عوض بن سعيد باقوير
الأحداث المتسارعة التي شهدتها أفغانستان من الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والتحالف الدولي كان مؤشرا على أن انهيار حكومة الرئيس الأفغاني غني هي مسألة وقت حيث استطاعت حركة طالبان أن تسيطر على أفغانستان في غضون أيام في مشهد دراماتيكي يعيد للأذهان الصورة التي شهدتها مدينة سايجون الفيتنامية عام ١٩٧٥ حيث اندحار وانسحاب القوات الأمريكية المنهزمة سياسيا وأخلاقيا وحتى عسكريا من فيتنام وقد رأينا الفوضى العارمة في كابول ابتداء من سقوط الولايات الأفغانية تباعا ومرورا بهروب الرئيس الأفغاني إلى طشقند في آسيا الوسطى وانتهاء بالفوضى العارمة في مطار كابول حيث الهروب الكبير لعشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين والدبلوماسيين من كل دول العالم ومن هنا فإن المشهد الأفغاني يعيد لنا المشهد عام ٢٠٠١م عندما انسحبت قوات حركة طالبان من العاصمة كابول تحت القصف العنيف للقوات الجوية الأمريكية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١.
أحداث دراماتيكية
شهدت أفغانستان طوال تاريخها الحديث عددا من الحروب والخيبات الاستعمارية التي اندحرت من هذا البلد المسلم ذي الموقع الاستراتيجي الفريد وسط آسيا الوسطى ويجاور دولا مهمة منها الصين وإيران ودول آسيا الوسطى وامتدادا لروسيا وباكستان ومن هنا بدأت تلك الأحداث باندحار القوات البريطانية في بداية القرن العشرين وتحديدا عام ١٩١٩م بعد هزيمة منكرة وكبيرة للجيش البريطاني المحتل.
وبعد عقود جاءت الآلة العسكرية السوفييتية في عقد السبعينيات لتشهد أفغانستان حربا قاسية انتهت بهزيمة الجيش الأحمر عام ١٩٨٩م وبعد ذلك بدأت مرحلة القاعدة حيث الحدث الأهم الذي هز العالم وهو تعرض الولايات المتحدة الأمريكية لأول هجوم كبير داخل التراب الأمريكي هو الأقسى بعد الهجوم الجوي الياباني على ميناء بيل هاربر المعروف حيث شنت القاعدة في أفغانستان هجوما مباشرا على مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون وهو وزارة الدفاع في واشنطن مما سبب رعبا كبيرا في أمريكا.
ومن هنا أعلنت واشنطن الحرب على أفغانستان وأيضا العراق مما تسبب في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وقواعد القاعدة عام ٢٠٠٢م انتهت بمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن واحتلال أفغانستان والعراق من قبل القوات الأمريكية.
المشهد الدراماتيكي الذي شهدته أفغانستان الأسبوع الماضي هو زلزال سياسي بامتياز يذكرنا بأحداث فيتنام عام ١٩٧٥م، خاصة الانسحاب الفوضوي من سايجون ومشهد الطائرات وجموع الآلاف الذين يريدون الفرار خاصة المتعاونين مع القوات الأمريكية. ومن هنا فإن المشهد الأفغاني هو في حقيقته إعادة لمسار تاريخ هذا البلد الذي كان دوما مطمحا للغزاة خاصة وأن أفغانستان علاوة على موقعها الجغرافي الفريد فهي تمتلك ثروات طبيعية كامنة علاوة على الصراعات الفكرية والأيديولوجية بين الجماعات المختلفة خاصة وأن حركة طالبان تهدف إلى إقامة الإمارة الإسلامية وتطبيق الشريعة بشكل واضح، في حين أن الدول الغربية حاولت جاهدة أن تغير من نمط الأوضاع في أفغانستان لكنها فشلت باعتراف كل القوى التي دخلت أفغانستان.
وعلى ضوء تلك الأحداث المثيرة فإن مستقبل هذه الدولة الإسلامية يكتنفه الغموض والتعقيد لأن حركة طالبان تدرك بشكل واضح أنها لا تستطيع أن تحكم أفغانستان بشكل منفرد وهذا ما جعلها تجري محادثات مع بقية القوى الأفغانية في الدوحة، وهذا شيء إيجابي حيث إن أفغانستان تحتاج إلى الوحدة الوطنية وإلى إبعاد المحتل الغربي ومن هنا فإن أمام أفغانستان طريق طويل وتحديات حقيقية في ظل معاناة الشعب الأفغاني طوال قرن من الزمن خاصة على الصعيد الاقتصادي وفي مجال التنمية الاجتماعية والبنية الأساسية وهذا بالطبع يحتاج إلى لحمة وانسجام سياسي ولعل إعلان حركة طالبان العفو الشامل عن كل المسؤولين في الحكومة السابقة هو خطوة ممتازة تعيد الأمن والاستقرار لكل ولايات أفغانستان لتشكيل حكومة موحدة من القوى الأفغانية.
الوقفة الإسلامية
الدرس الكبير الذي يمكن استخلاصه من أحداث أفغانستان الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها التخلي عن حلفائها في غمضة عين وبالتالي فإن الدول العربية والإسلامية بحاجة إلى مراجعة أوضاعها وإيجاد فكر مختلف، وأن الدرس الأفغاني يمكن أخذ العبر والدروس منه حيث إن السياسة الأمريكية الآن هي الانسحاب من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتفرغ إلى الخصم الأهم والأكبر على سواحل الباسفيك وهي عملاق آسيا والعالم الصين التي انتقدت واشنطن بسبب سياستها في أفغانستان والعالم ومن هنا فإن أفغانستان في ظل الظروف المعقدة تحتاج إلى وقفة إسلامية لعوده الحياه الطبيعية وهنا لا بد من التذكير بالدور القطري في مساعدة الشعب الأفغاني من خلال حوار الدوحة المتواصل، كما أن منظمة التعاون الإسلامي عليها دور في مساعدة أفغانستان على صعيد الإعمار وعلى صعيد إيجاد برنامج تنموي في ظل معاناة الشعب الأفغاني الشقيق وهذه مسؤولية دينية وأخلاقية وعلى ضوء ذلك فإن تشكيل حكومة موحدة هو إحدى الآليات المهمة لأفغانستان بحيث تهدأ الأمور من خلال التوافق السياسي بين مكونات الشعب الأفغاني وتدرك حركة طالبان أن أي سياسة إقصاء لن تكون مفيدة لمستقبل أفغانستان بل إن هذه الأخيرة تحتاج إلى عودة الروح الوطنية وأن قضايا مثل مكافحة الفساد تعد من أولويات المرحلة القادمة علاوة على إيجاد حلول لقضايا المواطنين وتنشيط الاقتصاد والتجارة في ظل دول مهمة مجاورة لأفغانستان خاصة تركيا وإيران وباكستان وحتى الصين علاوة على الدول العربية والإسلامية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها أفغانستان. إن أفغانستان طوال تاريخها الحديث هي مقبرة للغزاة حيث هزم الشعب الأفغاني وقواه الحية أكبر ثلاث امبراطوريات وجيوشها الكبيرة وهي الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس وبعد ذلك بعقود جاءت الامبراطورية السوفييتية بفكرها الشيوعي الهدام واختتمت بالامبراطورية الأمريكية بمفرداتها الليبرالية، وبالتالي هزمت تلك القوى المعتدية وهذا سجل مشرف للشعب الأفغاني الذي يريد السلام والاستقرار وهنا نتحدث عن أهمية الأحداث التاريخية في حياة الشعوب وأن التدخلات الخارجية واستعمار الدول أصبح من الماضي وأن العلاقات الدولية ينبغي أن تقوم على الاحترام والحوار بعيدا عن لغة القوة.
أفغانستان الجديدة
في ظل مجمل الأحداث التي شهدتها أفغانستان فإن هناك أملا في أن تنطلق هذه الدولة الإسلامية نحو الاستقرار ونحو السلام ونهاية للتدخلات الخارجية وأن تكون هناك واقعية سياسية في الطرح وأن تنتهي الصراعات والحروب في بلد مزقته الحروب طوال قرن من الاستعمار الخارجي والحروب الأهلية.
ومن هنا فإن أفغانستان تمر بمرحلة انتقالية وعلى المجتمع الدولي أن يساعد أفغانستان وشعبها الذي تضرر كثيرا من التدخلات الخارجية وأطماعها وفرض صيغة فكرية محددة حيث إن الشعب الأفغاني هو صاحب الحق في إيجاد نمط حياته ومن خلال ثوابته الوطنية ومن خلال مشاركة شعبية، ولا بد من إجراء انتخابات حرة في المستقبل لإيجاد برلمان حر وحكومة منتخبة في ظل دستور يعبر عن مكونات وثوابت وتاريخ أفغانستان العريق لبلد كان له إسهامه الكبير في تاريخ الأمة الإسلامية حيث وجود العلماء والمفكرين الأفغان طوال التاريخ.
وفي المحصلة الأخيرة فإن الذي حدث في أفغانستان هو درس كبير، ومن المهم أن تنجح الجهود في لمّ الشمل في أفغانستان وانطلاق جديد إيجابي تنتهي من خلاله آلام الشعب الأفغاني وتنطلق التنمية الحقيقية من خلال الاستقرار والسلام لتلعب أفغانستان دورها في محيطها الإسلامي وأيضا في محيطها الإقليمي والدولي.
*صحفي ومحلل سياسي