د. هلال الحجري: شغلت ظفار علماء آثار وجيولوجيين وعلماء فضاء أثبتوا أن المستوطنة تعود إلى 4000 عام قبل الميلاد
أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء – فرع ظفار أمسية افتراضية عبر المنصات الاجتماعية تناولت صورة ظفار في الأدب الأجنبي شعر ونثرا، قدمها الدكتور هلال الحجري.
وأوضح الدكتور هلال الحجري في بداية الأمسية أن الموضوع قريب إلى نفسه للحديث عن ظفار وما خطه الأدب عنها، فالصورة التي تشكلت عن هذه المنطقة الضاربة جذورها في التاريخ في الأدب من الكتابات، سيمر عليها من دون كتابات أثرية وتاريخية ودراسات علمية لا يتسع الوقت للحديث عنها، مضيفا أن الصورة التي تشكلت عن ظفار في الأدب في معناه الشعري ومعناه النثري كالرواية.
ويشير الحجري أن الحديث من خلال دراستي بين لي أن لظفار صورتان صورة متخيلة وصورة واقعية وهما متداخلتان، فالصورة المتخيلة رسمها كتاب وشعراء لم يأتوا إلى المنطقة وإنما تخيلوها في أذهانهم، مستشهدا بأطروحة إدوارد سعيد في موضوع الاستشراق وهي فكرة الشرقنة وكيف يمكن أن يصف الشرق وأن يتخيل وإن كان مبنيا على قراءات سبقتها وكتابات تاريخية وسبقتها كتب رحلات، ولكن الحاصل أن هذه الصورة متخيلة لأن أصحابها لم يأتوا إلى المنطقة وعليه انبنت في قصائدهم وأعمالهم الإبداعية.
مركزا على نقطة أن لظفار جذور في أعماق التاريخ ولذلك كان القدماء الجغرافيين الإغريق واليونانيين عندما تحدثوا وكتبوا عن الجزيرة العربية قسموها إلى ثلاثة أجزاء: العربية السعيدة، والعربية الصحراوية، والعربية الجبلية الصلبة. ويمكن على هذا التقسيم الإغريقي أن نتحدث أو نتصور خارطة عمان وسيتضح لنا حينها أن ما عناه الإغريق واليونان أن البلاد العربية السعيدة هي ظفار دون شك بما وردت في كتاباتهم.
ويوضح الحجري أن ما عرف عن ظفار من اللبان والمر وغيرها من النفائس التي كان يصفها بعض الكتاب أنها كانت غذاء للآلهة في المعابد سواء في معابد الفراعنة أو المعابد اليونانية، وقد اتخذ اليونانيون لنفسهم هذا اللبان بديلا من الأضاحي التي كانوا يقدمونها في معابدهم من القرن السادس قبل الميلاد، أما الرومان فبدأوا منذ القرن الثاني بعد الميلاد معتبرين اللبان من أجود أنواع البخور ولذلك ارتفع سعره آنذاك في السوق العالمية، مضيفا: ولا عجب أن نجد الجغرافي الروماني تيريني في كتابه التاريخ الطبيعي حيزا كبيرا لما يسميه أفضل لبان، ويسميها سفار وعمانا، ومن المرجح أنه يقصد بهما ظفار وعمان، وهو يخبرنا أن نيرون أحرق كمية من اللبان العربي في مراسم جنازة زوجته سابينا، مبينا أن الجغرافي الروماني كان على يقين أن تجارة اللبان جعلت من الجزيرة العربية سعيدة وأن عرب جنوب الجزيرة العربية كانوا الأغنى في العالم، وعلى هذا الأساس ذكرت ظفار أيضا باسم سفار في كتب الرحلات، وهناك كتاب بربيليس صاحبه مجهول تحدث عن ظفار وعن سمهرم.
ومن خلال هذه المعلومات التي تحدث بها المؤرخون اليونانيون والإغريق نجد أن لظفار حضورا في مخيلة الشعراء الغربيين، وصورة اللبان والبخور الظفاري، وذكر بعضهم أنه كانت تتغذى به أرواح الآلهة في المعابد المصرية والآسيوية، وكان له صدى في قصائدهم، لعل من أهمها ملحمة اللوسياد للشاعر البرتغالي لويس دوكيمو ورد فيها:
ومن فوق سهل ظفار
يضوع أغلى لبان في الدنيا
وارتبطت صورة ظفار في الشعر الإنجليزي بإرم ذات العماد، كما جاءت في الكتب المقدسة، ويعتقد بعض الرحالين الذين زاروا ظفار أن إرم أو هذه المدينة المفقودة موجودة في جنوب عمان.
ويوضح الدكتور هلال الحجري: شغلت ظفار كثيرا من علماء الآثار، ومن منطلق هذه الفكرة التي ذكرها بعض الرحالين أبرزهم عام 1991 منتج الأفلام الأمريكي نيكولاس كلوب الذي شكل بعثتين مع فريق ضمن علماء الآثار والجيولوجيين وعلماء الفضاء حتى أن وكالة الفضاء ناسا اشتركت في هذا الموضوع وقد فحصوا الأبراج في منطقة شصر في شمال ظفار، ووجدوا أن المستوطنة تعود إلى 4 آلاف قبل الميلاد وخلصوا من هذا التنقيب أن إرم أو أوبار كما جاءت في الكتاب المقدس هي موجودة في منطقة شصر.
وهذه الفكرة التي استحوذت على هؤلاء الرحاليين كان لها صدى فوجدنا بعض الشعراء الأجانب يكتبون عن إرم ويصفونها بكونها جزءا من الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية، والجنوب الشرقي لعمان.
حتى أثناء التوسع الاستعماري البرتغالي برزت عدة ملاحم، ففي إحدى الملامح ورد:
انظر إلى جدة وحقل عدن الضامر
حيث لا تمطر السماء أبدا ولا يخر نخير صاف في الوادي
هنا تتجلى نفوذ جزيرة العرب هنا تتنفس بخورها
هنا قفر صخري ومن فوق سهل ظفار يضوع أغلى لبان في الدنيا
حيث يكلل ضبابه الأضرحة المقدسة
هنا يتهلل جواد الحرب الأبي في قوته
فهو أسرع من العاصفة
هنا مع زوجته وجاريته ينتقل العربي بخيمته هائما في السهول
مما يؤكد أن فكرة اللبان التي تحدث عنها اليونانيون في كتبهم لها صداه في الشعر.
والحكايات التي ذكرت عن إرم والبحث عنها:
وجدتها صدفة دون سبيل أو دليل
وجدت البقعة المسحورة
بوابتها الذهبية الواسعة وقفت مفتوحة على مداها
كنت يافعا وقويا وشجاعا وحرا
كمهر نجدي ناصع البياض
والدم في عروقي كان كنسغ الكرمة يثور ويهتاج
ولن يتوقف حتى تتنفس الأزهار بالنبيذ
وتنزف آخر قطرة من بلسمها اللذيذ
لم أشهد في حياتي إلا الرماح والسهام
حتى اكتشفت هذا المكان في عمق الصحراء
حيث نفذت بوابات إرم الرائعة أبهتها على أرض مجهولة
لي هذه الأسقف اللؤلؤية والعاجية
لي موسيقى الأبواب الماسية
يفضي كل منها إلى مجد جديد
لي هذه الورود وعنفوانها الذي فاق الجمال الربيعي
لكلستان والزهور الفارسية الرائعة
لي النخيل ذات العذوق الفضية
والتيجان المرصعة بالزمرد الأغر
والأقواس المزركشة وأكاليل الزهور
وهي ليست بعيدة عن الصورة التي جاءت في القرآن الكريم أو ما جاء في كتب التفاسير وما تحتويه المدينة من كنوز الدنيا، مضيفا أن أوفير كما يعتقد الأوروبيون هي اسم من أسماء ظفار ووردت في الكتب المقدسة بأنها أرض غنية بالذهب ولعلها نفسها إرم ذات العماد التي وردت في القرآن الكريم.
ونجدها في قصيدة لشاعر أمريكي مادسن جونسن وهو من شعراء الطبيعة الذي يقول:
على أرصفة الهجوع في الموانئ
شاهدت سفن الأحلام قادمة تمخر عباب البحر عبر السديم
مهتدية بضوء القمر وومضات سراج الليل
مخازنها مليئة بغنائم من كل أرض وزمن
بذهب أوفير وآلهة اليونان
وقصاصات من قصائد قديمة
وأقراص من البنج الكريتي
ولفائف من حرير اليمن
وبراعم السنا وخشب الصندل
ولآلئ عمان الناصعة البياض كالحليب
كما صدرت رواية للكاتب الأمريكي جيمس رولينز وهي عبارة عن مجموعة أمريكية متخيلة لمكافحة الإرهاب تتكون من عملاء مدربة بالمعرفة العلمية المتخصصة، وأولى السلسلة رواية بعنوان “عاصفة رملية” صدرت عام 2004 تدور أحداثها في ظفار للبحث عن السر المدفون في إرم متناولا صحراء عمان القاحلة، وما يبدو أن التصور الغربي ما زال صداه منذ تحدث عنها شعراء القرن الثامن التاسع عشر والتاسع عشر.
من جانب آخر يبين الدكتور هلال الحجري أن الصورة الواقعية لم ترسم عن طريق الأدب المتخيل أو الشعر والرواية، وإنما عن طريق أدب الرحلات فهي واقعية لأن أصحابها زاروا ظفار وكتبوا عما شاهدوا، وأضاف: من أوائل الرحالة الأوروبيين الرحالة الإيطالي ماركو بولو عام 1292 ميلادي، ووصف ظفار بأنها مدينة كبرة وجميلة وشهيرة وقد وجد سكانها مسلمين، ويشحن التجار منهم الخيول العربية إلى الهند، وذكر أن ظفار تنتج اللبان.
وفي القرن التاسع عشر، أبحرت سفينة بريطانية ما بين عامي 1833 و1846 وقام مساحون بريطانيون على متن هذه السفينة بإجراء مسوحات في الجنوب والجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية، ونشروا معظم نتائج رحلاتهم في دورية جمعية بومباي الجغرافية والجمعية الجغرافية الملكية، وتكمن أهمية رواياتهم أنها تقدم صورا أولية عن سكان جنوب عمان والجنوب الشرقي منها من ظفار إلى رأس الحد.