بقلم خلفان الطوقي
بعد عدة أشهر من اليوم، سيتم تدشين القاعة الكبرى في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، وهذا خبرٌ يفرح الجميع، خاصة أنه يضاف إلى إنجازات النهضة الحديثة بتدشين أيقونة حضارية وعصرية إضافية، وبافتتاح هذا المبنى الضخم سيكون المركز مُكتملا بالعنصريْن الأساسيين: المعارض والمؤتمرات، علمًا بأنَّه توجد قاعات عديدة للمؤتمرات وورش العمل غير القاعة الكبرى المزمع تدشينها خلال الأشهر القليلة المقبلة بإذن الله.
ورغم ضخامة مبنى مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، إلا أنَّه يبقى في غاية الأهمية، خاصة على المدى المتوسط والطويل؛ فنتائج وفوائد مثل هذه المشاريع الوطنية قد لا تُرَى بالعين المجردة، أو تُحَس فيها وتلامسها فورا، وإنما تُؤتِي ثمارها على المدى المتوسط والطويل، لكن لا يعني ذلك أنْ لا يفكر المشرفون عليه في إيجاد طرق استثمارية مبتكرة تُعِيد المبلغ الذي صُرِف على هذا المركز، أو على الأقل دفع المصاريف التشغيلية من فواتير الرواتب والكهرباء والمياه والصيانة… وغيرها الكثير من المصاريف المكلفة والباهظة لميزانية الدولة؛ فبعد عدد من السنوات، على مجلس الإدارة المشرف على هذه المنشآت أن يُوجِّه التنفيذيين بضرورة الاعتماد على أنفسهم، والتخلي عن الدعم الحكومي؛ لكي لا يرهقوها ويزيدوا من أعبائها، خاصة إنْ علمنا أنَّ قاعات المؤتمرات والمعارض تتبع الأسلوب التجاري في تعاملها مع كافة المتعاملين معها.
وكما ذكرت في الأسطر السابقة أنَّ المركز ضخم وبه عشرات القاعات، ولكي يكون مجديا تجاريا، فلابد من تشغيله على مدار العام من قاعات المعارض وقاعات المؤتمرات، وهذا لن يتأتى بسهولة خاصة في ظل المنافسة الشرسة له من الفنادق وبعض المجمعات التجارية الكبرى؛ لذلك يتطلب من المشرفين على هذا المركز أن يتحلو بالفكر التجاري المرن والتفكير الابتكاري المغامر الذي يتغير بسرعة مع المتغيرات التي تطرأ على ساحة صناعة السياحة؛ فبدون التأقلم مع المستجدات، سيبقى هذا المركز الحكومي جميلا في شكله، لكنه خاوٍ في محتواه مع مرور الزمن، ومن الصعوبة ضمان استمراريته باستمرار استنزاف موارد سنوية من خزينة الدولة.
ولتفعيل هذه القاعات -بشقيها: المؤتمرات والمعارض- أقترح إنشاء صندوق مالي يشرف عليه مجلس امناء يدعم استضافة أي مؤتمر أو معرض عالمي أو إقليمي بمبلغ معين وبخدمات لوجستية وتنظيمية معينة، ويوفر المبلغ والخدمات اللوجستية والتنظيمية حسب شروط معلنة وشفافة؛ وبذلك ستتشجع جميع الجهات وفي كافة المجالات للتنافس على استقطاب هذه المؤتمرات والمعارض العالمية إلى عُمان؛ لأنَّ الوضع الحالي هو مشاركة الوفود العمانية للمؤتمرات والمعارض العالمية دون المنافسة على استضافتها في النسخ المقبلة، والعائق في معظم الأحيان قلة الدعم المالي، أو في سيناريو آخر: الذهاب إلى جهات بالدولة للحصول على مبلغ معين لتسديد فواتير المؤتمر. والمقترح أعلاه يتحدث عن إيجاد طريقة مؤسسية تضمن لكل المؤسسات خاصة الحكومية الحصول على الدعم المادي والتنظيمي واللوجستي وفق شروط واضحة بعد موافقة أمناء الصندوق.
هذا الصندوق مقترح له أن يكون مُموَّلا من جميع الجهات المعنية بالسياحة والتجارة وترويج السلطنة الذي سيحقق أهدافا كثيرة؛ أهمهها: رفع الطاقة التشغيلية للمركز بشكل كبير وعلى مدار العام، ووضع السلطنة كمنافس شرس وبطريقة مؤسسية فعالة على خارطة صناعة المعارض والمؤتمرات، وتشجيع الجهات الحكومية لاستقطاب هذه المؤتمرات والمعارض لتكون في السلطنة، وفق المعايير والضوابط؛ وأهمها: استعداد الجهة نفسها للفعالية التي تودُّ استضافتها، وتشغيل الصناعات المصاحبة المتعلقة بقطاع المؤتمرات والمعارض، وأهم من هذا كله ترويج السلطنة لتكون إحدى الوجهات السياحية المختارة المفضلة وتعريف أكبر عدد ممكن من البشر بالسلطنة الذين سوف يُسهمون بعد ذلك بالتعريف والترويج للسلطنة بين شعوبهم، والمقترح يتضمَّن أن يكون التمويل جزئيًّا؛ لكي تكون المسؤولية مقسمة وموزعة على الجميع.
هذا المقترح يبقى مبدئيًّا، ويمكن أن يطوَّر ويؤطَّر ويغيَّر حسب ما يراه مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية مناسبا، ليكون أكثر رصانة وصلابة، والتحول من طلبات المساعدة الشخصية إلى النظام المؤسسي الشفاف؛ فبدون مبادرات نوعية وابتكارية سيظل لدينا مبانٍ جميلة، لكن الأهم منها توافر عقول جميلة ومبدعة ومبادرة تتناسب مع جمال هذه المباني لضمان ديمومتها وبريقها؛ فعمان لن تكون وجهة في صناعة المؤتمرات والمعارض ما لم تُبادر لتقتنص الفرص التي تتطلب منها العمل والاستعداد الداخلي وترتيب البيت أولا، ومن ثمَّ التفاوض الخارجي المدعوم من الداخل، وهما مساران مُكمِّلان لبعضهما، ويعملان في اتجاه واحد، وهذه هي “معادلة النجاح” لصناعة المعارض والمؤتمرات.