في ظل المستجدات الاقتصادية التي تواجهها دول العالم والمنطقة اليوم والتي أحدثتها التدابير الوقائية المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا، وما صاحبه من ارتفاع في العجوزات المالية لها، ينظر الخبراء إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأحد السياسات البديلة والمهمة في تمويل المشروعات التي لا تتمكن الحكومات من تمويلها في ظل الظروف الراهنة. وهي ما أكدت عليه الجلسة النقاشية التي عقدتها بيت بيان للاستثمار، واستعرض خلالها مسؤولون وخبراء من السلطنة ودول الخليج أهم مشروعات الشراكة وعوامل نجاحها ووسائل جذب الاستثمارات الخارجية.
وأشار كلات البلوشي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة عمان للاستثمار، ومدير عام مجلس إدارة مدينة خزائن الاقتصادية أن السلطنة تعد من الدول الرائدة في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمنطقة، حيث تمكنت خلال العشرين سنة الماضية من جذب استثمارات في مجال إنتاج الكهرباء والمياه تقدر ب4 مليارات ريال عماني، أي ما يقارب 10 مليارات دولار، وقال: يعد هذا استثمارا كبيرا في قطاع مهم، وهو عبء نجحت الحكومة في إزالته عن عاتقها.
وأكد البلوشي أن قدرة الدولة على جذب مستثمرين خارجيين هو دليل على ثقة المستثمرين بمتانة اقتصادها وقوانيها وهيكلتها. وذكر أن أول تجربة ناجحة للشراكة بين القطاعين في السلطنة قد تمت في قطاع الكهرباء والمياه في نهاية التسعينات من القرن الماضي وهو مشروع محطة منح لإنتاج الكهرباء. كما أن السلطنة شهدت نماذج شراكة ناجحة خاصة في مشروعات السياحة المتكاملة في مسقط وصلالة على وجه الخصوص.
وأشار البلوشي إلى تجربة مؤسسة عمان للاستثمار في الحصول على مشروع لتطوير المدن الصناعية واللوجستية بعد مناقصة عامة، بعد أن كان تطوير هذه المدن يقتصر على الحكومة. وقال: تمكنا بالتعاون مع أسياد في المشاركة لتطوير أول مدينة اقتصادية متكاملة بالقرب من مسقط.
أدوار القطاعين
وحول مفهوم الشراكة، قال كلات البلوشي: يعرف البنك الدولي الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أنها عقد طويل الأجل بين طرف خاص وكيان حكومي لتوفير أصل أو خدمة عامة يتحمل فيها الطرف الخاص مسؤولية كبيرة في مجال المخاطر والإدارة، ويرتبط الأجر فيها بالأداء.
في حين تقع على القطاع العام مسؤولية تشريعية ورقابية، حيث إن الدولة مسؤولة عن وضع السياسات العامة والسياسة الخاصة بجميع القطاعات الإنتاجية والخدمية، وكذلك دور رقابي للتأكد من تنفيذ هذه التشريعات وعدالة تنفيذها بما يخدم المجتمع. إضافة إلى تمكين وتهيئة بيئة الأعمال وتيسير عمليات الشراكة مع القطاع الخاص.
وأما القطاع الخاص فيتمثل دوره في الشراكة من خلال تقديم الموارد سواء مالية أو بشرية أو فنية أو تقنية، وتقاسم المخاطر مع القطاع العام، والابتكار وخلق أفكار وثقافة جديدة وإثراء المجتمع. مؤكدًا أن تكامل القطاعين سينعكس إيجابًا على المجتمع ويسهل من تحقيق الطرفين لأهدافهم.
وقال البلوشي إن مشروعات الشراكة بين القطاعين ليست حديثة، فقد أشارت دراسة عالمية إلى أنه بين عامين 2014 و 2015 كانت هناك 317 صفقة شراكة في العالم تقدر قيمتها ب142 مليار دولار. وبإن هناك صفقات تعقد سنويًا يقدر حجمها بمئات المليارات.
ثمار الشراكة
وتساهم الشراكة بين القطاعين كما يرى كلات البلوشي في سد الفجوات التمويلية الكبيرة بالبنى الأساسية للمشروعات الأساسية أو الخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى نقل كفاءة ومهارة القطاع الخاص في إدارة المشروعات وحسن تنفيذها ونقل التقنية، وخفض التكلفة، كون أن عملية التقديم على المشروعات تتم بطرق تنافسية مما يسمح للدول بإن تحصل على الخدمة ذاتها بتكلفة أقل.
وأشار أن الشراكة بين القطاعين تقود إلى تحسين بيئة العمل، وذلك مع خلال ما تضعه الحكومات من أطر مؤسسية وقانونية جديدة لحماية حقوق جميع الأطراف في القطاعين والمستهلك النهائي. كما تساهم الشراكة في تطوير القطاع الخاص وقدراته التنافسية والفنية وكفائته.
وقال إن الشراكة تمكن الدول من تحقيق التنويع الاقتصادي من خلال توفر السيولة لدى الحكومة للقيام بمشروعات أخرى لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها، إضافة إلى خلق وظائف جديدة التي بلا شك تعد من أهم مكاسب الشراكة.
تمكين القطاع الخاص
ومن جانبه، يرى فهد بن محمد الخليلي، المؤسس والرئيس التنفيذي لبيت بيان للاستثمار أن الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم مؤخرًا جراء انتشار فيروس كورونا وانخفاض أسعار المحروقات وارتفاع العجوزات المالية لدى دول المجلس من المؤمل أن يسهم في فتح باب الشراكة بين القطاعين بشكل أكبر خلال الفترة القادمة.
وقال الخليلي إن الشراكة الفاعلة بين القطاعين بإمكانها تفعيل الاقتصاد المحلي وخلق وظائف جديدة، فعندما كانت أسعار المحروقات مرتفعة كان القطاع الحكومي قادر على استيعاب الكثير من الخريجين والمواطنين في الأجهزة العسكرية والإدارية ولم يكن التحدي ظاهر حتى الأزمات الأخيرة، ومن هنا لابد الاستفادة من العون الذي يمكن للقطاع الخاص أن يقدمه في شتى القطاعات كما هو متبع في الكثير من دول العالم المتقدمة، ففي بريطانيا على سبيل المثال نرى منشآت وزارة الدفاع البريطانية بنيت على نظام الشراكة بين القطاعين وغيرها من النماذج.
أطر واضحة ومحددة
وتحدث المهندس نايف الحداد، مدير البحوث في قسم التخطيط الاستراتيجي وإدارة المخاطر بهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بدولة الكويت حول ما تتطلبه الشراكة لتحقق النتائج المرجوة منها على الطرفين كوجود تقبل حكومي لمفهوم الشراكة وتبنيه من خلال وضع أجندة محددة وبرامج بأطر زمنية واضحة ومعلنة للشركاء المستقبليين من القطاع الخاص سواء محليًا أم عالميًا، مستشهدًا في ذلك بتجربة كل من السلطنة والمملكة العربية السعودية اللتين حددتا مجموعة القطاعات المستهدفة للاستثمار وعدم اقتصارها على مشروعات البنى الأساسية بل امتدادها لتشمل المطارات والموانئ وقطاعات أخرى كالصحة.
وحول تجربة دولة الكويت، قال: بدأت دولة الكويت في تبني مفهوم في بداية الثمانينات باستخدام الأراضي العقارية التابعة للدولة وتحويلها لمجمعات تجارية وعقارية، بنظام البناء والتشغيل والإدارة لمدة تتراوح من 25 – 50 سنة. إلا أنها لم تحقق أي نتائج ظاهرة إلا بعد سنوات من محاولة خلق فهم مشترك وواضح للشراكة بين الطرفين.
وأكد سلمان بن سعيدان، الرئيس التنفيذي لمجموعة سلمان عبدالله بن سعيدان للتطوير العقاري بالمملكة العربية السعودية أن الشراكة الفاعلة مسؤولية القطاعين العام والخاص على حد سواء، وعلى الطرفين وجميع العاملين في المشروعات المشتركة أن يكونوا على اطلاع بأدوارهم. وقال إنه في بداية رحلة الشراكة في السعودية كان هناك قلة معلومات وعدم توائم بين القطاعين الأمر الذي لم يمكنها من النجاح قبل وضع خطط واضحة ومحددة.
وقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة في الشراكة بين القطاعين خاصة في مجال التطوير العقاري، وقال بن سعيدان إنه حتى بعد توقف الحكومة نتيجة للظروف التي مر بها العالم خلال الجائحة مؤخرًا من تقديم الدعم للمطورين العقاريين البالغ نسبته 20%، لا زال عدد المشروعات وحجمها في تزايد، وقد باتت تغطي مناطق أكثر من ذي قبل.
وأشار سلمان بن سعيدان إلى أحد حلول التمويل المسؤول التي اتبعتها المملكة، حيث البنوك والجهات المعنية لوضع حد للقروض الاستهلاكية بحيث لا تتجاوز 35% من راتب المواطن. مما ساهم في إعادة النظر في مفهوم الادخار والقدرة على الاستثمار فيما بعد والمساهمة في الاقتصاد المحلي.
جذب المستثمرين
وحدد المهندس لؤي غزالة، مستشار وكيل وزارة الأشغال البحرينية للبنية الأساسية والشراكة بين القطاعين العام والخاص مجموعة من الطرق والوسائل المهمة لجذب المستثمرين وخاصة من خارج الدولة، من أهمها تحديد حجم معقول للمشروعات ، وأوضح: قبل أزمة كورونا كان حجم المشروعات الجاذبة للاستثمار قريبة من ال300 مليون دولار. أما اليوم فقد انخفض ذلك ل200 مليون دولار، أي أن المشروعات التي تتعدى هذا الحد لن تجد اهتمامًا.
كما أكد المهندس لؤي على أهمية مخطط زمني واضح للمشروعات، ووجود إيرادات منظمة ومتوقعة، إضافة إلى توزيع المخاطر بين الطرفين بالعدل لكسب ثقة البنوك والمؤسسات التمويلية العالمية.
وحدد لؤي غزالة قائمة للدول التي تظهر أكبر رغبة للاستثمار في دول الخليج العربي كونها تتمتع بفائض نقدي يمكنها من الاستثمار وهي: اليابان وكورويا الجنوبية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وقال إن غالبية مشروعات الشراكة خاصة مع الشركات العالمية في الخليج تتمركز في قطاع المواصلات، الذي تضرر في الوقت الحالي بأزمة كورونا نتيجة القيود التي وضعتها الحكومات على التنقل والسفر إضافة إلى التوجه الجديد حول الحد من وسائل التنقل ذات الكثافة العالية.