بدر بن عبدالله الهنائي
*مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية
يقول المثل الصيني بأن أفضل وقت لزراعة شجرة كان منذ عشرين سنة، وأن ثاني أفضل وقت لزراعتها هو الآن. وبالنسبة لمتابعي مشهد الفاعلين على منصات التواصل – أو المؤثرين كأحد المسميات الشائعة – وما يثار حولهم من وقت لآخر حول طبيعة عملهم، ومدى مصداقية بعضهم، وقدرتهم على استدامة أعمالهم، والدور الذي يؤدونه عبر منصات التواصل خصوصا وفي المجتمع بشكل عام؛ فإن موضوع جدوى تنظيم نشاط الفاعلين على منصات التواصل قد يكون أحد العناصر التي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة.
وقبل الشروع في مناقشة جدوى التنظيم فإن من المهم استخدام التسمية الأصح من وجهة نظر مهنية. فبينما يشيع استخدام تسمية «المؤثرين» بين كثير من المشتغلين في مجال التواصل والإعلام وعموم الناس، تثار الكثير من النقاشات حول مرجعية تلك التسمية، وما إذا كان هنالك بالفعل من تأثير ينتج عن نشاط تلك الشخصيات عبر الشبكات الاجتماعية، وما هي المؤشرات المهنية أو المنهجيات العلمية التي تمكننا من إطلاق صفة «التأثير» على تلك الشخصيات، وهل مجرد أرقام المتابعات أو التفاعل أو المشاركة التي تسجلها منصات التواصل لتلك الشخصيات كافية للوصول إلى خلاصة التأثير؟ في ضوء ذلك فإن من الأسلم أن تكون التسمية مبنية على أساس طبيعة النشاط الذي تؤديه تلك الشخصيات – وهو ما لا يختلف عليه اثنان – حيث أن أيا من تلك الشخصيات تنشط باستمرار على منصة أو أكثر من منصات التواصل في صناعة المحتوى أو التفاعل مع مستخدمي تلك المنصات ما يؤدي إلى تكوين مستوى من الاهتمام بالنسبة للجمهور نتيجة لذلك النشاط. ولأن مستويات الاهتمام تلك لا يمكن أن يطلق عليها بالضرورة تأثيرا، فإن صفة «الفاعلية» التي تعبر عن طبيعة وجود تلك الشخصيات على منصات التواصل هي أدق وأقل عرضة للجدل والنقاش.
في معرض الحديث عن أهمية وجدوى تنظيم الفاعلين فإن من المهم التعريج على مدى اهتمام منصات التواصل أنفسها بهذا الموضوع. فمع الأحاديث التي تثار حول تلك الشخصيات الفاعلة في مناطق مختلفة من العالم، تُطرح بعض المحاور حول الدور الذي يمكن أن تؤديه المنصات التي تُعتبر البيئة التي نشأ فيها هذا النوع من النشاط الإعلامي / التجاري / المجتمعي. وقد أبدت المنصات استجابة لتلك الأطروحات في مناسبات عدة، وربما يعود ذلك إلى كونها مؤسسات مدرجة في أسواق المال العامة ما قد يجعل أداءها المالي عرضة للتأثر في حال تم تحميلها مسؤولية مجتمعية حول بعض الظواهر التي تساهم في حدوثها، أو ربما يكون ذلك نتيجة الوازع الأخلاقي الذي تحاول أن تبديه وسط الكثير من وجهات النظر التي تبديها أطراف مختلفة معنية بهذا الجانب تحديدا، أو ربما من أجل رغبة كل منصة في تعزيز قاعدتها من الشخصيات الفاعلة وجذب المزيد منها ومن الشركات المعلنة عبر تنظيم الممارسات المرتبطة بها وخصوصا علاقة تلك الشخصيات مع الشركات المعلنة. ويمكن في هذا السياق استحضار ما قامت به منصة إنستجرام من أجل تنظيم العلاقة بين الشخصيات الفاعلة والشركات المعلنة، حيث أصدرت دليلا ملزما للشفافية يتضمن تعريف المحتوى الإعلاني الذي يمكن أن تنشره إحدى الشخصيات الفاعلة والذي يكون «الترويج لأي منتج أو خدمة تم تلقي مقابل من أجل القيام بذلك، أو ذكر المنتجات التي قام الشخص بتلقيها كهدية مجانية»، ومن أجل تسهيل الإفصاح حول تلك الممارسات فقد قدمت منصة إنستجرام خدمة الإعلان المشترك بحيث يظهر في أعلى المحتوى أنه يصنف كمحتوى إعلاني بالشراكة بين الشخصية الفاعلة والشركة المعلنة. وتتنوع الطرق التي تتبعها المنصات في سبيل تعزيز الشفافية والمصداقية بالنسبة للشخصيات الفاعلة، ليس آخرها قيام منصة سناب شات إظهار نوع مرشح الصورة (الفلتر) المستخدم في المحتوى من أجل التنبيه إلى التغييرات التي قد تنتج عن استخدام المرشحات على الصورة الأصلية.
بالنسبة لقيام الدول بتنظيم عمل الفاعلين على منصات التواصل فقد تتركز دوافعها في ثلاثة محاور: قانونيا أو اقتصاديا أو أخلاقيا؛ حيث يتعلق المحور الأول بالأبعاد القانونية المرتبطة بنشاط الفاعلين من أجل حمايتهم من ممارسات متعلقة بسلامة الإجراءات المالية – خصوصا تلك العابرة للحدود – أو من أن يتم استغلالهم كأدوات لممارسات غير قانونية، بالإضافة إلى إيجاد تنظيم أفضل لهذه «المهنة» التي صار العديد من الفاعلين يمتهنونها فعليا – ولا ضير في ذلك – كمصدر أساسي للرزق. أما بالنسبة للمحور الاقتصادي فهو يتكامل مع الجوانب القانونية من حيث أهمية وجود كيانات تجارية يؤسسها الفاعلون لتنظيم أعمالهم وإضفاء الصفة الرسمية على نشاطهم فيما يتعلق بجوانب الترويج والتعاون مع الشركات وكذلك المعاملات المالية، بالإضافة إلى إيجاد نشاط أعمال يحقق قيمة اقتصادية مرتبطة بقطاع التواصل والإعلام. أما المحور الأخلاقي فقد يكون في سلم أولويات الجمعيات المهنية والمجتمع المدني، والذي يمكن أن يعتبر امتدادا لتنظيم ممارسات وأخلاقيات الإعلان عموما مثل مصداقية الإعلان، واستغلال بعض فئات المجتمع فيه مثل المرأة أو الطفل، أو الترويج لما يتعارض مع مبادئ المجتمع عموما، أو نشر ثقافة الاستهلاكية.
إذن أي الجهات التي يجب أن تحمل على عاتقها عبء تنظيم هذا القطاع؟ بالنظر إلى تجارب ست عشر دولة لخصها لويس كوزين – وهو أحد المشتغلين في قطاع الإعلان عبر الشخصيات الفاعلة في المملكة المتحدة – فإن الجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني تلعب دورا حيويا في ذلك وخصوصا الجمعيات المختصة بتنظيم الإعلان، كما تقوم المؤسسات الرسمية المعنية بتنظيم التجارة وحماية المستهلك وتعزيز المنافسة التجارية بطرح لوائح وقوانين تنظم عمل الشخصيات الفاعلة عبر منصات التواصل بالإضافة إلى دور غرف التجارة والصناعة من الجانب التجاري ووزارات وهيئات الإعلام والبث من الجانب الإعلامي لهذا القطاع. كما تجدر الإشارة إلى أن جميع الدول المشار إليها أعلاه تلزم الفاعلين بوضع كلمات واضحة وصريحة تعبر عن طبيعة المحتوى الإعلاني الذي يقومون بنشره على منصات التواصل.
وختاما فإن ما شهدته الساحة المحلية مؤخرا من أحداث ونقاشات وظواهر مرتبطة بهذا الموضوع يمكن أن تؤسس لقيام الجهات المعنية بالمبادرة في تنظيم هذا القطاع من أجل تحقيق المصلحة العامة.