بُنيَ في عهدِ النباهنة وأعيد ترميمه في عهد السلطان فيصل بن تركي
الخابورة – سعيد بن مفتاح الهنداسي.
– أسفلُ الحصنِ كهفٌ حصينٌ يمتد لأكثرَ من ٢٥ مترا بنيت فيه بيوت السكان
– بُنيت الأسقفُ من سعفِ النخيلِ والجذوعِ، لم تغيره عوامل التعرية عبر الزمن
– مطر السعيدي: الحصنُ تاريخُه يسري في دمائنا، وتألفه نفوسُنا باعتباره موطنَ أجدادِنا
– محمد السعيدي: أُنشئ على صخرة رسوبية صلبة لا تؤثر عليها عوامل الطبيعة، وشكلُها كالسفينة
لا تخلو ولايةٌ عمانيةٌ من حصنٍ شامخٍ شاهدٍ على تاريخِ وحضارةِ أهل عمانَ أو قلعةٍ بأسوارها المحيطة بها، في دلالةٍ حقيقيةٍ على عراقةٍ هذا البلدِ العزيزِ بحضارته الضاربةِ في جذورِ التاريخ.
وفي ولايةِ الخابورة، المشهدُ لا يتغيرُ، والتاريخُ والحضارةُ عنوانٌ لهذا المكان.وفي جولتِنا في هذه الولاية العريقة، توقفنا عند معلمٍ من معالمِ التاريخِ والحضارةِ، ألا وهو حصنُ العبس الذي يقع في قريةِ الخبت بولاية الخابورة، جغرافيا المكان لهذا المعلمِ التاريخيِّ تحتضنه، وكأنها ترسلُ لنا رسالةً مفادُها أنه جزءٌ منها، بل توأمُها حيث تقابله حارةُ الخبت الأثريةِ من الجهةِ الشرقيةِ للوادي.
لا حديثَ يعلو حديثَ التاريخِ عندما يكون محورُ الكلامِ عن روعةِ المكانِ والتاريخ، يقول لنا أن هذا الحصنَ بُني في عهدِ النباهنةِ، كما ورد في بعض الروايات المتوارثة عن أجدادِ هذا المكانِ والآباء، وبحكمِ طولِ الفترةِ الزمنيةِ، وتقادمِ الوقت، فقد تهدمت بعضُ جوانبِ الحصنِ، وتمت إعادةُ بنائهِ، وترميمهِ من قبلِ محمد بن عامر بن سعيد السعيدي وإخوانه، وذلك في عهد السلطان فيصل بن تركي آل سعيد.
بهذه اللمحةِ التاريخيةِ تشعر بعظمةِ المكانِ، وقدمهِ، وأهميتهِ لسكانهِ والقريبين منه، على اعتبار أنه بالنسبةِ لهم معلمٌ تاريخيٌ، وشاهدٌ على حقبةٍ زمنية عريقةٍ، وما تجديد البناء فيه إلا اعتزازٌ به وتقديرٌ لوجودهِ، ودلالةٌ على أصالتهِ وعراقتهِ. ولأن أهلَ مكةَ أدرى بشعابِها كما يقال في الأمثال، كان لزاما علينا أن نتعرفَ أكثرَ عن هذا الحصنِ من خلال أهل القرية، وساكنيها الذين رحبوا بنا كثيرا في هذه الزيارة وخرجنا عنهم بالانطباعاتِ الآتية: التقينا أولا مطر بن سعيد بن ناصر السعيدي أحدُ سكانِ القريةِ، والذي وصف الحصن بأنه موطنُ الأجدادِ حيث قال: إن هذا الحصنَ تاريخُه يسري في دمائنا، وتألفه نفوسنا باعتباره موطنَ أجدادنا الذين حافظوا عليه، وأكرموا فيه القريب والبعيد، وها هو اليوم يبقى شامخا شاهدا على هذا المكانِ، ومن تواجدَ به من الأهل والسكان، ونشعر بالفخرِ والاعتزازِ ونحن نشاهدهُ كلَّ يوم.
من جانبهِ أشار سعيد بن محمد بن سعيد السعيدي إلى الدلالاتِ العميقةِ لهذا الحصن، وما يمثله بقوله: إنّ موقعَ الحصنِ من الناحية الجغرافية، تم اختيارُه وتأسيسهُ بهندسةٍ معماريةٍ عميقةِ الدلالات، فقد أُنشئَ على صخرةِ رسوبيةٍ صلبةٍ لا تؤثر عليها عوامل الطبيعة وشكلها كالسفينةِ العملاقةِ التي لا يمكن اقتحامها إلا من الباب الرئيسي؛ لكونه على جرفٍ يزيد ارتفاعه عن ثلاثين مترا عن الأرضِ المستويةِ، وذلك للاحتماء فيه مما كانت تمرُ به البلادُ في ذلك الوقتِ العصيب.
ويضيفُ محمد السعيدي قائلا: أما تقسيماتُ الحصنِ من الداخل فيسودها الجمالُ، بدءًا من البرجِ الضخمِ في مقدمةِ الحصنِ، وصولا إلى سبلةِ الجماعةِ يمين المدخل الرئيسي، ومخزنِ التمورِ والحبوبِ على يسارِ المدخلِ قريبا من الضيوف، ثم تتوزع المساكن يمنةً ويسرةً، يتخللُها غرفُ الرمايةِ بالبندقيةِ التي شُكِلتْ بزاويةٍ مائلةٍ، تسهلُ الرمايةَ من الداخلِ للخارجِ، ويصعبُ على من بالخارج الردُ عليه بنفسِ المكان
ولأن الإنسانَ بطبيعتهِ يشعرُ براحةٍ في المكان الذي يمثلُ له أهميةً، لم يترددْ سالم بن سيف بن خلف السعيدي أن يصفَ ذلك المكانَ، وتلك النفسية بأن الحصنَ أصبح لهم جزءٌ من حياتهم فقال: إن تاريخَ هذا الحصنِ جزءٌ من حياتنا، ولدينا الإحساسُ العميقُ بالألفةِ معه وكأن أجدادَنا يعيشون فيه إلى الآن، وفيه حسُّهم وإيجابيةُ حياتهم وطيبُ قلوبهم
عجائبٌ وغرائبٌ
قبل أن ننهي حديثَنا عن حصنِ العبس، هناك بعضُ العجائبِ والغرائبِ فيه؛ لأن من الغرائب أن أسفلَ هذا الحصنِ كهفٌ حصينٌ يمتدُ لأكثرَ من ٢٥ مترا، بُنيت فيه بيوتُ بعضِ السكانِ، ومن العجائبِ أيضا أن ما بُنيت به الأسقفُ من سعفِ النخيلِ والجذوعِ لم تغيره عواملُ التعريةِ عبر الزمنِ، وكأن مادةً حافظةً استخدمت في بنائه؛ لنصلَ إلى نهايةِ رحلتنا في مَعْلَمٍ من معالمِ ولايةِ الخابورة، كان التاريخ والجغرافيا حاضرةً في بدايته، والعجائبُ والغرائبُ.