الجزء الثاني
تظل مروة تنتظر خارج غرفة العمليات بنفس المستشفى الذي يعمل فيه زوجها سالم ، فعند وقوع الحادث كان اقرب مستشفى لإسعافه هو نفس المستشفى الذي يعمل به ، تمر الساعات ومروة تجلس تارة وتقف تارة أخرى والدموع لا تنضب من عينيها ، ثم يخرج الطبيب ووجهه حزين جدا ليسوق النباء الحزين الذي يخلف مرارة في كبد وفؤاد مروة ، لتسقط من طولها على أرضية المستشفى من هول ما اخبرها به الدكتور .
سالم ممدد على السرير في غرفة العناية المركزة بعد بتر قدميه من الركبة نتيجه لتهشم عظامه أثناء الحادث ، لم يفق سالم بعد من غيبوبته ليدرك ما حل به ، لكن مروة تدرك تماما المصير الذي ينتظر سالم ، وتعلم حجم ما سوف يعانية في حياته القادمة بعد الحادث ، لم تجرؤ على إلتقاط صورة واحدة لزوجها وهو ممدد على السرير كما كانت تلتقط صور عامة الناس في الحياة ، لقد أحست معنى الألم والمعاناة التي كانوا يمرون بها غيرها ، متعة أخذ اللقطة ماتت هنا وأنطفأت كما انطفأ حلم سالم في المشي على رجليه كما كان ، نعم ليست المشاهدة كما المعايشة ، فهناك وهنا يغيب ويحضر الألم .
استفاق سالم من غيبوبته وأدرك ما حل به فعاش من أول يوم استفاق فيه كآبته المنطوية على نفسه وروحه ، حتى إنه لم يعد يشعر بوجود مروة بقربه ، كان إكثر وقته سارح وكأنه جسد بلا روح على سرير ممدد ، بعدما شفي تماما وقبل خروجه من المستشفى جاءه الأخصائي الجديد الذي تم تعيينه مكانه بقسم الأجهزة التعويضية لأخذ مقاس الأرجل الصناعية ، بكاء سالم بحرقة شديدة وهو يتابع الأخصائي يقيس رجله ، وسرح بخياله عندما كان يأخذ المقاس لغيره وكانت معاملته شبه سيئه لهم ، مروة تقف بالقرب منه وتمسح على شعر رأسه والدموع تغالبها ، رجع سالم ومروة إلى شقتهما وكأنهما يدخلانها لأول مرة ، أحس الجميع بالغربة رغم وجودهما معاً وكأن هناك شيئا ينقصهما ، دخل هذه المرة سالم على كرسي متحرك بينما زوجته مروة هي التي تدفعه ، مر بقرب المزهرية التي ذبلت ورودها وجف قعر ماؤها ، نظر سالم بحزن عميق إلى تلك المزهرية وكأنها تمثله في حالته ، مد يديه ووضعهما بقوة على عجلات الكرسي المتحرك ليدفعه بقوة نحو الغرفة تاركاً مروة خلفه تذرف الدموع وتمسح بيدها على الورود اليابسة في المزهرية لتستحضر صباح ذلك اليوم الجميل قبل الحادث حين وضع سالم الوردة على المخدة وهي نائمة .
يعقوب بن راشد السعدي