/ العمانية/ “أكتب لنفسي أولًا”.. بهذه الكلمات يبدأ الروائي العراقي
صلاح النصراوي حديثه لوكالة الأنباء العُمانية، موضحًا أنه بعد نحو نصف قرن تقريبًا
من العمل الإعلامي والبحثي والثقافي لم تعد لديه رغبة في الكتابة، لأنه لم يعد يجد فيها
نفسه كاملة كما يعرفها ويريدها ويهواها.
“كان الأمر هو دائمًا هكذا بالنسبة لي منذ أن احترفت الكتابة في بلدي العراق”، يضيف
النصراوي، ومنذ أن تقدم باستقالته من وكالة أنباء “أسوشيتد برس” في عام 2011 بعد
25 عامًا من العمل مراسلًا في الشرق الأوسط، أصبحت التجربة كما يؤكد “أكثر غنى
ورسوخًا بما لا يسمح بالتفريط بها”.
خلال هذه السنوات العشر وبينما يواصل كتاباته الصحفية والبحثية باللغتين العربية
والإنجليزية، انتهى النصراوي من إنجاز كتب عدة نشرَ بعضها، وهو يعكف على مشاريع
من بينها رواية اسمها “أرض الهشيم” تتناول واقع العراق منذ الغزو الأمريكي عام
2003.
مثل كثيرين جاءوا إلى عالم الرواية من الصحافة، يرى النصراوي الذي صدرت روايته
الأولى “حافات الأمل” في عام 2002، أن التجربة “مفيدة”، لأنها في أحد أوجهها تنقل
الواقع المعاش إلى نص عبر سرديات على لسان شخصيات متخيلة.
يقول النصراوي إنه انتهى لتوه من كتابة “لَم يَحلْ أوانه” ودفع به لأحد الناشرين وهو
بالأساس عن وقائع عايشها في بعض الدول التي عمل بها لسنوات طويلة، لكنه كتاب كما
يصفه “عن الدولة العربية منذ الاستقلال وتأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى، ولأني
عشت ورأيت بأم عيني، كان لا بد لي من أقول كلمتي في تطورات لم تنته وقائعها حتى
الآن”.
“لدي الكثير من المشاريع، منها ما بدأت به فعلًا ومنها أفكار في رأسي أو مخططات على
الورق وأنوي استكمالها” يقول النصراوي، مضيفًا: “أشعر أني لم أقل كلمتي بعد”.
اهتمام النصراوي بالعالم العربي لا يتأتى فقط من عمله وحياته في دول عربية عدة
واستقراره في مصر، بل لأنه يرى في ذلك أيضًا تعويضًا عن الابتعاد عن بلده منذ ما
يقارب ثلاثين عامًا، “لا أشعر أني أعيش في منفى” يؤكد دون أن يكبت مشاعره عن قسوة
حكايات الوطن التي تلاحقه حتى في أطيافه وكوابيسه “ربما هي غربة” يضيف “لكني
عوضت الحنين بالاندماج”.
يؤكد النصراوي أنه يشعر بأنه أصبح “جزءًامن النسيج الثقافي المصري” الذي يعمل فيه
ويتفاعل معه باستمرار بحكم علاقاته وصلاته مع الوسط الفكري والثقافي.
وبحكم وجود الملايين من العراقيين في الخارج، ومنهم أعداد غفيرة من المثقفين والكتاب
والمفكرين والفنانين، فإن النصراوي يجد نفسه أيضًا مهتمًّا بثقافة المنفى التي يرى أنها
أصبحت عنصرًا أساسيًّا في الثقافة العراقية بتنوع مفرداتها وحصيلتها في الفروع كافة.
“مثلما تنتصر في الداخل على الموت وعلى غربة الروح، فإن ثقافة الخارج تحاول أن
تنتصر على تلك الروح”، يقول النصراوي مشيرًا إلى الكم الهائل من الروايات والدواوين
والمؤلفات التي يصدرها عراقيو الخارج أو الأغاني أو الرسوم أو الأفلام التي ينتجها
فنانون في البعيد والقريب؛ “سيكون لهم شأن أكبر عندما يظهر جيل جديد تشبّع بلغات
وثقافات أمم المهجر واختبر تجارب جديدة ستغني الثقافة العراقية وتعوض لها ما فاتها”.
أما ثقافة الداخل، فيرى النصراوي أنها تنهض رغم المكابدة، وأن الكتابات العراقية
الجديدة تغزو أسواق الكتب العربية سواء أكانت روايات أو كتب شعر أو إنتاج نقدي
وفكري، حتى إن دراسة عن حالة النشر في المنطقة العربية عرضها اتحاد الناشرين
العرب أثناء معرض القاهرة الدولي للكتاب، كما يشير، توضح أن العراق احتل المرتبة
الثانية في سوق النشر بعد مصر بين عامَي 2015 و2019؛ وهذا “مؤشر مهم لنشاط
الحركة الثقافية ونموها بالرغم من معاناة منتجي الثقافة والظروف الصعبة التي يمر بها
البلد”.
“أي متابع دقيق للمشهد الثقافي العراقي في الداخل اليوم يرى أنه يتعافى، ولو ببطء، ليس
فقط من آلام مخاض مرحلة جديدة شديدة الوطء بدأت بعد الغزو الأمريكي، ولكن أيضًا
من آثار المرحلة السابقة التي تميزت بالانغلاق على الفكر والثقافة والإبداع”، يقول
النصراوي مشيرًا إلى عدد كبير من الأسماء وإلى الإسهامات الأدبية والثقافية والفكرية
والفنية العراقية التي نالت جوائز عربية ودولية خلال السنين الماضية أو حضورها في
محافل عديدة جنبًا إلى جنب مع مبدعين عرب وأجانب.
“هذه لحظة نادرة للثقافة العراقية وهي تحاول الخروج من النفق المظلم التي وُضعت فيه
وأن تجد مساراتها الصحيحة في كل صنوف الإبداع وتعويض ما فات”. لكن النصراوي
يضع أيضًا شرطًا للخروج النهائي للثقافة العراقية من القمقم وهو “الحاجة للانطلاق”.
يؤكد النصراوي أن ما تحتاجه الثقافة العراقية أيضًا “إسهامات نقدية عميقة بشأن
الموضوعات الثقافية المطروحة على المجتمع العراقي، وخاصة موضوعات المراجعة
والتأويل والوجود الإنساني وقضايا الهوية والتعدد والتنوع، وهي موضوعات ما تزال
تعاني من الضبابية أو الرؤى والاجتهادات الواحدية وتؤثر في جميع نواحي الحياة”.
ووفقًا للنصراوي، فإن مما يحتاجه العراق في الوقت الحاضر لمواجهة تحديات الواقع
الجديد، ثقافة وطنية تراعي الظروف التي يمر بها العراق، ترافقها مؤسسات ثقافية تدعم
الجهد الفردي ماديًّا ومعنويًّا لايجاد فضاءات رحبة أمام المثقفين والمبدعين في كل
المجالات.
“بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 كان العراق يحتاج إلى (أندريه مارلو) عراقي يعيد
بناء القطاعات الثقافية” يقول النصراوي مشيرًا إلى المفكر والأديب ووزير الثقافة
الفرنسي الذي عيّنه الجنرال ديغول بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أسهم في إعادة
باريس إلى مكانتها عاصمةً للثقافة والفكر في العالم. “يبدو أننا ما زلنا بحاجة لذلك”.
/العمانية /