الجزء الثالث
في صباح اليوم الثاني من عودة سالم إلى شقته كان مستلقي على سريرة ينظر نحو بصيص الضوء القادم من بين الستارة حين يحركها الهواء ، يسقط عليه الضوء فيمد يده إلى أعلى ليلامسه بكف يده ويحرك أصابعه من خلاله وكأنه يعزف على بيانو لحناً حزيناً ، هنا غالبته دمعه ضلت برهه تتلاءلاء في محجر عينه اليسرى ، دخلت مروة عليه الغرفة وهي تدفع الكرسي المتحرك نحو السرير ، وتخبره بأن الإفطار جاهز ، لكنه لم يلتفت إليها مطلقاً ، تنهدت مروة حين رأت تلك الدمعة ، جلست بالقرب منه على السرير ومسحت الدمعة من على خدة وقبلت جبينه وهي تجهش بالبكاء ، لم يكن سالم ليتحرك أو حتى يفكر في ضم زوجته مروة إليه كما فعلت ، بل أستمر يداعب الضوء والدموع تنهمر من عينيه تباعاً وكأنه يفقد الأمل الذي تبقى داخله مع بصيص الضوء الذي يشرق ويختفي بين قطعتي قماش الستارة كل حين واخر .
جلس سالم على كرسية المتحرك بينما جلست مروة على كرسي طقم طاولة الطعام ، أخذ يقلب البيض على الصحن دون أن يدخل في فمه لقمة واحدة ، وزوجته مروة تراقبه من تحت هدوب عينيها دون أن تتدخل بكلمة خشية أن تجرحه دون قصد ، ف سالم أصبح بالغ الإحساس ، أقتربت منه وجلست بالكرسي المجاور له ، وأمسكت بالملعقة وهي تحنو على يديه بكل هدوء ثم أخذتها ، أغترفت لقمة من البيض ولما اقتربت الملعقة من فم سالم أمسك الملعقة بقوة ورما بها هي وما فيها من بيض على سجاد الصالة .
في المساء جلست مروة على شرفة الشقة تقلب الواتساب على هاتفها وتكتب وتبتسم ، بينما كان سالم يراقبها من الصالة وهو سارح يحدث نفسه ، ويسأل نفسه عدة أسئلة ويجيب عنها بنفسه ، أصبح سالم حبيس الخوف والريبة من القادم يتملكه لدرجة أنه أمسى يحكم على ما يشاهده من خلال عقلة الباطني ، فكانت اسألته كالتالي .. هل سوف تستمر مروة تحبني ؟ .. هل تراني مكتمل كالسابق ؟.. وإلى متى ولماذا ؟.. سوف يأتي اليوم الذي ترى فيه إنسان وسيم ومكتمل خيرا مني وربما تبتعد عني وتطلب الطلاق ؟ .. فمن هي التي تقدر أن تعيش مع معاق يحتاج إلى الرعاية كل وقت وحين ؟ .. ، كل هذه وتلك الأسئلة الشيطانية التي كانت تطرق خلد سالم ، كانت تنمو بداخله شيئاً فشيء دون أن يحس بالكارثة التي سوف يأخذه إليه توهمه ، مسكين سالم زرع في قلبه وعقله بذرة الشك في لحظة ضعف اتجاه من يحب .
يعقوب بن راشد السعدي