ازدهرت قبل الميلاد وضمت آثاراً ومقتنيات من حضارات الرافدين والفراعنة
ـ ولاية دبا مثلت بوابة عبرت من خلالها حضارات الشرق الى شبه الجزيرة العربية
بخاء – أحمد بن خليفة الشحي :
تعتبر المواقع الأثرية من أهم الدلائل على قدم الاستيطان البشري ونوع التجمع المدني الذي يوجد في الموقع من خلال المقتنيات والآثار الموجودة فيه والصدفة هي التي قادت المواطن عمر بن علي الفحل الشحي من ولاية دبا للكشف عن واحد من أهم المواقع الأثرية حيث تم اكتشاف موقع سيح الدير الأثري في ولاية دبا في عام 2012م .
كشف أثري
عمان التقت المواطن عمر بن علي الفحل الشحي أحد المهتمين بالتاريخ والمكتشفات الأثرية وحاورته حول هذا الموقع الأثري ومجريات اكتشافه حيث قال بينما كنت في طريقي لممارسة الرياضة في نادي دبا الرياضي عام 2012 م دفعني الفضول إلى إلقاء نظرة على أعمال حفر تقوم بها شركة مقاولات في داخل نادي دبا لإنشاء مبنى وكوني لدي اهتمام بالآثار ، ودائما ما كان يلازمني شعور بأنني في يوم من الأيام سوف أعثر على موقع أثري بولايتي دبا كونها تزخر بسجل تاريخي عظيم فقد عثرت على حجارة مستديرة كبيرة على تل رملي مستخرج من الحفرة ومباشرة نزلت الحفرة .
وسألت مهندس المشروع من أين استُخرجت تلك الحجارة فقال لي من وسط الحفرة ، فجلست أنبّش في مساحة الحفرة وفي التل الرملي فكانت المفاجأة أني عثرت على آنية معدنية من البرونز وعلى قطع فخارية وقطع من العاج وبعض رؤوس الأسهم البرونزية ، فأبلغت الجهات المعنية والمختصة عن هذا الاكتشاف العظيم وسلمتهم القطع التي عثرت عليها وباشروا فورا في اتخاذ العمل اللازم ولأهمية هذا الاكتشاف تم الحفاظ عليه وصونه، وقد حظيت بتكريم سام من قبل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد عندما كان وزيراً للتراث والثقافة في أبريل 2013م وذلك على اكتشافي للموقع وتصرفي المسؤول في حماية الموقع .
اهتمام حكومي
ويضيف عمر الفحل عندما أبلغت الجهات المختصة بهذا الاكتشاف باشرت وزارة التراث عملها على وجه السرعة وأرسلت مختصين للموقع ثم باشروا فوراً بعملهم لحماية الموقع والتنقيب عنه ، وبعد ذلك بفترة قامت الوزارة بإرسال بعثة إيطالية من جامعة روما للتنقيب عن الموقع وأيضاً قامت وزارة التراث بعمل سياج حماية للموقع وعينت حارس أمن لحماية الموقع ، وتقوم هذه البعثة بعمل التنقيب سنوياً على الموقع من بداية اكتشافه إلى أن توقفت بسبب جائحة كورونا حسب اعتقادي حيث أثبتت أعمال التنقيب بأن المقتنيات المكتشفة تعود إلى حقبة العصر الحديدي 1300-300 قبل الميلاد أي عندما كانت مملكة مجان في أوجه ازدهارها الاقتصادي والحضاري مع حضارات بلاد الرافدين وحضارة عيلام و ملوخا وحضارة الفراعنة بمصر وحضارة الهند .
مكتشفات نادرة
وحول أهم المكتشفات التي عثر عليها في الموقع يقول عمر الفحل إن موقع سيح الدير بولاية دبا عبارة عن مستوطنة من المدافن الأثرية تحت الأرض تم الكشف عن عدة قبور بالموقع ومن أهمها قبر مستطيل يبلغ طوله 14.75 متر وعرضه 3.5 متر ، وقد بني هذا القبر بحجارة محلية من جبال دبا وبعض الحجارة الجيرية منقوش على أحدها كف يد وأيضاً تم العثور على قبر لا يقل أهمية عن القبر الأول قريب من مساحته عثر داخل كلاهما بقايا عظام بشرية وحيوانية وقطع أثرية من الحجر الصابوني والفخار الأحمر عليهما رسوم ونقوش صخرية متنوعة والكثير من البرونز كالخناجر والفؤوس والأساور والرماح ورؤوس السهام وأواني وميداليات ، وعلى مجوهرات من ذهب وأحجار كريمة ، ومن أبرز المكتشفات الأثرية التي عثر عليها حجر لقلادة كتب عليها بالكتابة المسمارية وهي أول كتابة يعثر عليها في سلطنة عمان وشكل الحجر على هيئة العين ونقش عليها كلمة ( دي – جو – لا ) وهو اسم لإله الشفاء في حضارة بلاد الرافدين وأيضاً تم العثور على تميمة من الحضارة الفرعونية بمصر يعثر عليها لأول مرة بشبه الجزيرة العربية وتعرف التميمة (( عين حورس )) وترمز في الحضارة الفرعونية بمصر إلى الحماية والقوة الملكية والصحة الجيدة وعثر أيضا على حجر صابوني نقش عليه مائدة يجلس عليها إله الحكمة عند الفراعنة ماعت ونظيره الأنثوي تحوت .
ثراء حضاري
وتابع عمر الفحل قائلا لقد أوضح رئيس البعثة الإيطالية الدكتور فرانسيسكو جنشي بأن هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات الأثرية في سلطنة عمان وشبه الجزيرة العربية وهذا يدل على أن دبا كانت في تلك الحقبة من التاريخ البوابة الرئيسية التي تربط حضارات الشرق بشبه الجزيرة العربية ، وأوضح أيضاً أن تنوع القطع الأثرية ووجود الذهب والأحجار الكريمة وكثرة تنوع النقوش والرسومات على الأواني الصابونية والفخار المزجج كل هذا يدل على ثراء دبا وسكان المنطقة .
ويعطي هذا الاكتشاف أهمية دبا كعاصمة لمملكة مجان والحضارة الاقتصادية المهمة لديها في تلك الحقبة من التاريخ ويستطرد عمر الفحل في حديثه مشيرا إلى أن نتائج هذا الاكتشاف قدّم دليل مهم وقوي على أن دبا كانت تلعب دورا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ودينيا مهما في فترة ما قبل الميلاد وأنها أرض مقدسة ذات أهمية رئيسية عند الحضارات المحيطة بها مشيدا بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة التراث والسياحة والجهود الكبيرة التي تبذلها للتنقيب عن هذه المدافن والكثير من اللقى التي استخرجت من هذه المدافن وجدت طريقها إلى المتحف الوطني بمسقط .
آثار خالدة
ووقع مكتب وزير الدولة ومحافظ مسندم مع شركة (أوكيو) على مذكرة لتمويل إنشاء مشروع مركز الزوار بموقع سيح الدير الأثري للحفاظ على المقتنيات والأدوات الأثرية التي تم العثور عليها في بعض القبور الأثرية .
هذا وتعد ولاية دبا من الولايات العريقة التي تمتلك تاريخا حافلا وموغلا في القدم باعتبارها منفذا بين حضارات الشرق والغرب وسوقا وميناء للواردات من البضائع الأجنبية والصادرات من البضائع العربية وليس أدل على ذلك من مينائها العريق وسوقها التاريخي المشهور بسوق دبا إلى جانب العديد من الآثار التاريخية الباقية والخالدة كحصنها المبني ما قبل القرن السادس عشر ومقبرة أمير الجيوش الأثرية الموجودة فيها كل ذلك يجعل من ولاية دبا قبلة لمن يعشق دراسة التاريخ والكشف عن أسراره .