التاريخ هو ضمير الأمة، وجميع الأمم تتعامل مع تاريخها بحساسية كبيرة، فلا تساوم على رموزها كما هو حاصل بين اليونان ومقدونيا حيث عمل رئيس الأخيرة على نحت التاريخ في كل زوايا مدينته والتي قال عنها إنها: «قيِّمة لا تقدر بثمن، وجزء أصيل من تراث البلاد الثقافي، وتساعد على رفع معنويات المواطنين».
نعم رفع معنويات المواطنين، حيث الذاكرة التاريخية هي المحرك نحو العزة والكبرياء وهذا ليس بغريب علينا حيث جاء في الأثر عن أحد قبائل العرب التي تسمى “أنف الناقة” مثال حي على أهمية صناعة الوعي الجمعي، فمن قبيلة كادت نساءها أن تعنس بسبب بسيط جدا حتى جاء الحُطيئة وقال فيهم:
قومٌ همُ الأنفُ والأذناب غيرهمُ
ومنْ يسوِّي بأنف الناقة الذّنبا
قَوْمٌ إذا عَقَدوا عَقْداً لِجَارِهِمُ
شَدُّوا العِناجَ وشَدُّوا فوقه الكَرَبا
فتغير الوعي الجمعي في القبيلة وتغيرت مكانتهم عند القبائل الأخرى وأصبحت لها مكانتها بين القبائل.
يعمل المفكر والمثقف على إثراء العقل الجمعي ثقافيا وفنيا وأدبيا ويضيف حتى الاسطورة لإنتاج تاريخ عظيم تفتخر به كل الأجيال.
فالذاكرة التاريخية هي الضمير الذي يحرك الشعوب نحو التفوق والتميز والتقدم عن سائر الشعوب.
فما الذي يحدث معنا؟
معنا يجتهد المثقف لهدم القصص القرآنية، ويجعلنا نشكك في كل قصة وردت فيه والتعامل معها بعدم اليقين، وآخر يفتش عن أسوء نموذج تاريخي في عاداتنا وتقاليدنا من سيرة المجتمع التاريخية لصناعة رواية تستحضر ذاك الماضي العفن، وبعضهم يعمل بشغف واستماته لهدم كل رواية او حدث تاريخي او رمز وطني والتشكيك بوجوده، وآخر ينتقص من انتصارات العمانيين على الغزاة في بحر العرب وغرب وجنوب الهند وباكستان وايران ويعتبر طرد البرتغالين من شرق أفريقيا وتخليص الشعوب من عدو لا رحمة فيه “احتلال” وغيرها من الأوصاف التي لم نسمعها حتى من الدّ الخصوم.
وكأن وظيفة المثقف معنا هدم الوعي الجمعي وإنتاج جيل مهزوم وغير واثق من نفسه، ومهزوز بين باقي الأمم، بحيث لا يؤمن بدينه ولا ثقافته وجعله شخصية تعيش على هامش التاريخ.
أن كان الأمر كذلك عزيزي المثقف، فأنت لا تخلوا من أمرين: أما عميل ممول خائن لذاتك وتراثك أو جاهل وغير مدرك درجة الدمار الذي تخلفه كتاباتك على الذاكرة الشعبية، لذلك على الفئة المفكرة والمثقفة تدارك الأمر وترميم الثغرات واستنهاض الأمة نحو قضايا تمس الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان وأن يترك تلك المساحات والمعارك الصبيانية وأن يكون “الإنسان الذي يعبر عن احتياجات الأمة وقيادتها نحو آفاق من التلاحم والتعاضد” فالمتغيرات الجيوسياسية متسارعه والغزو الثقافي في أوجه وعليكم أن تكونوا مع حركة التاريخ لا أن تخاصموا وتحاكموا تاريخكم، كفى انهزاماً.
سلطان ثاني الحسني