إعداد: د. محسن الكندي
المؤرخون الأوائل من أساتذة الجامعات العراقية اهتموا مبكرا بتاريخ عُمان وحضارتها في كتب ودراسات ومؤلفات ذات جودة
من الرسائلِ الأكاديميةِ القديمة القيّمة التي وقعت بيدي منذ فترةٍ تناهز الثلاثين عاما رسالة «التطورات السياسية في عمان وعلاقاتها الخارجية (1913 -1932)» للباحث العراقي خليل إبراهيم صالح المشهداني، فقد أهداني نسخة منها المؤرخ البحريني الدكتور سعيد هاشم خليل أستاذ التاريخ المعاصر إبان تلمذتي عليه في الثمانينات من القرن العشرين بجامعة البحرين. فهذا الأستاذ القدير كان يدفع بنا نحو القراءات المعمقة والتثقيف الذاتي ومعرفة جديد الكتابات والإصدارات الأكاديمية ونحن في مراحل تفكيرنا الأولى طلابا في السنوات الجامعية الأولى، ويطلب منا تلخيصها وقراءتها وإبداء الرأي فيها رغم قصور باعنا وقلة معرفتنا.
تقعُ هذه الرسالةُ ضمن الكتابات العُمانية المبكرة بأقلام عربية وقد كتبت في جامعة عريقة وفي قسم أخصب تاريخ المنطقة الخليجية بأطروحات وكتابات مهمة نهلت منها عقول فكرية متوالية وأفادت أجيالا من مؤرخي الخليج ومثقفيه، فلم يتجاوز عنوانها قوائم المراجع التاريخية
تبلغُ صفحاتُ هذه الرسالة مائة وثمانين ، وهي حسبما أعلم – ما زالت مخطوطة لم تر النور وأصلها أطروحة ماجستير قدّمت إلى مجلس كلية الآداب في جامعة بغداد في ديسمبر من عام 1986م بإشراف المؤرخ العراقي الكبير الدكتور صالح محمد العابد، وتأتي هذه الرسالة لتؤصل التاريخ العُماني في فترة مهمة من فتراته الحديثة، ولتكون تكملةً لرسائل سبقتها تناولت الحقب الزمنية السابقة واللاحقة لها على نحو ما رأينا في رسالة الباحث السعودي عبدالعزيز الجوير «التطور السياسي لسلطنة مسقط وعُمان من الانقسام حتى الحماية (1861 -1891) التي قّدمت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود في أكتوبر من عام 1986م.
تتحددُ مركزية الرسالة وقالب خطابها – كما يقول الباحث – ص 1: «في إلقاء الضوء على واقع الصراع بين الإمامة المتأخرة ومنهجها في حكم البلاد، ورفضها للتسلط الأجنبي التي عليه في مسار حكمها وبخاصة البريطاني».
وكشأنِ الرسائل الأكاديمية يُقيمُ المشهداني رسالته على 4 فصول، ومقدمة، وخاتمة، وملاحق وثبتٍ بالمصادر والمراجع، مع فهارس، بالأمكنة والأعلام وملاحق ضمت قوائم بأسماء الوكلاء السياسيين والقناصل البريطانيين في مسقط وعددهم 66 قنصلا ووكيلا، كما حوت الملاحق على نصوص اتفاقيات ووثائق معاهدات ورسائل حكام وهي تمثل لبنة من لبنات البحث التاريخي.
تناول الباحث في فصله الأول: أوضاع عُمان في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وكانت له وقفات تمهيدية لحراك التاريخ في الفترة السابقة لدراسته؛ إذ استعرض الخصائص الجغرافية والاجتماعية في القطر العُماني، وأثر العقيدة الإباضية وطبيعة التركيب القبلي في صناعة تاريخه وأشار إلى الخلفيات التي وضعت تاريخ عمان في مصاف تواريخ المنطقة انطلاقا من مكانة عُمان التي كانت ذات يوم أكبر دول المنطقة قوة وأهمية.
كما تناول في هذا الفصل الحقبة الأولى من حكم الأسرة البوسعيدية بدءًا من وصولها إلى سُدَّة الحكم على يد المُؤسس الإمام أحمد بن سعيد وانتهاء بالسلطان تيمور الذي تقف الدراسة عند فترة حكمه، وبين هذين الحكمين أو الحاكمين سرد لتفاصيل اقتصادية وسياسية وقعت في القطر العُماني ولاسيّما بعد فصل مسقط عن زنجبار عام 1861 م «وما أصاب عُمان من تدهور اقتصادي وتزايد للنفوذ البريطاني» إضافة إلى التنافس الأجنبي عليها جراء مكانتها الاستراتيجية وعمقها التاريخي، وخاصة بين الفرنسيين والإنجليز في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كما يقول الباحث ص (2) .
والفصل الثاني خصَّصَه لإحياء الإمامة وبعثها وانتخاب الإمام سالم بن راشد الخروصي في مارس 1913 م، ثم تتبع دوره السياسي والعسكري الداخلي من خلال ما تسميه الأدبيات العمانية تجوزاً «بفتوحاته» وهو في الحقيقة ليس إلا إخضاعا عسكريا للمناطق الخارجة عن سدّة حكمه، وليس فيها من مفهوم المصطلح شيء سوى استيحاء مسحة الدينية وإضفاء فكرة الدولة الإسلامية عليها، كما تتناول في هذا الفصل صراعات الإمام الخروصي مع السلطان تيمور ويختمه بالحرب العالمية الأولى وأثرها على السياسية البريطانية في عُمان.
أمّا الفصل الثالث: وهو لُبَّ الرسالةِ وجوهرها، وفيه يستعرضُ الباحث باستفاضةٍ موضوع صراع الإمامة والسلطنة وموقف بريطانيا منه، وينتهي عرضه بشرح تفاصيل اتفاقية السيب الشهيرة 1920وبنودها وما آلت إليه الأوضاع الداخلية في عُمان بأسرها.
كما يعقدُ مباحث لما جرى قبيل توقيعها من تجاذبات وما نجم عنها من مداولات، ويركز كثيراً على ما دار فيها من نقاشات قبلية وسياسية وصولا إلى توقيعها، وفي هذا الفصل قراءة أفقية لمشهد حكم الإمام المنتخب سالم بن راشد الخروصي في 23 يوليو 1920م. وانتخاب الإمام محمد بن عبدالله الخليلي خلفاً له وقد وصفه بأنه أكثر ليونة في تقبل الحلول السياسية التي أدَّت إلى اتفاقية السيب المذكورة. ولم ينس الباحث تجلية الحقائق التاريخية بوثائق حول تصاعد عمليات الإمامة ووصولها أبواب مطرح والمواقف البريطانية في إنقاذها من السقوط، وكل ذلك في قراءة سردية تحليلية مكثفة مدعَّمة بالوثائق والأدلة التاريخية المستنبطة من مصادر تاريخية ذات أهمية.
والفصل الرابع يعقده الباحث لتطور الأوضاع الداخلية في مسقط وعُمان في الفترة التي أعقبت معاهدة السيب وحتى عام 1932 وهو العام الذي تولى فيه السلطان سعيد بن تيمور مقاليد الحكم في حكومة سلطنة مسقط، والإمام محمد بن عبدالله الخليلي في نزوى، ويستعرضُ فيه مجملَ الأحداث الفارقة المثيرة في التاريخ السياسي الحديث كتشكيل مجلس الوزراء في حكومة مسقط ومواقف القبائل العمانية من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والأزمة الاقتصادية التي عصفت بعمان، وكيفية إدارة الإمامة للمناطق الواقعة في حوزتها.
وكعادة الأطروحات الأكاديمية يقفُ قلم كتابها بداية في حيرة واهتزاز متأثرين بضوابط المنهج وسلطته، لهذا لا بدَّ له من تحديد مصطلحاته وتعريفها وقراءة مصادره ومراجعه والنظر في مقدار الإضافة العلمية ووضع مختصرات لما يريد الإتيان به بغية إحكام المنهج وضبط المصطلح، ثم تناول الموضع، أو أليست الدراسات الأكاديمية سوى منهج ومصطلح؟ ينطلق الباحث في رسالته من دوافع وطنية مفادها التاريخ المشابهة والمثيل؛ إذ يتراءى له تاريخ عُمان في هذه الفترة الفارقة بمثيله العراقي، فقد كسته دماء الحرية التي عبر مؤسسات حكم توالت سراعاً وأريقت من أجلها دماء الحرية، واتكأت على فكرة النضال والجهاد وبناء الدولة الوطنية؛ لهذا يبدأ كتابه بإهداء «يقدّمه إلى بلده العراق بلغة حميمية شفيفة مستوحيا نضالها» قائلاً «إلى كل قطرة دم نزفت دفاعاً عن أرض العراق العظيم.. إلى الأكرم منَّا جميعاً..».
وتبرز دوافع كتابته واختياره لهذا الموضوع إلى عوامل من بينها: عوامل خاصة تكمن في رغبة ارتياد الباحث لموضوع لم يكتب عنه من قبل بغية تقديمه سبقاً تاريخيا وامتيازا معرفيًّا، وأيضاً لعوامل قومية تؤول إلى اهتمام جامعة بغداد في استكمال بحث ودراسة تاريخ الخليج العربي لما يمثله من مكانة مهمة في مستقبل العلاقات الدولية .
ورغم أن هذه الرسالة اتبعت المنهج العلمي في كثير من مباحثها إلا أن حظَّها من الإضافة الموضوعية قليل، فلم يكشف لنا الباحث عن جديد المعلومات المتوفرة في المدونة التاريخية العُمانية، بل أعاد ما ورد في المصادر المراجع وأطَّرها وصنَّفها وقدَّمها بتركيز وبقراءة موضوعية مستفيداً من الخبرة العلمية والدرس الجامعي الذين منحهما إياه أستاذه المشرف استنادا على المصادر العمانية، فنحن لا نعدم الحكم بالقول لو وصفناه أنه لم يضف على ما قدّمه المؤرخ محمد بن عبدالله السَّالمي في كتابه «نهضة الأعيان بحرية عُمان» وهو مرجعٌ اعتمد عليه ووثقه كثيراً، كما لم يضف جديداً على ما ذكرته المصادر الوثائقية الغربية التي قرأها وأبان عنها وخاصة موسوعة الوثائق البريطانية التي يقول عنها ص ( 6): «إنها أغنت معظم فصول الكتاب» كذلك من الرسائل العلمية التي قدمت في بعض الجامعات، ومن الكتب والتقارير التي كتبها الغربيون من مثل البروفسور جون كيلي «فقد أغنت موضوعها بدقة المعلومة ووضوح الفكرة رغم أننا لا نرى فيها سوى إيضاح للرؤية الاستعمارية للمنطقة الخليجية بأسرها.
ومن الكتب العُمانية التي اعتمدها الباحث كمراجع كتاب الشيبة محمد السّالمي «نهضة الأعيان بحرية عُمان «الصادر في القاهرة 1961، وقد ذكر الباحث باختصار مدى استفادته منه وأرجع أهميته ص 8» إلى كون مؤلفه من المشاركين والمتصلين بشكل مباشر بأحداث الثورة «وأنه يمثل وجهة النظر الإباضية في كتابة التاريخ وهي فكرة أكدت عليها بعض الدراسات العربية التي تناولت التاريخ العُماني على نحو ما رأينا في كتاب الباحث السعودي عبد العزيز الجوير، ولا ندري أيهما تأثر في هذا الحكم بالآخر، أم أنه توارد للخواطر والأفكار دون تأثر.
ومن المراجع التي اعتمد عليها بكثرة في هذه الرسالة كتاب «شركة الزيت العربية الأمريكية: عُمان والساحل الجنوبي للخليج العربي، الصادر في القاهرة سنة 1953م، وهو كتاب يراه الباحث ص (8) «يمثل وجهة النظر السعودية في الصراع على واحة البريمي».
ولم ينس الباحث المشهداني الاستعانة بالأدبيات السياسية المختصة بأزمة عُمان في أروقة المنظمات الدولية، فهو يرد في مراجعه كتاب «مسألة عُمان» وهو نص التقرير الذي أعدته اللجنة المعنية بعُمان التي كونتها الجمعية العامة للأمم المتحدة إثر انعقاد الدورة العامة سنة 1966م، فهذا التقرير يراه الباحث ص 8 « حصيلة جهود مشتركة لمجموعة باحثين كلفتهم الهيئة العامة للأمم المتحدة لتقصي الحقائق ودراسة الأوضاع في فترة الصراع السياسي والعسكري بين الإمامة المتأخرة وسلطنة مسقط» .
ومن المراجع العربية التي ترد في قائمة مصادر هذه الأطروحة بكثرة كتاب المؤرخ الكبير الدكتور «جمال زكريا قاسم» الخليج العربي: دراسة لتاريخ الإمارات العربية» وهو يمثل – كما يراه الباحث – وجهة النظر العربية في موضوع عُمان، ويصفه بأنه: « من الدراسات الجادَّة التي اهتمت بالتطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الخليج ويزيد من قيمتها الوثائق التي اعتمدها في تدوين الأحداث» ومقاربتها لتكوين نتيجة تاريخية جديدة.
وعدا هذه الدراسات لم يضف صاحب الرسالة مراجع جديدة في ثبته فبدا باهتا بمقياس ما أنجز فيما بعد من مادة مرجعية، بل كرر ما هو معروف ومتداول، ولكنها بالنسبة لتاريخ تقديم الرسالة تمثل إضافة مرجعية في غاية الأهمية ، فالرسالة تنطوي على ذكر مراجع غربية وعربية وعُمانية كثيرة وذكر رسالة «ماجستير» نعدّه كشفا مهما في تاريخ عُمان ألا وهي « عمان وسياسة نادر شاه التوسعية » للباحث عدنان هدير جودة، وقد قُدّمت إلى جامعة بغداد سنة 1983م، وحري بهذه الرسالة أن ترى النور أو أن تستقطب في مقتنيات الجامعات العمانية وأقسام التاريخ فيها.
وأكثر ما اعتمدَ عليه الباحثُ بعض الكتب العُمانية التي صدرت في القاهرة بجهود قامت بها مكاتب الإمامة في الستينات، وأيضا تراجم محمد أمين عبد الله، وبعض الكتيبات التي أصدرتها وزارة التراث القومي والثقافة في عُمان في طالع الثمانينات من القرن العشرين، ويحضرني مما ذكرت كتاب المسألة العُمانية لإسماعيل البوهلال الصادر في بغداد، وكتاب «الخليج العربي والعلاقات الدولية» للمؤرخ محمود علي الداؤود الصادر في القاهرة 1961 وكتاب عبدالرحمن عبدالكريم العاني» عُمان في العصور الإسلامية الأولى» الصادر في بغداد 1977، وكتاب خالد يحيى العزي « الواقع التاريخي والحضاري لسلطنة عُمان» الصادر في بغداد 1986 ، وكتاب « سلطنة الظلام في مسقط وعُمان » لعوني مصطفى الصادر في بيروت 1964، وكتاب فاروق عمر فوزي « مقدمة في دراسة مصادر التاريخ العماني » ، الصادر في بغداد 1979م .
كما تحضرني بعض الكتب الأجنبية والمترجمة التي أسهب الباحث في رصدها في حوالي 5 صفحات كاملة لتمثل في الحقيقة مدونة للدراسات العمانية وحري بمراكز البحوث وهيئات الوثائق المحفوظات العُمانية استقطابها ووضعها في متناول الدارسين مهما كانت وجهات النظر التي تحملها.
إن هذه المصادر والمراجع تدلُّ دلالة كافية على اهتمام الباحثين العراقيين والعرب بالتاريخ العُماني وتقدم رؤى علمية ذات صلة التاريخ والحضارة بما كرسته عمان من حضور يعكس قيمتها الحضارية المشرقة ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
ومن اللافت للنظر في هذه الرسالة لغتها الدقيقة وأسلوب كاتبها المتسلسل في عرض حقائق التاريخ وسردها بما يوافق الأحداث والأزمنة التي وقعت فيها، وكانت له وقفات تفصيلية متأنية ومركزة تُبينُ عن شخصيته العلمية واستيعابه لحركة التاريخ العماني في مراحله وحقبه: الحديث والقديم والوسيط، ومحاولة الربط بين هذه الحقب في عملية تسفير وتحقيق وغربلة للأحداث واتخاذها قائمة لمرجعيات تعين الباحثين وتسعفهم في دراساتهم المركزة على بؤر ومؤثرات لها قدرٌ كبيرٌ في صناعة مجريات الحدث وتجلية وقائع الأحداث ومقاربتها.
هذا وقد توصل الباحث إلى نتائج مهمة في هذه الرسالة نقدّمها اختصاراً – من نص خاتمتها – على النحو الآتي:
– أن الأوضاع السياسية والاقتصادية قبيل الفترة المدروسة أي خلال عهد السلطان فيصل (1888-1913) بلغت حدّاً من التدهور والركود بفعل ركود النشاط الملاحي والحركة التجارية.
– حقق الإمام المنتخب سالم بن راشد الخروصي بدعم القبائل العمانية جملة من الانتصارات وسيطر على مدن كثيرة من مدن الداخل، مما جعله يثق في قدراته التي أكسبته تشددا في الموقف السياسي وقبول المفاوضات والابتعاد عن الاتفاقيات المبرمة لاعتبارات دينية منبعها النظرة إلى النفوذ البريطاني باعتباره دخيلا.
– سيادة الخلافات بين الإمامة والسلطنة وقيامها على نظام حكم متباين واختلاف وجهات النظر تجاه الوجود البريطاني في عُمان بأسره.
– تعدُّ اتفاقية السيب أهم أحداث التاريخ العُماني المعاصر في الفترة المدروسة لكونها جعلت عُمان منقسمة إلى منطقة ساحلية يحكمها السلطان الواقع تحت النفوذ البريطاني وأخرى داخلية يحكمها الإمام ومستظلة بمظلة دينية عقدية إباضية صرفة.
وأخيراً تظل رسالة خليل المشهداني واحدة من الدراسات الأكاديمية التي عرَّفت بالتاريخ العُماني وأوجدت له مناخاً تعليميًّا في أروقة الجامعات العربية، وكانت نظرته طموحة تجاه حقل بحثي لم يطرق كثيراً في الدراسات الأكاديمية وحسبُه أن قدم كتابا له أهميته وقيمته في فترة كتابته وما بعدها وهو كما أراد (ص 152)» أسهم في إضاءة أحداث وقعت في جزء من الوطن العربي حين احتدم الصراع بين القوى الاستعمارية بغية تمزيقه وتجزئته والسيطرة عليه « فأنّى لهم ذلك »!
إن هذه الرسالة الرائدة كَسَرتْ حاجز العزلة الأكاديمية بالتفاتتها لتاريخ عُمان، وقدَّمت قراءة مبكرة تحسب لها منهجيتها واحتواؤها على معلومات جديدة في ذلك الوقت، وقد عرَّفت الباحثين بتاريخ عُمان، بل فتحت لهم الباب وأدخلتهم في هذا الحقل الأثيري الخصب، فأوجدت باحثين بعدها يدينون لها بفضل الكشف والاستدلال المبكر؛ وهما مسلكان حميدان في مسار العلم والمعرفة.. ولا غرو في ذلك فتاريخ عُمان «أصيلٌ متجذّر» ولمَّاع كما حدثني بذلك أستاذنا المؤرخ فاروق عمر فوزي عن مدى إعجاب المؤرخين العراقيين به فهو يلّبي في نفوسهم شغف ارتياد الآفاق المجهولة مدفوعين بحسّ عربي قومي يتناغم مع السياسة المتوهجة وأطروحاتها في ذلك الوقت الفارق.