حلت بالأمس الذكرى الـ30 للغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس/آب عام 1990، والذي كانت له تداعيات لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة العربية، ذكرى لا تزال حاضرة لدى الشعب الكويتي، ألهمتهم وألهمتني العديد من الدروس المستفادة، من أبرزها إعلاء قيم التسامح، وهو ما ظهر في محاولة طي صفحة الماضي ومد يد التعاون مع العراق، والعزيمة والإرادة على تخطي المحن.
هذه الذكرى أليمة على الكويت، وأليمة على الأمتين العربية والإسلامية، رغم أنه لدي شخصياً تحفظ تاريخي على تلك الحقبة لأن لي قراءاتي الخاص بملف الغزو العراقي لبلدي الحبيب الكويت عام (1990)، لعلمي بمقدماته وتبعاته التي استمرت لغاية أيامنا هذه، ومن هذه التبعات مع شديد الأسف، التطبيع مع العدو الصهيوني، تحفظي جاء ليقيني أن ما حدث ما كان لحظة عابرة، عاطفية ووجدانية، سواء مع المؤيدين أو المعارضين، وما حدث للكويت أمر جلل وكبير أكبر من دولة الكويت ذات نفسها، الصغير مساحةً لكن كبير الأخلاق والمواقف المشرفة، فما حدث لبلدي العزيز كارثي، ولست هنا أكتب لأن أعبر عن هذه الحقبة بعاطفة ووجدان أو أتكلم عن الصمود ومن المسؤول وغير ذلك، رغم جسامة وهول ما حدث، لكن قناعتي الراسخة، وأقولها بكل شفافية وصراحة، الكل كان متورطاً بما حدث عام (1990).
وأكرر الكل متورط ولا أعني فقط من تسبب في غزو الكويت، بل من دفع العراق لغزو الكويت، والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت الدافع الرئيسي لحدوث هذا الاصطدام الخليجي – العراقي، وهذا جزء من كل، ومن ضمن التحفظات أيضاً، الأشقاء في العراق والإخوة في الكويت بصورة عامة، نحن أشقاء ومصيرنا واحد، مصير أمة إسلامية وعربية واحدة وهذه حقيقة لا نقاش بها، وشخصياً أنا من أنصار الوحدة الإنسانية والإسلامية أيضاً، وضد الاصطدامات خاصة داخل البيت العربي الواحد، مع أمنيتي أن أجد لدى البعض من سعة الصدر ما يجعله يستخدم المنطق ولغة العقل بعيداً عن التخندق وراء العاطفة التي تكسب الأعداء لا الأصدقاء، هذا الأمر لم أرغب يوماً الخوض فيه، لكن لدواعي المرحلة والضرورة، أجد اليوم نفس مرغماً على التعليق حوله لتسمية الأسماء بمسمياتها، من جهة، ولتكون نصيحة مجانية لمن يضعون غشاوة على أعينهم، علّ النصيحة تنفع معهم من جهة أخرى.
ومن الأمثلة على أن الوضع بات يحتاج إلى رد واضح وصريح، أن البعض ينزعج من كتابة (الغزو العراقي) لماذا؟ هل كان غزواً يابانياً؟ أم صليبياً؟ ألم يكن عراقياً؟ وهل للعراق اسم آخر لا نعلمه؟ يريد هذا البعض منّا أن نقول (الغزو الصدّامي)، وشخصياً أرفض هذا المسمّى جملةً وتفصيلاً، لأن التاريخ هو التاريخ، قرار الغزو كان للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، لكن من غزا الكويت، الجيش العراقي، جيش بلد كبير جداً كان من أقوى الجيوش قبل العام 2003، وهذا مذكور وموثق، اسمه الجيش العراقي أياً كانت تشكيلاته، من البعثيين أو اليساريين أو قوميين، والحقيقة المؤكدة والتي لا تحتمل نقاشاً أيضاً أن هذا الجيش كان مكوناً من كل الطوائف العراقية، فالبعض يريد أن يستغل الأمر من خلال نسب الجيش فقط إلى الطائفة “السنية” الكريمة لأن الرئيس صدام من هذه الطائفة، في حين أن قيادات صدام حسين معظمهم من الطائفة الشيعية الكريمة، فما هو قولكم حول ذلك؟ وهنا لا اتهم أحد بل أقوم بتسمية الأشياء بمسمياتها، ومن المعروف أن أغلب العراقيين هم شيعة، وسنة وباقي الطوائف الكريمة التي نعرف، وأياً كانت طائفتهم، ولائهم بالتالي للمؤسسة العسكرية التي ينتسبون إليها، ولهذا البعض الذي يستخدم نفسه الطائفي في هكذا أمور، يكفي لأن الأمور واضحة وكثيراً.
نحن نقول الغزو العراقي، لأننا شاهدنا بأم العين ما حدث، فلا مزايدات بمسألة واضحة وجلية، ونحن كصامدون أثناء الاحتلال عانينا ما عانيناه من الاجتياح، وحدثت سرقات واغتصاب وسلب ونهب وللممتلكات، ولن أذهب بأمثلة بعيدة، والدي اعتقل مرات عديدة، وعنّف وعذّب وضُرب، وتعرض لأشد أنواع التعذيب، وهذه الصورة ما زالت ماثلة أمامي، وأنا شخصياً تعرض للإهانات والشتائم لسبب واحد أن علم بلدي الحبيب كان يرفرف على سطح منزلنا، وقس على ذلك الكثير، وسقط والدي شهيداً على أرض الكويت الطيبة المباركة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل صدام حسين هو من نفذ حكم الإعدام وبيده أطلق النار؟ أم الفضائيين أم جيوش المريخ هي من فعلت ذلك واستخدمهم صدام لغزو الكويت؟
من غزانا مع شديد الأسف هم أشقائنا العرب المسلمين، وجيراننا، الجيش العراقي الذي كان مكوناً من أكثر من 300 ألف جندي “عراقي”، وعندما أقول الجيش العراقي، أقصد الغزاة منهم، والمخربين والإرهابيين والقتلى والمجرمين منهم بكل مكوناتهم وطوائفهم، ومهما حدث لن أنجر للحديث بطائفية لأنها وبكل صراحة مجرد ذكرها مقيت، فما بالكم الخوض فيها، وأنا مع بلدي ظالماً أو مظلوماً ضد أي غزوٍ كان من أي جهة كانت، ولذاك البعض المنزعج من قولنا الحرب العراقية أو الغزو العراقي للكويت، وهنا سؤال من الواقع نفسه، حرب الثمان سنوات، الحرب الإيرانية – العراقية، لماذا لا يُطلق عليها اسم (الحرب الصدّامية – الخمينية)؟ أليس صدام هو من افتعل هذه الحرب بحسب قولكم؟ لكن اسمها بحسب الأدبيات السياسية سواء في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو أي مكان آخر هكذا اسمها، فهل نغير الواقع إرضاءً لهذا البعض الذي لا يفقه ألف باء البروتوكولات والمسميات التي تتعلق بهذا الجانب.
أيضاً، يقول البعض أن الكويت إلى الآن ما زالت تطالب بالتعويضات من العراق بعد الغزو العراقي، ويقولون لا علاقة لنا بهذا الأمر، إنه أمر قام به نظام صدام حسين، هذا الواقع أيضاً تتعامل به إيران وطالبت العراق بالتعويض عن حرب الثماني سنوات، فلماذا حرام على الكويت وحلال على إيران، وهذه إشكالية كبيرة لدى البعض خاصة من الإعلاميين والسياسيين من الاشقاء العراقيين كل عام يكررون هذا الأمر، وهذا ومع شديد الأسف يدلل على أن هناك ثقافة طائفية معشعشة على عقول البعض الذي لا يستطيع رؤية هذه الأشياء بمنظار صحيح، وسليم، فهل من عاقل يستطيع أن يتجاوز التاريخ لأن في تجاوزه شرخ كبير، ففي الكويت لا يزال إلى هذه اللحظة هناك مفقودين ولا زلنا بين فترةٍ وأخرى، نأتي برُفاة أبناء الكويت، وقبل أشهر قليلة تم دفن شهداء حصلنا عليهم في مقابر الناصرية وبر السماوة على مقربة من النجف الاشرف، وإلى الآن ليس من بيت إلا وفيه شهيد أو أسير أو مفقود، فالحساسية اليوم لا تجر إلا الفرقة، خاصة وأن هذا الكلام وقائع لا تقبل النقاش.
هذا تاريخ ومن حقنا أن نحييه ونتذكره، ورغم أني مع بلدي قلباً وقالباً، لكن أحمّل حكومة بلدي في عام (1990) المسؤولية وكذلك نظام صدام حسين، وأحمّل المسؤولية لكل عراقي ارتكب جريمة بحق الكويت وشعبها أثناء الغزو هو مسؤول.
وإذا كان الجيش العراقي غير مسؤول عما حدث عام (1990)، ولم يقم بجرائم، بل نظام صدام حسين من جيشه الصدّامي كما يقولون، فلماذا تحاكمون رموز النظام العراقي السابق والجيش العراقي وقمتم بإعدام سلطان هاشم وزير الدفاع العراقي، وقمتم باعتقال ضباط الحرس الجمهوري ورئيس الجمهورية وكل أركان النظام السابق؟
لا أريد النبش بالماضي وفتح الدفاتر القديمة، ولا رغبة لي بذلك، لكن لكل مقامٍ مقال، ويجب عدم السكوت على الخطأ، سواء كانت الحقيقة جارحة أم مؤلمة لا بد من قولها، لكن إن لم أتناول الموضوع بشكله الموسع هنا، لكن سأكتب كتاباً كاملاً عن تبعات هذا الموضوع وارتداداته مستقبلاً، وبالنسبة لي لا أجد أن مسألة الغزو هي صدامية، بل هي بالمقام الأولى حرب مصالح دولية للاستحواذ على الشرق الأوسط والخليج والعراق للسيطرة على النفط والثروات لأن من يتحكم بهذه الدول هو حاكم العالم، ورأينا كيف أتت الحرب العراقية بتبعات خطيرة إلى المنطقة لعل أبرز دليل على ذلك هو القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة، فمن يريد التكلم بصراحة فليعترف بكل من أخطأ لا أن يحمّل واحداً من بين عشرات المخطئين.
وعليه إن الغزو العراقي يعني صدام حسين كرئيس للعراق ووزير الدفاع وكل المؤسسة العراقية بكل هيئاتها وجيشها وعناصرها وضباطها التي شاركت في هذا الفعل الشائن، وكلهم اسمهم (الغزو العراقي) سواء قبلت أم لم تقبل، تلك هي الحقيقة.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان