الجزء الخامس
خرج سالم من غرفة إعادة تأهيل اللياقة البدنية للأطراف الصناعية مسرعة على كرسية المتحرك دون تركيز وفي عيناه ينحبس الدمع ، دون أن ينتبه لزاوية الإنعطاف في أخر رواق بالممر الواسع استطدم بتلك الزاوية وسقط على البلاط ، كانت في تلك اللحظة مروة تخرج من غرفة التأهيل إلى الرواق حين شاهدت سالم ينقلب بالكرسي أمام مجموعة كبيرة من المرضى المراجعين ، هرعت نحو مسرعة لكن شاب وسيم ذو ذراع مفتول العظلات يسبقها إليه ويحاول رفعه من على البلاط ، لكن سالم دفعة عنه بقوة وصرخ في وجهه ( أنا أقوى منك ) ، وأخذ يزحف على يديه نحو الكرسي ، هنا وصلت زوجته مروة وأقامت الكرسي من قلبته ، وحين جاء سالم ليعتلي الكرسي بيديه نظر إلى مروة بعينين حادتين( بعدك لو جالسه معهم شويه ) ، أرادت مروة أنت تفتح فمها لترد عليه لكن عينيها ناظرت الشاب الوسيم الذي عنفه سالم ، فسكتت ونظرت إليه بإبتسامة مجروحه ملؤها الحزن وكأنها تعتذر منه ، لم تستطع مروة أن تعتذر لذلك الشاب خوفاً من رد زوجها سالم الهجومي ناحيتها .
قادة مروة السيارة وسالم يتكأ برأسه على زجاج باب السيارة ينظر للشارع وما تقع عليه عيناه من مشاهد عابرة ، لم يكن سالم لترمش له عين ابدا ، وكأنه مسافر إلى عالم همومه غير مدرك ما تشاهده عيناه ، أخذت مروة طريق رأس الحمراء حتى وصلت إلى البحر ، أوقفت السيارة مقابل البحر ، فسارت غير عابئة بأنها تركته في السيارة لوحدة ، كان يتابعها بنظراته وهي تشق الرمل برجليها العاريتين وعباءتها تتموج في الهواء كشعر غجرية حسناء ، مشت حتى لامسة رجليها مياه البحر ، اطلقت العنان لذراعيها وكأنه النورس حين يستعد لطيران ، نعم ترفرف بيديها كبجعة وتصفق كحمامة ، أغمضت عينيها ورفعة رأسها وأخذت تشم نسيم البحر وكأنها تطير بين السحاب والغيوم الممطرة ، نعم لم تحس مروة بهذا الإحساس منذ تعرض سالم للحادث ، لم تعرف الحرية إلا الآن ، لا تشعر إلا بنفسها محلقه بين السماء والأرض دون حدود ولا سور ، ظل سالم ينظر إليها ويجهش بالبكاء ويكيل الضربات على طبلون السيارة بقبضة يده اليمنى ويصرخ بقوة .. مروووووة .. لكن زجاج السيارة كان مغلق لفلم ولن تسمعه مروة ابدا ، هنا أخذ ضميره يحدثه .. إلى متى ياسالم سوف تظل على حالك هذا .. لابد لك أن تصحوا وتواجه مصيرك المحتوم .. عليك أن تتقبل إعاقتك وتنهض كالاقويا دون خجل ولا كسل ولا استحياء .. عليك أن تعيش وتحارب ضعفك من أجل مروة ، هنا مبدأت الإبتسامة تظهر على وجه سالم رويدا رويدا حتى أشرق وجهه بها ، سحب محارم ورقية ومسح دموعه وادار المذياع إلى موجة قناة الشباب فإذا بالمطرب محمد عبده يغني أغنية مجموعة إنسان ، رفع الصوت وأخذ يردد مع الفنان محمد عبده كلمات الأغنية
قالت من انت . وقلت مجموعة انسان
من كل ضد وضد تلقين فيني
فيني نهار وليل . وافراح واحزان
اضحك ودمعي حايرٍ وسط عيني .
فيني بداية وقت . ونهاية ازمان
اشتاق باكر واعطي امسي حنيني
واسقي قلوب الناس عشقٍ وضميان
واهدي حيارى الدرب . واحتار ويني .
واحاوم طيور السما حوم نشوان
واسيل الوديان دمعٍ حزيني .
فيني بداية وقت . ونهاية ازمان
اشتاق باكر واعطي امسي حنيني
في عيني اليمنى من الورد بستان
وفي عيني اليسرى عجاج السنيني
تهزمني النجلا . وانا ند فرسان
واخفي طعوني والمحبه تبيني .
ان ما عرفتيني فلانيب زعلان
حتى انا تراني احترت فيني
عندما فتحت مروة باب السيارة وشاهدت زوجها سالم مبتسماً يتمايل مع إيقاع نغمات الأغنية ويرددها مع الفنان محمد عبده ، لم تصدق ما تراه وما تسمعه ، ركبت السيارة ووضعت ظهر راحت يدها على جبينه لتتفقد حرارته قد تكون مرتفعة وهلوسة الحمى هي من اثرت عليه ، لكنه أمسك بيدها من على جبينه وأنزلها بهدوء وكأنه يمسح بها وجهه وهو يغني وينظر إليها حتى وصلت يدها إلى فمه فقبلها وقال لها .. أحبك .. أحبك .. أحبك حبيبتي مروة ، أنا رجعت أنا سالم قبل الحادث ، ردت بإستغراب.. معقولة ؟!! ، هز رأسه وهو مبتسم ، ثم قال لها عودي إلى المستشفى لأكمل التمارين على الأطراف الصناعية مع الأخصائي واعتذر له عن تصرفي ، أنتي دائما تستحقين الأفضل ياحبيبتي .
يعقوب بن راشد السعدي