الجزء السابع والأخير
أفاقت مروة وحين فتحت عينيها ادركت إنها تواجه إنسان غير الذي تزوجها وأحبها ، إنسان تجرد من الإنسانية ولم يبقى لها في قلبه سوى الحقد والإنتقام ، في تلك اللحظة التي كانت الأفكار تدور في ذهن مروة كان سالم يجلس على كرسي التسريحة ينظر إليها بعينين متصلبتين جاحضتين ، لم يكن أمام مروة من الخلاص سوى مخاطبة مشاعر سالم لعله يتجاوب معها وتستطيع الخلاص من قبضته ووثاق حباله ، فهي تدرك أن عقل سالم لم يكن حاضرا ابدا حين قرر يتصرف هكذا ، نظرت نحوه بإبتسامة مصطنعه وقالت له ( حبيبي سالم يهون عليك تسوي فيني كذا .. أنا حبيبتك مروة ) ، اتهمها بالكذب وواجهها بما رأته عيناه ، تفاجأت مروة من كلامة ، قالت له ( وزميلاتي اللي كانن راكبات وراء في الكرسي الخلفي الثلاث ما شفتهن .. أنا ما كنت وحدي معاه .. وهذا المصور زميلنا واقترحوا يطلعوا بسيارتي ) ، لكن سالم حين شاهد مروة والرجل في صحبتها بالسيارة لم يكن لينظر إلى المقعد الخلفي ، فكان تركيزه على ما سقط عليه نظر عينية ، رغم ذلك لم يصدقها سالم ولم يقتنع ابدا بكلامها ، أخبرها بأنها اذا قاومت وأخذت تصرخ سوف يقوم بتخديرها ، لم يكن أمام المسكينة مروة سوى الصبر والتحمل ومعالجة الأمر بطريقة تظمن لها وله عدم الوقوع فيما لا يحمد عقباه ، فهي رهينه لتصرفات سالم الغير متوقعة والتي من الممكن أن تفقدها حياتها .
ضل سالم على هذه الحالة في التعامل مع مروة لمدة ثلاث أيام بلياليها ، مع كل وجبة كان يفك وثاقها ويطعمها ، لكن مروة لم تكن لتتوقف عن بث روح المشاعر والأحاسيس ولواعج الحب لزوجها سالم ، فهي تعلم تماما بأن سالم في حالة بدأ يستخدم الحقن المخدرة لن تكون في أحسن حال ، أقنعته بأنها لن تخرج لا للعمل ولن تترك شقتهما ابدا ، وتكون كما يريد هو ولن تفكر في التصوير وممارسته اطلاقا طالما هو لا يرغب في ذلك ، بدأ سالم يستمع لكنه لا يجيبها ، واتضح عليه بأنه أخذ يتجاوب شيئا فشيء ، بعد مضي اسبوع عاد سالم إلى الشقة وفك وثاق مروة واعطاها لوحة وألوان وفرشاه ، وطلب منها أن تنسى التصوير وترسم له لوحة جميلة تعبر عن حبهما لبعض ، وضعت مروة اللوحة على القوائم وكانت يداها ترتعشان فهي لم تكن في يوم تفكر أن ترسم لوحة فنية ، خاصة بأن اللوحة لابد أن تعبر عن حبها لزوجها وحب زوجها لها ، ما أصعب الموقف الذي وضعها فيه ، لا تستطيع مروة الهرب من الشقة والتواصل مع الجيران فهو كل ما خرج اقفل الباب ، ولا تستطيع أن تخاطر وتصرخ حتى لا يصل الأمر للشرطة ويعرف المجتمع عن قصتهما وتصبح متهمه بالخيانه ، فقد يتعاطف المجتمع مع سالم حين يعلم بما آلة إليه حالته بعد الحادث وقد يصدق روايته عن الخيانة الزوجية ، جاهدت مروة بكل صبر أن تجتاز هذا الموقف الصعب والخطير ، بدأت تضع ألوان متداخله دون وعي ولا إدراك ، كانت ترتعش من الخوف فربما لا تعجب اللوحة سالم ويقوم بربطها على السرير مرة اخرى ، مرت الأيام وبدأت اللوحة تأخذ شكلها المتداخل الغير مفهوم من خطوط الألوان ، لكن سالم لم يعد على طبيعته مطلقاً فطول جلوسه بالشقة لم يكن ليتحدث او يبتسم فقط كان يراقب مروة وهي ترسم اللوحة ، وقف فجأة وأخذ مجموعة من الألوان ودهنها بيده اليمنى ويد مروة اليسرى ثم بصم بهما وجهه اللوحة .
مضى شهر ومروة تعيش في ترقب وقلق من إنقلاب حالة سالم ، في صباح أحد الأيام خرج سالم لعمله ونسى أن يقفل باب الشقة ، راقبته مروة من النافذة حتى شاهدته يركب سيارة الأجرة ، ذهبت لخزانة الملابس واستخرجت حقيبة الوثائق واخذت جواز سفرها وحقيبة ملابسها وخرجت من الشقة على سيارة الأجرة لأقرب مكتب سفريات وحجزت في نفس اليوم رحلة إلى فرنسا ، عاد سالم إلى الشقة ولم يجدها وبحث كثيرا في كل مكان يتوقع فيه أن يجدها ، لم يكن يستطيع الاتصال بالشرطة ، لكنه تأكد بأنها لم تذهب لمركز الشرطة ولو كانت فعلت كان الآن في قبضتهم ، وصلت مروة فرنسا والتقت بأخيها واخبرته عن ما حصل معها ومع زوجها ، قام أخيها واتصل ب سالم واقترح عليه بأن يطلق مروة أو يرفع عليه قضيه ، طلق سالم زوجته مروة وأرسل ورقة طلاقها إلى السفارة الفرنسية بفرنسا ، بعد ثلاثة أشهر عادت مروة على أرض الوطن وقررت فتح معرضها الجديد بمركز عمان للمعارض والمؤتمرات ، كانت كل الصور الفتوغرافية عن فرنسا ، من معالم وعادات وتقاليد ومناظر خلابه وإنسان وحيوان ، أفتتحت المعرض وحضر مجموعة كبيرة من الإعلاميين والصحفيين لتغطية الإفتتاح ، بينما كانت مروة تتنقل بين مرتادي المعرض من جمهورها ، لاحظة فجأة تجمهر الناس والإعلاميين على زاوية من المعرض وحين إقتربت ونظرت نحو اللوحة التي رسمتها في الشقة حين احتجزها سالم بها ، أخذت تبحث في كل مكان بالمعرض عن سالم والتوتر يتصاعد شيئا فشيء والخوف يزداد بها حتى كاد قلبها أن يخرج من صدرها ، تدرك ان سالم هو من وضع اللوحة ، لكنها لم تجده ، كان سالم يراقبها من بعيد خلف أحد الأعمدة والحزن يرتسم على محياه وعيناه غرورقت بالدموع ، غادر سالم المعرض ، تجمع حول مروة مجموعة من الصحفيين والإعلاميين يسألونها عن اللوحة وتضارب الألوان التي بها وما هي الرسالة التي تريد أن توصلها من خلالها للجمهور ، ولماذا أدخلت معرض تصويري في معرض تشكيلي، كل هذه الاسئلة وتلك ادخلتها في صدمة لا تمكنها من معرفة الإجابة والرد على أسألة الصحفيين والإعلاميين ، لكنها نظرت إلى اللوحة مرة أخرى وهي تسترجع شريط حياتها السابقة مع سالم ، ثم نظرت لهم وقالت .. هذه الألوان التي تشاهدونها باللوحة تمثل خطوط سعادة ومعاناة حياتي الماضية .
النهاية
يعقوب بن راشد السعدي