حركات التحرر الوطنية من الإرث الإنساني العالمي تمثل أعظم المشاريع الوطنية من أجل تحقيق حرية الأوطان والشعوب من نير الاستعمار. وقد أقرت الأمم المتحدة في المادة (٥١) من ميثاقها حق الدفاع عن النفس بكافة الوسائل السلمية والقوة المسلحة، وهناك نماذج مشرفة لحركات التحرر الوطنية في التاريخ، نذكر منها ـ على سبيل المثال ـ حركة التحرير الكوبية والفيتنامية والجزائرية والفلسطينية وغيرها من حركات التحرير في العالم. وعندما نتحدث عن هذه الحركات فذلك ليس استهلاكا للفكرة وإنما لتذكير الأجيال والشعوب بحركات التحرر الوطنية التي ناضلت من أجل أوطانها وشعوبها، وقد تشكلت حركات التحرر وقامت لأسباب استعمارية وفرض الأمر الواقع على دول وشعوب، فكان لا بُدَّ من النضال في سبيل التحرير.
النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية أفرز قوى عالمية جديدة وانبثقت منها منظمة دولية تمثلت في هيئة الأمم المتحدة، ورغم اضطلاع الهيئة الدولية بمسؤولياتها في أحيان متعددة، وغياب دورها المأمول في أحيان أخرى، إلا أنها لم تستطع كبح جماح القوى العالمية التي استخدمت قوتها خارج الشرعية الدولية، فحدثت تجاوزات متعددة وضعت النظام العالمي على المحك. ورغم وجود نظام الثنائية القطبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى تفكك الاتحاد السوفيتي في عام ١٩٩١م، إلا أن هذه الصيغة الدولية لم تتمكن أيضا من الحفاظ على التوازن المطلوب في سبيل تحقيق الأمن والسلم الدوليين، بل غرقت هذه القوى في أوحال الاستخدام غير المشروع للقوة في سبيل تحقيق أجندتها ومصالحها الخاصة على حساب الدول والشعوب الأخرى، فكان لا بُدَّ من ظهور حركات التحرر الوطنية لمقاومة هذا التغوُّل الاستعماري.
ما نراه على أرض الواقع اليوم يؤكد لأبناء الأمة أن كل نجاح يتحقق لحركات المقاومة والتحرر الوطنية يضعنا نحن العرب أمام قضيتنا الرئيسية القضية الفلسطينية التي ناضل من أجلها الآباء والأجداد منذ بداية الانتداب على فلسطين، وقدمت سجلات مشرفة في تاريخ النضال العربي منذ ثورة العشرين، مرورا بثورة عام ٣٥/١٩٣٦م التي قدمت قائمة كبيرة من الشهداء على رأسها الشهيد عز الدين القسام الذي يمثِّل أحد أبرز رموز الحراك التحرري الوطني في فلسطين. وبعد الاحتلال الصهيوني عام ١٩٤٨م نشب عدد من الحروب العربية الصهيونية لم تستطع تحقيق التحرير، بعدها غاصت القضية في مستنقعات أوسلو وغيرها من المفاوضات التي لم تجنِ منها القضية الفلسطينية سوى التراجع. ومع بداية الألفية الثالثة حدث تحوُّل لافت في تاريخ النضال العربي الفلسطيني، بعدما أدرك أبناء الشعب الفلسطيني أن التحرير لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مشروع مقاومة حقيقي يعتمد على الذات الفلسطينية، فأخذت حركة النضال والتحرر الوطنية الفلسطينية شكلا مختلفا بعد انسحاب كيان الاحتلال من قطاع غزة، فكانت غزة هي القاعدة التي انطلقت منها حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وتمددت لتشمل عموم فلسطين عبر مختلف فصائل المقاومة التي قدمت دروسا خلال المواجهات مع العدو منذ انتفاضة الحجارة مرورا بانتفاضة الأقصى، وما تلاهما من عدوان صهيوني على غزة عامي ٢٠٠٨ـ٢٠٠٩م، وعامي ٢٠١٢ ـ ٢٠١٤م، لتأتي معركة سيف القدس الأخيرة معلنة أن الطريق نحو تحرير فلسطين قد اقترب، وأن الوعد الإلهي سيتحقق قريبا بعون الله.
معركة سيف القدس كانت أسطورة من أساطير النضال الفلسطيني، وما تقدمه حركة التحرر الوطني الفلسطيني من خلال قيادات حماس والجهاد وفتح وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب أبو علي مصطفى والجبهة الشعبية وباقي فصائل المقاومة تؤكد أن طريق التحرير ممهد نحو الهدف المنشود، كما أن اشتراك عموم فلسطين في حركة التحرير الوطنية والتقدم النوعي والتقني للمقاومة الفلسطينية شكل عناصر إضافية متقدمة أفشلت القبة الحديدية الإسرائيلية، وافشلت أسطورة الأمن الإسرائيلي، هذه كلها مؤشرات أن الوعد الإلهي قد اقترب باكتمال عناصره وأسبابه. واليوم نقول قررت المقاومة، وغدا سوف نهتف الله أكبر صدق وعده وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لذا فإن مشاعر أبناء الأمة تستمد من كل حركة تحرير وطنية الأمل في إنجاز هذا المشروع الفلسطيني العظيم، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
خميس بن عبيد القطيطي