يخبرنا التاريخ أن شعارات عصبة الأمم مزقتها سلسلة من الإخفاقات السياسية الخطيرة، الأولى وربما الأشد خطراً هي الإخفاق في المحافظة على الولايات المتحدة ضمن العصبة، ومن الواضح تماماً أن الحرب العالمية الأولى وضعت نهاية للهيمنة الأوروبية على السياسة الدولية.
لذلك عندما رفض مجلس الشيوخ الأمريكية معاهدة فرساي، فإن عصبة الأمم فقدت عملياً أهم أعضائها، كذلك، إحدى نتائج ذلك تتمثل في أن القوى الأوروبية أخفقت باستمرار في استخدام قدرة العصبة الكامنة، وغالباً ما تجاهلت أو لم تستخدم البنود التي كانت تسمح باستخدام فقعل حاسم ضد المعتدين.
هذا الأمر اقترن بانسحاب ألمانيا وإيطاليا واليابان والاتحاد السوفيتي في مراحل مختلفة، وقد أضعف الإجماع الذي كان مفترضاً أن يدعم قدرة عصبة الأمم على التصرف بفعالية بوصفها منظمة حكومية دولية حقيقية في السياسة الدولية، وبلغت المحنة ذروتها عند احتلال اليابان لمنشوريا عام (1931)، فاقتطاع اليابان لواحد من أغنى أقاليم الصين كان جزءاً من خطة “تاناكا”، وهي حملة للتوسع الجغرافي أتت استجابة لوجهة النظر القائلة إن اليابان لم تحصل على حصة عادلة من غنائم الحرب العالمية الأولى.
بالتالي، بدت فكرة أن الإدانة الأخلاقية للعصبة ستمنع مثل تلك الاعتداءات لم تكن إلا مجرد أمنيات، والحقيقة أن اليابان هي لاعب قوي حقيقي بحد ذاته وعضو دائم في المجلس اعترضت على الانتقاد من أعضاء الجمعية الضعفاء نسبياً، بالتالي، هذا الأمر كان مقروناً بإخفاق عصبة الأمم في الالتزام بالأمن الجماعي للقيام بعمل حاسم، أنبأ ببداية نهاية العصبة مرة ثانية في العام (1935) بالرد على العدوان (هذه المرة غزو إيطاليا لإثيوبيا) ثم التأكد من نهاية العصبة المحتوم.
إلا أن غرق العصبة والآمال الليبرالية للسلام لم يكن بسبب الاعتداء الياباني أو الإيطالي ولا حتى انهيار العزيمة الذي كشف عنه أعضاء العصبة الرئيسون، بل جاء ذلك بسبب المبادئ، فقد ساق البعض تهمة أخرى وهي سماح العصبة للعقلانية المجردة على شكل التزام بالليبرالية كما عند جون لوك، أن تشكل الاستجابة السياسية لاتفاقية السلام، فالليبرالية قد تناسب جيداً الأعمال الداخلية للأمم الأوروبية التي كانت هي نفسها نتاج عصر التنوير.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان
القانون الدولي
السياسة الدولية