كابول-(أ ف ب) – بعد انسحاب الولايات المتحدة، فُتحت صفحة جديدة يسودها الغموض في أفغانستان حيث لم تقنع بعد وعود نظام طالبان الجديد قسماً من الشعب الأفغاني الذي لا يزال يتذكر جيداً وحشية حكمها السابق بين 1996 و2001.
في الواقع، يخشى عدد كبير من الأفغان أن تفرض الحركة الإسلامية كما فعلت خلال فترة حكمها الأول، رؤيتها المتشددة التي كانت تقضي بمحو دور النساء في الحياة العامة واضطهاد المعارضين.
وهناك مخاوف أيضاً حول الوضع الاقتصادي والإنساني في البلد، وهو من أفقر دول العالم ويعتمد اقتصاده بشكل كبير على المساعدات الدولية المعلقة حالياً.
ما هي السياسة المرتقبة؟
منذ سيطرتها على كابول في 15 أغسطس، تسعى حركة طالبان جاهدةً لإظهار نفسها بصورة معتدلة، بعيدًا عن الذكرى التي تركتها في نفوس الأفغان أثناء حكمها الأول، وقد كثّفت وعودها مؤخراً.
فقد أعلن المتحدث الرئيسي باسمها ذبيح الله مجاهد “عفواً عاماً” عن المعارضين وأنه سيُسمح للنساء بالعمل في بعض القطاعات، خصوصاً قطاع الصحة.
وأكد النظام الجديد أيضاً أنه سيكون بامكان النساء الالتحاق بالدراسة في الجامعة، لكن في صفوف غير مختلطة مع الرجال، مشيراً إلى أنه سيُطرح عليهنّ برنامج تعليم “إسلامي وعقلاني”.
ووعد أيضاً بتشكيل “حكومة جامعة”. وأجريت اتصالات مع معارضين سابقين على غرار الرئيس السابق حامد كرزاي أو شخصيات من وادي بانشير الذي تقطنه أغلبية من اتنية الطاجيك.
وأرسلت الحركة أيضاً ممثلين عنها للقاء أفراد من أقلية الهزارة الشيعية التي اضطهدتها طالبان في تسعينات القرن الماضي.
– هل يصدّق الأفغان هذه الوعود؟
لم تُقنع تصريحات الحركة بعد الشعب الأفغاني ولم تطمئنه. حاول آلاف الأشخاص يائسين مغادرة البلاد عبر الجسر الجوي الضخم الذي أُقيم في مطار كابول في الأسابيع الأخيرة، ما يُظهر استمرار وجود مشاعر الريبة والخشية إزاء طالبان.
وكتبت رئيسة اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان شهرزاد أكبر في تغريدة أن طالبان “ستفعل كل ما في وسعها لحرمان النساء من حقوقهنّ الأساسية.ينبغي ألا يغضّ العالم نظره… وألا تكون لديه أوهام حول هذا الموضوع”.
– ماذا عن المجتمع الدولي؟
أقامت طالبان علاقات مع قوى إقليمية عدة سواء كانت باكستان أو إيران أو روسيا أو الصين وحتى قطر. لكن الطريق من أجل اعتراف المجتمع الدولي بنظام كابول الجديد سيكون طويلاً.
كانت الولايات المتحدة ودول غربية عدة واضحة جداً في هذا الشأن. على الحركة أن “تستحقّ” شرعيتها، لذلك فإنها ستتابع عن كثب مسألة احترام حقوق الإنسان وخصوصاً حقوق النساء، كما إمكان سفر الأفغان بحرية إلى الخارج.
علّقت الجهات المانحة الغربية والدولية الأساسية مساعداتها للبلاد. وتمّ تجميد الوصول إلى احتياطات المصرف المركزي الأفغاني في الولايات المتحدة.
من غير المتوقع أن يُستأنف تدفق المساعدة الدولية التي كانت قيمتها أكثر من 40% من إجمالي الناتج المحلي الأفغاني عام 2020، قبل الاعتراف بالنظام الجديد من جانب المجتمع الدولي.
في هذا السياق، تحذّر الأمم المتحدة من كارثة إنسانية قد تؤثر على الأفغان اعتباراً من فصل الشتاء.
– ما هو تأثير ذلك على الاقتصاد؟
يشير البنك الدولي إلى أن “اقتصاد أفغانستان يتّصف بضعفه واعتماده على المساعدات” الدولية.
مع تعليق هذه المساعدات، سيشكل الوضع الاقتصادي الأفغاني إذاً تحدياً كبيراً للنظام الجديد، الذي سيترتب عليه تأمين أموال لدفع أجور الموظفين الحكوميين ومواصلة تشغيل مرافق البنى التحتية الحيوية من مياه وكهرباء واتصالات.
يرى محللون كثرٌ أن الضغط الاقتصادي قد يغذي استياء قسم من الشعب الذي تمكن خلال العشرين عاماً الماضية من الاستفادة من مستوى معيشي مرتفع، على الأقل في بعض المدن.
– هل من الممكن أن تندلع حرب أهلية؟
يبدو واضحاً أن طالبان هي في وضع مريح أكثر مما كانت عندما تسلمت الحكم في 1996، إذ إن بعضاً من خصومها أو أعدائها الرئيسيين فرّوا أو اعتُقلوا.
يقع الجيب الأخير للمقاومة ضد النظام الجديد في وادي بانشير. لكن تصريحات حديثة تلمح إلى أن التوصل لاتفاق ليس مستبعداً بشكل تام.
في المقابل، قد تشكل الخصومة بين طالبان وتنظيم داعش تهديداً حقيقياً. فالجماعتان تتنافسان لتطبيق الجهاد وقد انتقد الفرع المحلي لتنظيم داعش الاتفاق الذي توصلت إليه طالبان مع واشنطن وأدى إلى انسحاب آخر القوات الأميركية من البلاد الاثنين.
تُضاف إلى هذا المشهد ميليشيات محلية عديدة منتشرة في أنحاء البلاد ويمكن أن تنقلب ضد طالبان.