بعد قطيعة عشر سنوات بين الجمهورية العربية السورية وحركة (حماس) أصدرت الحركة بيانا جاء فيه: “أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس مُضيَّها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع النظام السوري في إطار قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا الشقيقة خدمةً لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين”. وعبَّرت “حماس” في بيانها الرسمي عن إدانتها القصف الإسرائيلي المتكرر لمختلف المناطق في سوريا، وقالت: إنها تقدر “سوريا قيادة وشعبا لدعمهم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”. وأضاف البيان: “نتطلع إلى اليوم الذي تستعيد فيه سوريا موقعها الرائد في الأُمَّة العربية والإسلامية. وتدعم حماس جميع الجهود الصادقة التي تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في سوريا”. هذا البيان أظهر عاصفة إعلامية على الساحة العربية والدولية، فالرأي العام السوري والعربي المؤيد للدولة السورية وجَّه الكثير من العتب والنقد بل والاتهام للحركة بأنها طعنت الدولة السورية رغم كل ما قدمته سوريا للحركة من دعم ومأوى طوال سنوات عديدة، أما الجانب الآخر الذي يتوازى مع العدوان على سوريا فهو أيضًا يحاول إفشال عودة العلاقات إلى طبيعتها وهؤلاء ـ بلا شك ـ لهم مآربهم الخبيثة، ليس عتبا أو حبا لحركة حماس بقدر ما هو عداء لسوريا، وهذا القطاع في غالبه محسوب على الإعلام المعادي وضمن أدوات الإرهاب والمؤامرة.
بيان حماس أوجد أيضًا ترحيبا في بعض الاتجاهات، وخصوصا في إيران، حيث عبَّرت الخارجية الإيرانية عن ترحيبها على لسان الناطق باسم الخارجية “ناصر كنعاني” كما يعتقد أن لإيران دورا حيويا في تقريب المسافات وتطبيع العلاقات بين حماس ودمشق، وبالتالي فإن إصدار هذا البيان بغضِّ النظر عن جملة التفسيرات والتأويلات الإعلامية من كلا الطرفين يعكس نوعا من الاستدارة الإيجابية نأمل أن تترجم أبعد من ذلك، وأعتقد هنا أن موقف الخارجية الإيرانية ودعمها لهذا التقارب هو حالة سياسية متقدمة بامتياز يجب استثماره في لمِّ شَمْل حركات المقاومة مع الجمهورية العربية السورية التي تعد الداعم الأول لفصائل المقاومة الفلسطينية والتي تلقت الضرر والاستهداف بسبب موقفها الداعم لها، وهذا للعلم ليس غريبا على سوريا قلب العروبة النابض.
الأُمَّة اليوم بحاجة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية، ونتمنى من الأشقاء في سوريا والرأي العام السوري استثماره. وقد ذكر الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية أنه لا مكان للأحقاد بين الأشقاء العرب، ونحن فعلا بحاجة إلى أن تسود هذه الروح، فإن اعتبرنا الاستدارة الحمساوية سياسية فالعلاقات الدولية أصلا مبنية على السياسة والمصالح، فهل عودة العلاقات مع دول عربية طالما وقفت ضد سوريا بالمقابل نتحفظ على فصيل مقاوم يتقدم باتجاه دمشق وهو يعد الأبرز على ساحة المقاومة الفلسطينية؟!
حركة حماس ورغم كثير من العتب عليها وخطيئتها التي ارتكبت ضد سوريا، إلا أنها لا تختلف عن بقية الكيانات العربية التي وقفت مناوئة لسوريا، وهذه الكيانات وصلت اليوم إلى منتصف المسافة نحو استعادة العلاقات مع سوريا، وبالتالي فإن بيان حماس المتقدم نحو دمشق نأمل أن يطوي صفحة الخلاف، وهو ـ بلا شك ـ تعبير عن الاعتراف بالخطأ، ورغبة في توظيف العلاقات فيما يخدم محور المقاومة والدفاع عن قضايا الأُمَّة.
نحن مدركون لِمَا يعتور المشاعر السورية تجاه حماس، لكن لنكن أكثر حنكة في تقدير الموقف وأهمية بناء علاقات عربية إيجابية، لا سيما إذا كانت هذه العلاقات تُمثِّل ثقلا في ميزان المقاومة، وهذا الأمر ـ بلا شك ـ يحاول كيان الاحتلال وأعداء سوريا إعاقته. ولا شك أن عودة العلاقات مع فصيل مقاوم يخدم قضايا أُمَّتنا وفي مقدِّمتها القضية الفلسطينية، وهو ما عبَّرت عنه الحركة في بيانها الإيجابي حول عودة العلاقات مع سوريا.
عندما وقَّعت مصر اتفاقية كامب ديفيد وتمَّت مقاطعتها من قبل العرب ماذا تحقق بعدها؟! لم تخدم تلك المقاطعة قضايا الأُمَّة العربية، بل ازدادت العلاقات العربية ذبولا وتشرذما وإقصاء للأشقاء عن بعضهم، وذلك الحال لم يخدم إلا أعداء الأُمَّة العربية. ومن هنا يجب علينا أن نتعالى فوق الجراح، فالموقف اليوم يختصر المسافات؛ ونتمنى أن يكون هذا التحوُّل استراتيجيا أكثر منه سياسيا ومراجعة نقدية ذاتية لاستثمار علاقات أوسع بين أطراف المقاومة في إطار التحوُّلات الدولية وتوظيفها لصالح قضايا الأُمَّة وقضيتنا الفلسطينية أولا.
خميس بن عبيد القطيطي