روسيا والصين تتفقان على تنسيق الجهود بشأن أفغانستان
عواصم – (أ ف ب): اعتبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل امس الأربعاء أن من الضروري أن يواصل المجتمع الدولي “الحوار مع طالبان” الذين عادوا إلى السلطة للحفاظ على المكاسب التي تحققت في أفغانستان منذ نشر قوات حلف شمال الأطلسي.
وأكدت ميركل أمام النواب في البرلمان الألماني (بوندستاغ) “يجب أن يتمثل هدفنا في الحفاظ قدر الإمكان على التغييرات التي قمنا بها على مدار العشرين عاماً الماضية في أفغانستان”.
وأضافت “يتعين على المجتمع الدولي كذلك التحاور حول هذا الأمر مع طالبان”، بينما من المقرر أن يُستكمل انسحاب القوات الأمريكية في 31 أغسطس.
وتابعت “طالبان حقيقة واقعة في أفغانستان”، موضحة أن “هذا الواقع الجديد مرير لكن علينا مواجهته”.
وفي إشارة إلى التقدم المحرز في أفغانستان منذ عام 2001، أكدت المستشارة أن “نحو 70% من الأفغان يمكنهم الآن الحصول على مياه الشرب بينما كانوا 20% فقط قبل عشرين عاماً”، كما انخفض عدد الوفيات لدى الاطفال إلى النصف خلال عشرين عاماً، على حد قولها.
واعتبرت ميركل التي ستغادر منصبها الشهر القادم “في التاريخ، تحتاج الكثير من الأشياء إلى الصبر” مؤكدة “لهذا يجب ألا ننسى أفغانستان. ولن ننساها”.
وقالت ميركل التي نشأت في جمهورية ألمانيا الديموقراطية الشيوعية السابقة قبل أن تبدأ مسيرتها السياسية على أنقاض جدار برلين “ما زلت مقتنعة بأنه لا يمكن لأي عنف ولأي عقيدة أن توقف التطلع إلى العدالة والسلام”.
الانسحاب سينتهي في 31 أغسطس
أبلغ الرئيس الامريكي جو بايدن قادة مجموعة الدول السبع الثلاثاء أنّ “مهمة” الجيش الأمريكي في أفغانستان ستنتهي في 31 أغسطس الجاري بشرط أن تواصل حركة طالبان تعاونها لتسهيل وصول من يرغبون في إجلائهم إلى مطار كابول.
كذلك، طلب بايدن من البنتاغون وضع خطط طوارئ اذا “اقتضت الضرورة” إرجاء الانسحاب، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.
وقالت المتحدّثة باسم الرئاسة الأمريكية جين ساكي في بيان إنّه خلال اجتماع عبر الفيديو أكّد بايدن لقادة مجموعة السبع أنّ بلاده في طور إنجاز (عمليات الإجلاء) بحلول 31 أغسطس”، وهو الموعد الذي كانت واشنطن قد حدّدته لإنجاز انسحاب القوات الأمريكية قبل استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان.
ونقل البيان عن بايدن قوله إنّ “انتهاء المهمة بحلول 31 أغسطس يتوقف على مواصلة التنسيق مع طالبان بما في ذلك إتاحة الدخول إلى المطار للأشخاص الذين يتم إجلاؤهم”.
وقد ذكّر الرئيس الأمريكي بـ”تزايد مخاطر” شنّ أتباع تنظيم داعش هجمات ضدّ العسكريين الأمريكيين.
وفي حين لا يزال آلاف الأشخاص عالقين في محيط المطار، قالت ساكي إنّ بايدن “طلب من البنتاغون ومن وزارة الخارجية وضع “خطط طوارئ” لتعديل الجدول الزمني إذا اقتضى الأمر”.
ومساء الثلاثاء ألقى بايدن خطاباً في البيت الأبيض برّر فيه قراره إنجاز الانسحاب من أفغانستان بحلول نهاية أغسطس الجاري بـ”تزايد” خطر شنّ الفرع المحلّي لتنظيم داعش هجمات على القوات الأمريكية في كابول.
وقال بايدن إنّ الجسر الجوي الذي تقوده بلاده لإجلاء مواطنيها ورعايا الدول الغربية والمواطنين الأفغان الذين تعاونوا مع الغربيين يجب أن ينتهي قريباً لأنّه كلّما طالت مدّة بقاء الولايات المتحدة في أفغانستان كلّما كان هناك “خطر حادّ ومتزايد بوقوع هجوم من قبل جماعة إرهابية تُعرف باسم “ولاية خراسان” في تنظيم داعش.
وأضاف “كلّ يوم نكون فيه على الأرض هو يوم إضافي نعرف فيه أنّ تنظيم داعش يسعى لاستهداف المطار ومهاجمة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها”.
وشدّد بايدن في خطابه على أنّ القوات الأمريكية تسعى “لإجلاء الناس بأكبر قدر ممكن من الفعالية والأمان”.
وأوضح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتّحدة أنّ القوات الأمريكية ساهمت منذ 14 أغسطس في إجلاء 70,700 شخص – بينهم أربعة آلاف مواطن أمريكي.
ولفت بايدن إلى أنّ مقتلي حركة طالبان “اتّخذوا حتى الآن إجراءات” لتسهيل عمليات الإجلاء، حتّى وإن كان “الوضع هشاً”.
تزايد القلق
من جهة ثانية، تزايد القلق امس الأربعاء لدى آلاف الأفغان المستعدين للقيام بكل شيء للفرار من افغانستان بعد تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن بان عمليات الإجلاء ستنتهي الأسبوع المقبل.
ويحتشد آلاف الأفغان منذ أيام في مطار العاصمة الذي يتولى أمنه أكثر من ستة آلاف جندي أمريكي وبعضهم مع عائلاتهم بأكملها على أمل الرحيل في إحدى طائرات التي تسييرها الدول الغربية.
رغم الوضع الفوضوي، أعلن البيت الأبيض امس الأربعاء أنه تم إجلاء 82 ألفا و300 شخص بواسطة رحلات امريكية وغربية منذ بدء تشغيل الجسر الجوي في 14 اغسطس، عشية دخول طالبان الى كابول وتوليها السلطة.
وفي الساعات الأخيرة تم تكثيف العمليات وتم إجلاء نحو 19 ألف شخص خلال 24 ساعية بين يومي الثلاثاء والأربعاء.
وبين عشرات الآلاف الذين تم إجلاؤهم كثر ممن فروا خوفا على حياتهم لأنهم عملوا لدى الحكومة المخلوعة او قوات حلف شمال الأطلسي خلال سنوات الحرب العشرين.
روسيا والصين: تكثيف الجهود للتصدي “للمخاطر”
اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ على تكثيف جهود بلديهما للتصدي “للمخاطر” القادمة من أفغانستان في أعقاب سيطرة طالبان على الحكم، حسبما أعلن الكرملين امس الأربعاء.
وعبر الرئيسان في اتصال هاتفي “عن استعدادهما لتسريع الجهود لمحاربة مخاطر الإرهاب وتهريب المخدرات القادمة من أراضي أفغانستان” وفق بيان الكرملين.
وناقشا أيضا “أهمية إرساء سلام” في أفغانستان “والحيلولة دون امتداد عدم الاستقرار إلى مناطق محاذية”.
ووافق بوتين وشي على “تعزيز التواصل الثنائي” و”الاستفادة القصوى من إمكانيات” منظمة شنغهاي للتعاون المتوقع أن تعقد قمة في طاجيكستان الشهر القادم.
والعديد من الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، حيث تحتفظ موسكو بقواعد عسكرية، لديها حدود مشتركة مع أفغانستان والصين.
وفيما عبرت موسكو عن تفاؤل حذر إزاء القيادة الجديدة في أفغانستان، حذر بوتين من احتمال تسلل مقاتلين إلى روسيا تحت غطاء لاجئين.
وانتقد بوتين تدخل قوى خارجية في الشؤون الداخلية لأفغانستان وقال إن موسكو “تعلمت دروسا” من الغزو السوفياتي الذي استمر عقدا لهذا البلد.
من جهتها وبعد عودة طالبان إلى السلطة في 15 أغسطس، قالت الصين إنها على استعداد لتعزيز “علاقات الصداقة والتعاون” مع أفغانستان.
أحمد مسعود: “من غير الوارد وقف القتال”
أعلن أحمد مسعود أن مقاومة طالبان في وادي بانشير بشمال شرق كابول “لن تتوقف عن القتال”، دون ان يستبعد التحاور مع السلطات الجديدة في أفغانستان.
قال نجل القائد أحمد شاه مسعود، أحد الشخصيات البارزة في المقاومة الأفغانية الذي تم اغتياله في عام 2001، في مقابلة أجرتها معه مجلة “باري ماتش” في 21 أغسطس “لا مجال لوقف القتال. مقاومتنا هنا في بانشير بدأت للتو”.
وردا على سؤال حول شائعات استسلام مقاتليه أمام طالبان الذين حاصروا وادي بانشير، وصفها أحمد مسعود بأنها من باب “الدعاية” و”التضليل”.
في عطلة نهاية الأسبوع، قال متحدث باسم جبهة المقاومة الوطنية التي يعتبر أحمد مسعود أحد قادتها، لوكالة فرانس برس إن حركته مستعدة لمقاومة أي عدوان من طالبان ولكن أيضا للتفاوض معهم بشأن تشكيل حكومة شمولية.
وأضاف مسعود “التحاور شيء. يمكننا التحاور. في كل الحروب هناك تحاور. لكن الاستسلام شيء آخر. وأكرر أن الاستسلام غير وارد بالنسبة لي ولقادتي”، واصفا نفسه بانه “رجل سلام”، واكد “لن أقبل أبدًا سلامًا مفروضًا غايته الوحيدة هي تحقيق الاستقرار”.
وأوضح “علاوة على ذلك، لا يمكنني أن أنسى الخطأ التاريخي لأولئك الذين كنت اطلب منهم اسلحة في كابول قبل ثمانية أيام. لقد رفضوا مدي بها. وهذه الأسلحة، هذه المدفعية والمروحيات والدبابات الأمريكية الصنع باتت الآن بأيدي طالبان!”.
وأكدت حركة طالبان الاثنين أنها حاصرت وادي بانشير، لكنها تفضل التفاوض على القتال.
خلال السنوات الخمس التي سيطرت فيها طالبان على أفغانستان بين عامي 1996 و 2001، كان وادي بانشير من المناطق القليلة التي لم يسيطر عليها “طلاب الدين” مطلقًا.
******************
تقرير
“بدري 313” كتيبة نخبة ورأس حربة طالبان
تحظى كتيبة “بدري 313” المؤلفة من قوات خاصة تابعة لطالبان بدعاية مكثفة وبهالة كبرى داخل النظام الجديد في أفغانستان، وهي مغايرة تماما لصورة الحركة التقليدية لعناصر بالعمامة يجلسون في شاحنات بيك-آب.
أظهرت الصور التي نشرتها طالبان على شبكات التواصل الاجتماعي منذ أيام جنودًا مجهزين بمعدات كاملة من سلاح حربي وخوذة وسترة واقية من الرصاص وقناع وحقيبة ظهر ونظارات للرؤية الليلية.
هؤلاء هم عناصر كتيبة “بدري 313” الذين انخرطوا في صفوف القوات الخاصة الأخرى للنظام الجديد. وأخذت الوحدة اسمها من غزوة بدر قبل 1400 عام.
وإذا لم تكن على مستوى القوات الخاصة الغربية، ولا حتى القوات الخاصة في الهند أو باكستان المجاورة، فإن أفرادها “أكثر فاعلية من – عناصر طالبان التقليديين- وبالتأكيد أكثر من قوات الجيش الوطني الأفغاني في الأسابيع الأخيرة” على حد قول خبير أسلحة معروف يختبىء وراء حساب “كاليبر اوبسكورا” على تويتر.
“دعاية”
وقال لوكالة فرانس برس “تمت الاستعانة بهم خلال الحملة ضد تنظيم داعش بين عامي 2017 و2020″، وأضاف “تاريخيا يتدخلون ضد العدو الشرس”.
وفقًا للخبير وكذلك مجلة “جينز” المتخصصة، فإن عديد هذه الكتيبة يقدر ببضعة آلاف على أبعد تقدير. وقال مات هينمان رئيس قسم الإرهاب والتمرد في جينز إن الكتيبة تجمع “على الأرجح البعض من أفضل المقاتلين تدريباً وتجهيزاً” في أفغانستان.
وأضاف “يمكننا أن نتوقع القليل من الإثارة في الدعاية” التي تحظى بها، وتابع “لكن هناك احتمالا كبيرا أن تكون باكستان قد قدمت لها نوعا من التدريب”.
وليس من باب الصدفة أن تعود الآن إلى الواجهة بعد أن استولت حركة طالبان التي طردها الأمريكيون من السلطة قبل عشرين عامًا، على البلاد مجددا.
وأثبت أفراد هذه الكتيبة التي ترمز إلى معرفة عسكرية لم تكن طالبان تتمتع بها في ذلك الوقت، “فعاليتهم في ساحة المعركة” على حد قول بيل روجو رئيس تحرير مجلة “لونغ وور جورنال” الأمريكية المكرسة للحرب على الإرهاب.
وأضاف “تمكنا خلال الهجوم الأخير منذ مايو من التحقق بأن القوات الخاصة التابعة لطالبان كانت أساسية في الاستيلاء على أفغانستان” دون أن يستبعد هو الآخر وجود مبالغة.
وكما هو الحال في غالب الأحيان في مثل هذا الوضع، نهبت حركة التمرد المنتصرة أسلحة من ترسانات خصومها. في هذه الحالة من الجيش الوطني الأفغاني الذي يمده الجيش الأمريكي بدوره بالمعدات.
ويشير الخبير إلى أن “الولايات المتحدة تزود بالتالي حركة طالبان بالمعدات”.
منذ أيام كانت الكتيبة مسؤولة عن الأمن في محيط مطار كابول، بالتعاون مع القوات الأمريكية التي لا تزال تسيطر على مدرجه.
شبكة حقاني
حتى أنها تحدت الأمريكيين من خلال نشر صورة لجنود يرفعون علم طالبان، في لقطة شهيرة مشابهة تقريبًا لجنود أمريكيين في معركة ايو جيما في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
بالإضافة إلى فعاليتها العملانية، تخدم كتيبة بدري 313 مصالح سياسية أيضا. وترتبط ارتباطا وثيقا بشبكة حقاني النافذة داخل حركة طالبان. ويشارك اثنان من ممثليها في المباحثات حول الحكومة الجديدة في كابول.
ويقول بيل روجو إن الوحدة 313 تجمع بالتالي “بين التدريب العسكري لطالبان لسنوات وجهود شبكة حقاني لإضفاء الطابع المهني على المؤسسة العسكرية الأفغانية”. لذلك يجب أن يظل دورها محوريًا في نظام “طلاب الدين”.
وبحسب كاليبر أوبسكورا “إذا قامت طالبان بنشر عناصر هذه الكتيبة في موقع ما فهذا يعني أن المكان مهم”. بالتالي تعتبر الوحدة 313 ” رمزا لتطور حركة طالبان والتزامها بتحقيق غاياتها”.
قبل كل شيء تعكس تقدم الحركة في المجال العسكري. كانت البلاد في حالة حرب منذ 40 عامًا وتعلمت الكثير منذ الغزو السوفياتي في عام 1979.
يؤكد جيل دورونسورو الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة باريس 1 بانثيون سوربون “لقد شهدنا احترافًا ملحوظًا لطالبان منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي”.
ويضيف “الحرب التي يشنونها لم تعد بتاتا كتلك التي شنها آباؤهم ضد الروس. لقد اكتسبوا خبرة ميدانيا وهم متميزون من الناحية التقنية”.