شهد تاريخ ٢٦ أغسطس الماضي مرور ٥٠ عام على العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عمان وجمهورية ايران الاسلامية، ونقتنص هذا التاريخ للحديث عن تاريخ العلاقات بين البلدين الجارين، وارتباط تلك العلاقات بالملفات السياسية والأمنية والاقتصادية في منطقة الخليج، حيث تحكم الجغرافيا السياسية طبيعة هذه العلاقات بين البلدين تعززها اعتبارات الشراكة الأمنية والاشراف على أهم المعابر المائية الدولية (مضيق هرمز) كما أن المتغيرات السياسية وتمركز المنطقة تحت بحيرة من النفط جعلها بؤرة ساخنة تحتل أهمية قصوى في أجندة السياسة الدولية، وهنا تبرز أهمية العلاقة بين عمان وايران في ضوء هذه الملفات الاستراتيجية، بل برزت لاحقا حاجة عالمية لاستثمار هذه العلاقة في حلحلة ملفات دولية شائكة .
بدأت العلاقات العمانية الايرانية الرسمية بتاريخ ٢٦ أغسطس ١٩٧١م بعد مضي عام واحد على تولي السلطان قابوس – طيب الله ثراه مقاليد الحكم وذلك في ظروف ثورة ورثها نظام الحكم الجديد في ظفار أقصى جنوب البلاد، فبرزت الحاجة لدعم قوات السلطان المسلحة لمواجهة هذه الثورة، لذا توازت الهموم الوطنية العمانية للتخلص من هذه الثورة الداخلية ذات الفكر الماركسي الشيوعي وتهديداتها السياسية مع نظام الشاه ممثل الرأسمالية الغربية بالمنطقة حينذاك، ورغم أن ثورة ظفار تم احتواء جزء كبير منها بالفكر السياسي الحكيم للسلطان قابوس إلا أن الاعمال العسكرية التي شارك فيها سلاح الجو البريطاني ووحدات من القوات الخاصة الاردنية الى جانب القوات الايرانية سجلت فارقة في تحديد نهاية سريعة للثورة واعلان انتصار الجيش السلطاني العماني بتاريخ ١١ ديسمبر ١٩٧٥م، ومع قيام الثورة الاسلامية في ايران في فبراير عام ١٩٧٩م كانت البراجماتيا السياسية العمانية سباقة للقبول بالواقع السياسي الذي اختاره الشعب الايراني فتعاملت سلطنة عمان مع النظام الجديد بكل واقعية وذلك لاعتبارات الجغرافيا السياسية والشراكة الأمنية التي تفرض نفسها في منطقة تتطلب مزيدا من التنسيق الأمني بين البلدين، ومضت تلك العلاقات بشكل متقدم رغم نشوب الحرب العراقية الايرانية التي أخذت فيها سلطنة عمان مسارا محايدا واستثمرت لاحقا بالدعوة الى وقف اطلاق النار حيث كانت السلطنة طرفا موثوقا بين العراق وايران حتى تم وقف اطلاق النار في ٨/٨/ ١٩٨٨م، بل مارست السلطنة أدوار مضيئة في تلك المرحلة التاريخية وحافظت على علاقات متزنه مع الجميع خصوصا مع جمهورية ايران الاسلامية، ورغم اشتداد التوتر بين جمهورية ايران الاسلامية والولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية وتهديد ايران باغلاق مضيق هرمز، فكانت السياسة العمانية تحتفظ بهدوءها المعتاد وتنسيقها الدائم مع ايران حول سلامة وأمن الملاحة في منطقة الخليج .
استمرت العلاقات بين مسقط وطهران قدما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ولعبت السلطنة أدوار حيوية أسهمت في حلحلة عدد من القضايا الشائلة منها احتضان مسقط المفاوضات النووية وتوقيع اتفاقية الإطار بين ايران والولايات المتحدة عام ٢٠١٥م حيث فاجئت العالم باعلان ذلك الاتفاق، الذي أعقبه توقيع أهم اتفاق دولي في فيينا بين ايران ومجموعة ٥+١ وانهاء صداع مزمن وتوترات أمنية دائمة في منطقة الخليج، ورغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في إدارة الرئيس دونالد ترامب إلا أن هناك جهود مكثفة في فيينا للعودة الى الاتفاق النووي، كما أن سلطنة عمان لعبت أدوارا رئيسية في قضايا أمنية متعددة منها احتواء التوترات في منطقة الخليج والازمة في سوريا والحرب على اليمن وجميعها تطلبت التنسيق مع ايران بل تطابقت وجهات النظر بين البلدين في ملفات عديدة، وجاءت زيارة السلطان قابوس الى طهران بعد انتخاب حسن روحاني كأول حاكم عربي يصل الى ايران مرتبطة بتلك السياقات الامنية والسياسية، واستكملت تلك العلاقات تفردها بين السلطنة وجمهورية ايران الاسلامية في عهد السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله والرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الذي كان سباقا للاتصال بالسلطان هيثم بعد توليه الرئاسة مباشرة وذلك تأكيدا لعمق تلك العلاقات الاستراتيجية بين البلدين .
تمتلك جمهورية إيران الاسلامية رؤية شاملة لتضاريس المنطقة السياسية وتسعى إلى فتح آفاق رحبة مع بقية دول الإقليم وإنهاء الملفات الشائكة من خلال البوابة العمانية، حيث تدرك ايران أهمية الأدوار الايجابية التي تقوم بها سلطنة عمان من أجل خلق بيئة مواتية للحوار مع دول المنطقة وخاصة مع المملكة العربية السعودية، ولا بد من الاشارة الى أن إيران دعمت عدد من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودعمت صمود سوريا في مواجهة الازمة الراهنة التي أكملت عقدها الاول ومازالت ايران أحد أهم أضلاع محور المقاومة في المنطقة تقدم نفسها كقوة مهيمنة اقليميا من بحر قزوين مرورا بالخليج وانتهاء” بالمتوسط ما جعلها في دائرة المواجهة مع القوى الدولية، وتدرك سلطنة عمان تلك المعطيات وتوظف دبلوماسيتها المعهودة في التهدئة كلما ارتفت وتيرة التوترات .
الجانب الاقتصادي ورغم أهميته القصوى كأحد ثمار تلك العلاقات الوطيدة بين عمان وايران مازال يحمل طموحات أكبر بين الجانبين على الرغم من وجود اتفاقيات اقتصادية ومنافذ مهمة تربط البلدين من خلال مينائي صلالة على بحر العرب وصحار على بحر عمان ولاحقا ميناء السويق، الا أن التبادل التجاري والاستثمار والشراكة الاقتصادية مازالت تحت سقف الطموحات التي تتوازى مع تلك العلاقة المتميزة بين البلدين الشقيقين لذا يتطلب توسيع عملية التبادل التجاري بشكل أكبر لتحقيق مستقبل اقتصادي واعد .
العلاقات بين سلطنة عمان وجمهورية ايران الاسلامية تحكمها الابعاد التاريخية والحضارية كبلدين يحملان إرثا كبيرا وعلاقات تاريخية قديمة، وتعتبر العلاقات العمانية الايرانية من العلامات الفارقة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية على صعيد العلاقات الدولية، وحققت نتائجا مثمرة للبلدين والمنطقة، والتعويل عليها كثيرا في الاضطلاع بملفات جيواستراتيجية يؤمل منها أن تهيئ الارضية الملائمة لعلاقات عربية ايرانية نموذجية تحمل نفس المزايا والأبعاد للعلاقات العمانية الايرانية .
خميس بن عبيد القطيطي