الجزء الرابع
كانت نظرات سالم نحو زوجته مروة وهي تبتسم حين تتراسل بالواتساب تشعره بالغيرة والشك في إنها تتراسل مع أحد زملائها في فن التصوير الضوئي ، أقترب بكرسية المتحرك وهو يتمتم بكلماته الغير مفهومه ، نظر مروة نحوه وهي مبتسمه ، اقترب اكثر وفي لحظة إندماج مروة في المراسله كان سالم يسترق النظرات وعينيه تتفحصان كل تفاصيل لوحة الهاتف ، لمحته على غفلة منه فنحنت نحوه دون قصد لتبرير موقفها لكنها لمحت التساؤل الذي يعتري وجهه ، فقد كانت تراسل أخيها الذي يعمل في السفارة الفرنسية بفرنسا ، وهو الأخ الوحيد لها .
فقد رباهما جدهما بعد وفات أبيهما وأمهما حين احترق البيت وهم نائمون ، فقد كانت مروة واخيها هم الناجيين الوحيدين من حادثة الحريق بفضل الجيران ، وتوفي جدهما بعد تخرج مروة من الجامعة وكان أخيها في تلك الفترة التحق بالعمل في السفارة ، مسكينة مروة لم يبقى لها سوى أخيها وزوجها سالم في الحياة ، تطمئن سالم وطلق نفساً خرج من فمه وكأنه نفث من صدره جاثوم تربع عليه طويلا ، أبتعد سالم عائد إلى الصالة ليأخذ هاتفه ويبدأ في تنزيل برنامج مراقبة الواتساب ، ليخترق كل الرسائل الواردة والصادره لزوجته مروة دون أن تعلم هي ذلك ، سأل سالم مروة وهو يقبل ظهره عليها دون حتى إن يلتفت .. ( تتوقعي متى تجهز أرجل الأطراف الصناعية ؟ ) ، فردت مروة .. ( هذا عملك وأنت اعلم مني بذلك .. لكن يمكنني المرور غدا بالمستشفى وتأكد منهم ) ، لكن سالم رد بسرعة وكأنه لا يثق أن تقابل زوجته زملائه بالمستشفى .
بعد مرور شهر على خروج سالم من المستشفى وشفاء جرح البتر في رجله ، اتصل به أخصائي الأطراف الصناعية وأخبره بأن كل شيء جاهز وعليه أن يحضر لتركيبهن ، ذهب سالم ومروة إلى المستشفى وفي غرفة الأجهزة التعويضية جاء الاخصائي بالاطراف الصناعية وجلس أمام كرسي سالم المتحرك ليركب الأرجل الصناعية ، لكن سالم تعامل معه بعنف وقسوة حين إنتزاع من يده الأطراف وبدأ في تلقيم رجله اليمنى ثم اليسرى ، وحين اراد أن يقف من على الكرسي بادر الاخصائي بقبض ذراعي سالم حتى لا يسقط ، لكن سالم دفعة بقوة عنه وصرخ بوجهه .. ( أنا ما عاجز .. أنا قادر على كل شيء واكثر منك .. بعدين لا تحاول تدخل فعملي وتعلمني .. أنا قبلك هنا بهذا المكان وبهذه الشغله .. سير كان عندك شغل ثاني سير ) ، لم يكن الاخصائي ليرد على سالم ابدا فهو يقدر الوضع الذي يمر به سالم ، ويعلم يقيناً أن أخذ مكان شخص في العمل صعباً جدا خاصة أنه لم يكن اختياريا من سالم ، كان مروة تتألم لتصرفات سالم لكن لم يكن بيدها ما تفعله سوى سعة صدرها وصبرها الذي يقول لها فترة وتعدي ، مشى سالم قليلا ثم سقط على الأرض بقوة ، وحين هبت مروة لتوقفه مرة اخرى دفعها بيده وهو ينظر إليها بغضب ، تراجعت المسكينه والدموع تغالبها ، حاول سالم الوقوف مرة اخرى حين أمسك بجهاز المشي للياقة البدنية ، لكنه سقط مرة اخرى ، تدخل الأخصائي وكلمه بهدوء وأخذ يقنعه بأنه يعلم تماما أن بدايه الأمر يتطلب إلى تمارين يومية لعدة أيام حتى يستطيع السير على الأرجل الصناعية ويتعود على موازنتها وفق ثقل جسده وعمليتي الجلوس والوقوف والميلان وغيرها من حركات الجسد الاعتيادية للأسويا ، هنا جلس سالم وأخذ يخلع الأرجل بسرعة وألقى بها وأخذ يجر جسده بيديه وهو يتجه نحو كرسيه المتحرك ، كان منظره يفقلق الصخر من الحزن ، لكن عناده وعدم إعترافه بضيفه إمام الجميع شيئا اخر ، رغم ضعفه الداخلي وهزيمته الحمقاء التي تعتريه بين الفينة والأخرى .
يعقوب بن راشد السعدي