كشفت المؤشرات الوبائية التي أعلنتها وزارة الصحة أمس وصول السلطنة إلى مرحلة متقدمة جدًا من التعافي من وباء فيروس كورونا «كوفيد-19» الذي يجتاح العالم منذ مطلع العام الماضي. ولأول مرة منذ مارس 2020 ستكون الحياة في السلطنة بدءًا من اليوم شبه طبيعية ويشترط لممارسة كافة الأنشطة الحياتية اليومية أن يكون الشخص قد أخذ جرعة واحدة من اللقاح على أقل تقدير «سيشترط أخذ الجرعتين بدءًا من أكتوبر القادم». هذا المشهد مفرح جدًا ويقدم دليلًا عمليًا على أن السلطنة تعاملت مع الجائحة في جميع مراحلها وموجاتها العاتية السابقة بشكل علمي حاولت فيه الموازنة بين الجانب الصحي والجوانب الاقتصادية والحياتية اليومية الأمر الذي قاد إلى هذه النتيجة التي نعيشها اليوم.
وبالنظر إلى الوضع الذي عاشته السلطنة، وفي الحقيقة عاشه العالم أجمع، خلال الموجة الماضية التي بدأت مطلع العام الجاري مع انتشار المتحور الفتّاك «دلتا» فإن قرار اللجنة العليا في السلطنة كان صعبًا، وهو من القرارات التي يمكن أن نصفها بالقرارات المصيرية، لكنه كان ضروريًا لعودة الحياة إلى طبيعتها بعد أكثر من عام ونصف على تعطل الحياة وتوقف بعض مصالح الناس. لكن عندما ننظر إلى القرار بعيدًا عن سياق الخوف الذي فرضته الجائحة فإننا نجده متناسقًا مع السياق العلمي ونتيجة حتمية للجهد الذي بذل خلال المرحلة الماضية؛ فمنذ بدء الجائحة واللجنة العليا كانت مطلعة على الدراسات والبحوث العلمية التي تصدر في كل عواصم العالم وتستند قراراتها على الكثير من معطيات تلك البحوث والدراسات ولذلك كانت تلك القرارات، رغم النقاشات التي دارت حولها، توصل في نهايتها إلى نتائج إيجابية وما نعيشه اليوم دليل على ذلك. وفي هذه المرة فإن اللجنة العليا والمجتمع يدخلان المرحلة الجديدة بخبرة كبيرة في التعامل مع الجائحة سواء كان ذلك عند اللجنة العليا التي تعتمد، كما ذكر أعلاه، على دراسات ميدانية محلية ودراسات علمية دولية أو عند المواطن الذي عاش تفاصيل ثلاث موجات من الجائحة المستمرة وقرأ وسمع عن موجات أخرى في دول الإقليم. كما أن اللجنة العليا التي ذهبت إلى قرار عودة الحياة تتكئ على الحماية التي توفرها اللقاحات المضادة للفيروس، حيث حصل أكثر من 80% من المواطنين على جرعة واحدة على الأقل من أصل جرعتين وهذه نسبة جيدة جدًا تستطيع تحقيق المناعة المجتمعية أو مناعة «القطيع» بحسب المصطلحات الطبية، وتعتقد وزارة الصحة أنه مع نهاية سبتمبر الجاري سترتفع المناعة بين الناس مع ارتفاع نسبة المواطنين الحاصلين على جرعتين. ومما يستحق الذكر هنا أن السلطنة استطاعت توفير أفضل نوعية من اللقاحات المتوفرة التي تصل نسبة فعاليتها إلى 95%. ورغم أن ما سبق مفرح ومبشر ويبعث على الكثير من الطمأنينة فإن الحذر واجب بل ضروري لإتمام عملية التعافي والخروج الكامل من الجائحة. فرغم ما وصلنا إليه إلا أن الجائحة ما زالت مستمرة، ويمكن في أي وقت أن يظهر متحور جديد لا تكون فعالية اللقاحات أمامه عالية.
ولذلك فما زال مطلوبًا من الجميع الحفاظ على المكاسب التي تحققت بالالتزام بالتعليمات التي تقرها اللجنة العليا التي أثبتت قدرتها على إدارة المشهد، وتستحق من الجميع المزيد من الثقة ومن بين تلك التعليمات الإسراع إلى أخذ اللقاح لمن لم يأخذه حتى الآن سواء بأخذ الجرعة الأولى أو الجرعة الثانية.
وبوعي الجميع وإرادتهم ستستطيع عُمان تجاوز كل الصعاب التي فرضها الوباء وآثاره، وسنعود لحياتنا الاجتماعية التي فقدنا الكثير من تفاصيلها. لكن على الجميع أن يعي أن الوباء لم ينته تماما وأننا نتعافى بفضل وعي المجتمع والتزامه بالتعليمات وكلما ابتعدنا عن تلك التعليمات وفرّطنا في المكتسبات فإننا قد نعود، لا قدر الله، للأوقات الصعبة التي عشناها خلال الأشهر الماضية.