مئات الآلاف من المواطنين واقعين في براثن الدين، بسبب القروض التي حصلوا عليها من البنوك والمؤسسات المصرفية والتمويلية، سواء كانت قروضا سكنية أو استهلاكية أو غير ذلك، لكن المؤكد أن هؤلاء يواجهون الآن- أكثر من أي وقت مضى- معاناة مضاعفة، بسبب الوضع الاقتصادي العام الذي سببته جائحة كورونا والتحديات الاقتصادية الأخرى الناجمة عن تراجع أسعار النفط.
أزعم أن الجميع على دراية وبصيرة تامة بما يحدث في ملف القروض، فهناك متعثرون باتوا غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم البنكية، لأسباب عدة، أبرزها أن البعض خسر وظيفته أو مشروعه، والبعض الآخر، زادت عليه أعباء الحياة بعدما ارتفعت الأسعار، وخاصة أسعار الخدمات وبترول السيارة، ناهيك عن فواتير الكهرباء والمياه. لكن هل أسباب الأزمة تقف عند هذا الحد؟ الإجابة: لا، بالعكس، هناك أسباب أخرى تسبب فيها المقترض نفسه، على رأسها السعي وراء الاقتراض لمجرد الاقتراض. قد يتهمني البعض بالشطط أو التجني على المقترضين، لكنني قلت “بعض” وليس “كُل”، فكيف لي أن أفهم أن هناك شاب أو فتاة في مقتبل العمر، وقد تخرج ثم حصل على فرصة وظيفية في مكان ما، سواء حكومة أو قطاع خاص، فكان أول قرار يتخذه بعد نزول راتبه في البنك، أن يتقدم بطلب الحصول على قرض، لماذا يا بني؟ “أريد اشتري سيارة”!! ولماذا يا ابنتي؟ “أبغى أسوي تقويم أسنان”!!! هكذا قرر شباب لم يضع قدمه الأولى في مشوار الألف ميل، أن يُكبّل نفسه بالديون والقروض، من أجل البهرجة، ولدواعي الزينة والتفاخر. الحقيقة أن هذا الشاب الذي يريد شراء سيارة، لا يفكر بطريقة عملية، فمثلا يشتري سيارة مستعملة بحوالي 800 أو 1000 ريال، كي “يمشي حاله” بها، لكنه يريد “فور ويل”، أو “سيارة سبور” ولو كان قنوعًا سيشتري سيارة 2500 سي سي رقم 1 (الفئة الأولى).
هنا أتساءل باندهاش: أين الحكمة في مثل هذه التصرفات؟ لماذا يغيب عن شبابنا وفتياتنا الأفكار العملية غير المُكلفة، أو على الأقل التي لا تزيد الأعباء؟ وللأسف لا أجدُ إجابة.
أتساءل أيضًا: لماذا يلجأ معظم المقبلين على الزواج على اقتراض عشرات الآلاف من الريالات لبناء مسكن، وهو لم يُكمل عامين في وظيفته؟ لماذا لا يسكن في شقة بالإيجار لفترة معنية، يضمن خلالها تهيئة ظروفه المعيشية، وأيضا الترقي في وظيفته ومن ثم زيادة راتبه، بعد ذلك يبدأ في تحقيق حلم امتلاك المسكن، وهو أمر مشروع وحق لكل إنسان.
لا أريدُ أن يظن البعض أني ضد تمتع الشباب بالرفاهية أو حرمانهم من متع الحياة، التي أحلها الله، لكني آمل منهم ألا يقعوا في براثن القروض في سنوات عمرهم الأولى، لا يجب أن يكونوا عرضة للتعثر وعدم القدرة على الوفاء بالدين، وسداد القرض.
إنني من هذا المنبر، أوجه نداءً صادقًا لكل شاب وفتاة بعدم الانجرار وراء المتع الزائلة والرغبة غير الرشيدة في الاقتراض لمجرد الاقتراض، وأن يعيشوا حياتهم في هدوء وسكنية، غير عابئين بقسط قرض أو سيارة، لن يستطعيوا الالتزام بسداده، وكما نقول في الأمثال “الديْن همٌّ بالليل ومذلة بالنهار”، فلنكن عقلاء رشداء، ونحفظ أنفسنا كي نعيش حياة كريمة.
علي بن بدر البوسعيدي