“تسويق السلطنة في الخارج” خلفان الطوقي
ما إن يكون هُناك إنجازٌ أو فعالية أو مهرجان أو مشروع خارج الحدود، إلا وتصلنا هذه الإنجازات بأخبارها وتغريداتها المبهرة، ومقاطع الفيديو القصيرة بتصوير احترافي، وخبر تسويقي مشوق، وإحصائيات مبهرة، يوحي لنا ذلك بأنَّ هناك من يقف خلفها بآلة إعلامية وتسويقية تقوم بهذا العمل، تكمُن فيه عناصر التنسيق والتكامل، يبدأ من وضع الخطة الترويجية وصولا لصناعة المحتوى؛ استمرارا لباقي الخطوات، إلى أن يصل إلى الفئة المستهدفة “المتلقي النهائي”، وهو أنت وأنا وهو وهي وهم وهُن، ولا أتوقع أن يأتى ذلك من فراغ، وإنما نتيجة وضع رؤية وخطة تنفيذية وأهداف وميزانية مالية ومؤشرات أداء وتجميع عناصر النجاح تحت مظلة واحدة، وتقييم ومتابعة دورية ومحاسبة… وغيرها من الأساليب العلمية للتخطيط الإستراتيجي.
أما بالنسبة لما أراه في بعض إنجازاتنا أو مشاريعنا أو مهرجاناتنا؛ فلا يتعدَّى التعريف بها وترويجها العاملين عليها، وكأنهم يتحدثون فيما بينهم دون أن يتعدَّى صوتهم خارج حدودهم، فعندما تقترب إلى أحدهم، سيقول لك إننا قمنا بما بوسعنا وهذا أفضل ما لدينا، لكنه من الصعوبة أن يُجيب عن تفاصيل ما قام به، فعند نقاشه، فإن أول ما سوف يقوله: “لا توجد لدينا ميزانية كافية”، هذه الجملة أو جملة المبررات التي قد تُقال تقود إلى تلخيص منطقي، وهو أنَّ بناء مشروع أو مركز للمؤتمرات والمعارض يُضاهي أفضل القاعات العالمية، أو مطارا ضخما يتسع لملايين البشر بمواصفات دولية، أو إقامة مهرجان يستهدف استقطاب أعداد هائلة من الناس، لهو أمرٌ في غاية السهولة، وتكمن سهولته في موافقة مجلس الوزراء وتخصيص ميزانية مالية لإنشاء هذا المركز أو المطار أو إقامة مهرجان يحمل اسم عمان أو عاصمتها أو طقسها الذي ميَّزها الله -جل جلاله- بها.. ما ذكرته من مركز أو مطار أو مهرجان هي أمثلة لتقريب الصورة إلى القارئ الكريم، والإشارة إلى هذه الأمثلة لا يُقصد منها اتهامٌ بالتقصير، لكننا نؤمن بأن مجال الإبداع والتميز وتخطي الأرقام القياسية لا يتوقف عند حدٍّ معين، فلا يمكن أن يقول مسؤولٌ معين إنَّ ما قمنا به “أفضل ما لدينا”، بل إن عليه هو وفريقه التنفيذي أن يبحث بشكل مستمر وهيستيري عن كافة الطرق والسبل لتطوير ما يقوم به ليسجل بذلك نموا سنويا قابلا للقياس والتقييم والمحاسبة.
ومن هذا المنطلق، أرى أنه يُمكن لإنجازاتنا أو مشاريعنا أو مهرجاناتنا أن تصل لخارج الحدود إذا تم تكوين تكتل أو “مكتب مصغر” أسوةً بالمكتب الوطني للتنافسية، دون مبانٍ أو ميزانيات ضخمة إضافية، ويسمَّى “المكتب الوطني لتسويق عمان”، ويضم في عضويته بعض الوزارات والشركات والأذرع الحكومية التي هدفها “تسويق عمان” خارج الحدود؛ مثل: وزارة السياحة والخارجية والإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون ووكالة الأنباء العمانية ووحدة التواصل الحكومي وإثراء ومجموعة أسياد وعُمان للمطارات وعمران وغرفة تجارة وصناعة عمان.. وغيرها من الجهات المعنية بهذا الملف الإستراتيجي، ويتم تمويله من هذه الجهات بنسبة صغيرة جدا من ميزانياتها المالية السنوية، ويكون هناك دليل استرشادي يوضح آلية العمل بشكل تفصيلي، على أن يكون هدفه تسويق كل الإنجازات والمشاريع والمهرجانات العمانية خارج الحدود.
فالمنافسة ليست شعارات ومقولات نقولها فيما بيننا ونصدِّقها لإراحة ضمائرنا، أو نستعملها كأسلحة دفاعية كلما دعت الحاجة لذلك، بل نحتاج إلى خطوات عملية تتطلب منا فكرا وعملا متكاملا تتفيذيا وتنسيقا مخططا له يلتزم به الجميع لأجل شعار بعيد عن الإنجازات الفردية، وإنما يحمل وسم “عمان أولا” وتكتيكات ابتكارية؛ بمعنى أن لا نكون “حمائم مسالمة” بل “جوارح شرسة” من خلال المنافسة الشريفة المبنية على الحرفية والمهنية العالية والتخطيط الإستراتيجي المبني على قراءات واقعية وعلمية.
التسويق الخارجي المكثف للسلطنة، هو تسويق داخلي أيضا، بدوره سيعزِّز الثقة بين الحكومة والمواطن، أما إن أردنا أن نعدِّد فوائد التسويق الخارجي فهي كثيرة، نذكر أهمها: جذب الاستثمارات المباشرة إلى السلطنة، وخلق صورة ذهنية وسمعة ممتازة وزيادة عدد السائحين لها، والسعي لزيادة نصيب السلطنة من حصة صناعة المؤتمرات والمعارض الدولية وفوائد اجتماعية واقتصادية التي سترفع من المستوى المعيشي للفرد والدولة معا، والحديث عن الفوائد الكثيرة لا تكفيه عشرات المقالات لمن أراد أن يتعرف عليها.
وفي النهاية، يبقى القرار قرارنا، فإما التقوقع والتردد والتبرير والتخوف والتهجس والتشكيك في كل ما هو جديد وعدم الخروج من دائرة الأمان المريحة (comfort zone)، أو المنافسة والتقدم بخُطى مؤثرة وفعالة ومحسوسة ومسموعة والمبادرة وطرق الأبواب الإقليمية والتكتل الداخلي لأجل مكاسب عالمية، من خلال كفاءات عمانية شابة قوية ومحترفة وطموحة ومتحمسة لأن ترى عُمان أفضل وأقوى من خلال المؤشرات والأرقام والدخل القومي، كما قلنا يبقى القرار قرارنا، وحسب ما نختار من قرارات، تكون النتائج، وواقعنا الحالي مبنيٌّ على ما تم إقراره في الماضي، وقراراتنا الحالية هي ما سوف يرسم مستقبلنا.