بيان الثلاثي الأوروبي المشترك في المفاوضات النووية لإحياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (٥+١) والذي صدر بعد ماراثون طويل من المفاوضات، هذا البيان “شكك في نيات إيران الالتزام بالاتفاق النووي”. وجاء التأكيد الأوروبي “أن إيران لم تستغل الفرصة الدبلوماسية في مفاوضات الاتفاق النووي” وأنها “استمرت في توسيع برنامجها النووي” وقالت الدول الثلاث: إن طهران واصلت تطوير برنامجها النووي إلى مدى بعيد يصعب معه تصديق أنه للاستخدام السلمي”. وأن “هذا الثلاثي سيبحث مع الشركاء الدوليين الرد الأمثل”.
ويأتي ذلك البيان على خلفية مطالبة إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقف التحقيق في قضية جزيئات يورانيوم تم العثور عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة. هذا البيان عصف بكل ما سبق حول قرب انتهاء المفاوضات وتوقيع الاتفاق بين مجموعة (٥+١) وإيران. ويبدو من خلال هذا البيان الأوروبي (الأميركي) أن هناك تعطيلا مفاجئا ومقصودا أيضا، فهذه الأسباب التي ذكرها البيان غير كافية لإعلان هذا البيان الذي يريد إغلاق الباب أمام استمرار المفاوضات التي بدأت منذ مارس 2021م ولم تتوقف في مختلف الظروف، بل إن المفاوضات والعلاقة بين إيران والوكالة الدولية ومنذ عرض الملف النووي الإيراني في الوكالة مرَّت بالكثير من الظروف والمطبات مثل اكتشاف ذرات يورانيوم عالي التخصيب في مواقع نووية ومنع إيران الوكالة من إجراء تفتيش في بعض المواقع وذلك في مراحل زمنية سالفة، بل وصل الملف النووي الإيراني إلى إعلان حالة تأهب وتوتر في مياه الخليج في فترات حرجة، ولم يتزحزح الموقف الإيراني على الإطلاق.
اليوم وبعد إطلاق الكثير من إشارات التفاؤل عن قرب توقيع الاتفاق، يأتي هذا البيان لينسف كل الآمال، في دلالة قطعية على أن هناك قرارا مقصودا بتعطيل أو إرجاء هذه المفاوضات علَّ وعسى أن يحدث بعض المتغيرات. وعودة إلى الوراء قليلا نجد أن البًعد الزمني في الملف النووي الإيراني المتوازي مع العقوبات حقق نتائج متقدمة لإيران على عكس موقف الأطراف الدولية (الغربية) الأخرى التي لم تتمكن من إحداث أي اختراقات في إيران رغم بلوغ العلاقات مراحل خطيرة، سواء كان من حيث التعويل على الاحتجاجات في إيران أو تشديد حزم العقوبات أو حتى التهديد بالتدخل العسكري، كل ذلك تجاوزته إيران إلى بر الأمان ونجحت في تجاوز آثاره سريعا، بل حولت تلك الظروف والمحن إلى منح إيجابية عززت مواقفها الدولية، وأصبحت إيران في وضعية أقوى مما كانت عليه .
التوقف الحالي أو تعطيل المفاوضات عن الوصول إلى توقيع الاتفاق بعد إطلاق آمال عريضة عن قرب التوصل إلى توقيع الاتفاق وذلك حتى الأمس القريب، وهنا ينبغي التأكيد أن هذا التعطيل في سياقات البُعد الزمني لن يكون في صالح تلك الأطراف على الإطلاق، بل قد يدفع إيران إلى التخلي عن التزاماتها السابقة في مستويات التخصيب، وقد حدث فعلا أعقاب الانسحاب الأميركي عام 2018م من الاتفاق الموقع في فيينا عام 2015م وبالتالي ينطبق المثل العربي الذي يقول “كأنك يا بو زيد ما غزيت”. فبعد الماراثون الطويل والرغبة التي سادت مع وصول الإدارة الأميركية الحالية إلى البيت الأبيض، واستعجال العودة إلى الاتفاق النووي، يأتي هذا الانسداد المفاجئ بهذا البيان مما يوحي أن الأمر المستجد الذي بني عليه الموقف الدولي ويعول عليه هو الدافع في تعطيل هذه المفاوضات.
تقدير الموقف الاستراتيجي الدولي في تحقيق نجاحات خارج الصندوق في الملف النووي الإيراني، والتعويل على حدوث تغيرات اجتماعية جذرية أو تغيير في هيكلية النظام في إيران، هي تقديرات خاطئة، وقد مرت إيران بظروف أكثر شدة في الثمانينيات من القرن الماضي عند رحيل قائد الثورة الإسلامية وعدد من المراجع وأقطاب مجلس الخبراء في ظروف لم تكن إيران بهذه المنعة ولم يحدث أي اختراق في بنية النظام الإيراني. فالنظام في جمهورية إيران الإسلامية مؤسس وفق هيكلية دستورية منيعة يخطئ من يعتقد أن أي تغييرات قد يتعرض لها قد تؤدي إلى خلل بنيوي أو خلل في البنية الاجتماعية أو السياسية في المشهد الإيراني، وإيران عندما تتفاوض اليوم في فيينا فهي تتفاوض من موقع قوة، وأي توقف لهذه المفاوضات يحقق لإيران قفزات جديدة، لذلك على الأطراف الدولية العودة لتوقيع الاتفاق النووي لتجنب الأسوأ مع توفير الضمانات المطلوبة، ورفع كلِّي للعقوبات ومنح إيران حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
خميس بن عبيد القطيطي