منذ إقرار الرؤية الوطنية ٢٠٤٠ قبل عامين وتحديدا في يناير ٢٠١٧م والتحضيرات مازالت مستمرة لإنجاز ١٤ مرحلة من مراحل الرؤية وفرق العمل تعمل بشكل يومي في المحاور التي توافق عليها المجتمع وهي: الإنسان والمجتمع، الاقتصاد والتنمية، الحوكمة والأداء المؤسسي، ويتفرع من هذه المحاور الكثير من الجزئيات التابعة للمحاور، يومي الأحد والإثنين سيبدأ المؤتمر الوطني لهذه الرؤية الوطنية الطموحة، وهذا المؤتمر الذي سيقام على مدى يومين كاملين هو أحد المراحل الهامة الذي خطط له في هذا التوقيت بالذات، وبالرغم من العمل الدؤوب والحثيث الذي قام به مكتب الرؤية منذ عامين إلى الآن، إلا أنّ التحضيرات تختلف عن التنفيذ الفعلي للرؤية.
فعامان من التحضيرات وعشرات حلقات النقاش والجولات بين المحافظات والدعاية بكافة أنواعها وإقامة المؤتمر في قاعة ضخمة بإنارة مبهرة ودعوة المختصين من خارج السلطنة وإشراك الجامعات والمدارس وإشراك رجال الإعلام والمال ومؤسسات المجتمع المدني وتقديم محاضرات توعوية وإرشادية وتحفيزية مثرية ومبهرة في المعلومات والأشكال والخرائط والإحصائيات قبل وأثناء وحتى بعد المؤتمر قد يعتبر مهما، لكن الخبرات السابقة تقول إنّ مثل هذه التحضيرات هي أسهل ما يمكن القيام به بسبب أنّ الرؤية أو تنفيذ أي برنامج من أي جهة حكومية أخرى يمكنها أن تستعين بعشرات الشركات الاستشارية والإدارية والتسويقية والإعلامية للقيام بمعظم الأعمال من الألف إلى الياء، والتي بدورها تتفنن في الإبهار الصوتي الضوئي والتقني من مقاطع ومحتوى فني وديكورات مزركشة وتقديم المحاضرات من محاضرين عالميين تضم إحصائيات وتجارب ناجحة، يبقى أن نعلم أنّ مهمة المؤسسات التي تم الاستعانة بها تنتهي بانتهاء عملها المنوط إليها من مؤسسات تجارية أو مؤسسات عالمية أو شخصيات مرموقة، وعلينا أن نتفق أنّها ممتازة وتسرق الأنظار في المحتوى الإبهاري أو التنظير.
قد يقول قائل إنّ كتابة مثل هذا المقال بهذا العنوان سابقًا لأوانه، أو أنّ الوصفة “الروشتة” الموجودة في المقالة قد أشبعت نقاشا وجدالا ولا داعي لمزيد من الافتاء حول هذه الرؤية، ولكن هناك وجهة نظر أخرى وهي أنّه وبما أنّ الرؤية هي وطنية فالجميع مطالب بمحاولة المشاركة الإيجابية لإنجاحها قدر المستطاع خاصة أنّ مكتب الرؤية يركز على عامل التواصل المجتمعي المستمر ويشجع على تنوع وتباين الآراء، وهناك وجهة نظر أخرى وهو استحضار الماضي والاستفادة القصوى من دروسه وقصص نجاح أو إخفاق بعض المبادرات أو البرامج الوطنية، فمن خلال هذا الباب ووجهات النظر هذه تأتي كتابة هذه المقالة لعل وعسى تضيف ولو شيئا يسيرا مما يكون فيه نفعا للعاملين عليها.
وتفاديا للإطالة والحشو غير المفيد، اليكم العناصر التي يمكنها أن تكون مفيدة لرؤية ٢٠٤٠ بشكل مختصر ومباشر وهي: الإرادة السياسية العليا الفعلية على مدار تطبيق الرؤية منذ البداية حتى النهاية، والاستثمار في العنصر البشري العماني وتنويع نوعية التعليم العالي والمهني وتزويده بالمعرفة والمهارات والخبرات التي يحتاجها سوق العمل من خلال إعادة هيكلة التعليم بما يتناسب بمتطلبات الواقع والمرحلة القادمة، والاستفادة من التجارب السابقة ولحالية والمستقبلية على سبيل المثال استراتيجيات التعليم والصحة والسياحة وغيرها والبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي “تنفيذ” والمكتب الوطني للتنافسية وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ٢٠٣٠ والبناء عليها وتعديل ما يتناسب معنا والبدء من حيث انتهى الآخرون تفاديا لضياع المال والجهد والوقت، والشراكة الحقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى بين الحكومة والقطاع الخاص واعتباره شريكا حقيقيًا ومساندًا والعمل معه يدا بيد ودعمه للنمو والتوسّع والاستماع إلى مرئياته المتنوعة والديناميكية وتعديل قوانين العمل بين فترة وأخرى وجعلها أكثر مرونة تنافسية مع باقي الأسواق التجارية المحيطة، وإعطاء مساحة كافية لمؤسسات المجتمع المدني لكي تكون أحد الشركاء الهامة والدعائم الصلبة التي يرتكز عليها المجتمع، والاستفادة القصوى من الثورة الصناعية الرابعة ومواكبتها في أرض الواقع، وعنصر آخر وهو أنّه لا يكفي تعريف كل العمانيين بهذه الرؤية وأهميتها بل الانتقال إلى الإيمان بالأهداف الوطنية المشتركة واعتبار نفسه – كل مواطن ومواطنة- بغض النظر عن منصبه أو القطاع الذي يمثله أو المنطقة التي ينحدر منها أن يكون مؤمنًا بأنه جزء منها وشريك وقيمة مضافة لإنجاحها واعتبار أنّ هذه الرؤية منعطف جوهري تحمل فرصا وبما يعادلها من تحديات عظام في غاية الأهمية لمرحلة جديدة تنتظر عمان والعمانيين، وأخيرا تطبيق عنصر الثواب والمحاسبة، الثواب للمجيدين والمبادرين، والجزاء الصارم لكل معرقلي تطبيق الرؤية أو التنمية بشكل عام، فليس من المنصف أو المنطق أن نجعل الجميع في خانة واحدة.
اكتفي بهذه النقاط المباشرة التي قد يظن البعض أنّها سهلة، لكنّها تحمل في طيّاتها تفاصيل وتحتاج إلى تغييرات جذرية منها النفسية أو الفكرية أو التشريعية، وتحتاج إلى قرارات استثنائية وصعبة وصارمة لم نتعود عليها، وفي ذات الوقت أدعو الجميع للمشاركة الفعلية وإضافة عنصر أو بصمة أو أثر طيب لإنجاح هذه الرؤية بأي جهد أو فكر إن لم يكن لأجلك فليكن لمجتمعك ولأهلك ولبلدك، فعماننا الغالية تحتاج لكل منا، ولندع الخلافات والسلبية والإحباطات السابقة جانبا، ولنفكر بل ولنعمل معا من أجل صورة أشمل لأجل عمان حاملين شعار “عمان تستحق الأفضل” من كل منا، ولنحول هذا الشعار إلى تطبيقات وسلوكيات محسوسة وملموسة.