بقلم: خلفان الطوقي
جرتْ مناقشات وسجالات خلال الأيام القليلة الماضية على نطاق واسع حول استثمار شركة داماك في الواجهة البحرية في مطرح، ومعظمهم شكك وانتقد هذا الاستثمار، ومنهم من وجه انتقاده إلى الشركة، ومنهم من انتقد بعض المسؤولين الحكوميين في السلطنة، ومنهم من ساند الشركة ووقف معها، وأن الخطأ من العراقيل وبيروقراطية المعاملات الحكومية، ومنهم من أطلق “هاشتجات” ونشر مقاطع فيديو عن الشركة وتأرجُح سعرها في بورصة الأسهم، وتاريخ الشركة منذ نشأتها إلى هذه اللحظة، وزاد من هذا التفاعل الافتراضي بيان أحد أعضاء مجلس الشورى الذي سلط الضوء في إحدى جلسات مجلس الشورى على هذا المشروع الحيوي الذي كثُر التحدث عنه وطال انتظاره.
هذا المقال يحاول تسليط الضوء على الاستثمار الأجنبي المباشر في السلطنة، وأهدافه، ومزاياه ومحاذيره، وتعظيم الفائدة منه، فتاريخ عمان مليء بالتجارب الاستثمارية المشتركة بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي كدول أو صناديق استثمارية أو شركات معروفة، بعضها شهد نجاحا كبيرا وحقق أرباحا جيدة لكلا الطرفين، وبعضها لا يزال مُتماسكا، وبعضها أخفق وتكبَّد خسائر مالية حاله حال أي عمل تجاري، وكما أن دول الخليج استثمرت في السلطنة، فعُمان أيضا تستثمر خارج السلطنة من خلال صناديقها الاستثمارية السيادية لتنويع محفظتها الاستثمارية وتعظيم فوائدها، وعدم الاعتماد الكلي على أداة استثمارية وحيدة.
لا يختلف اثنان على أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، فأي دولة تسعى لتنويع وتنمية اقتصادها، لابد أن تستهدف هذا النوع من الاستثمار، وبالنسبة للسلطنة فإن هذا النوع من الاستثمار يعتبر صمام الأمان، خاصة في هذه الفترة التي تتذبدب فيها أسعار النفط والغاز وملامح تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي سوف تتأثر منه معظم اقتصاديات العالم، خاصة المعتمدة على مورد النفط، هنا تكمُن الأهمية القصوى لاستقطاب الاستثمار الخارجي المباشر، خاصة إذا كانت هذه المشاريع سياحية من جهات استثمارية متخصصة، ولديها قاعدة بيانات دولية تُسهم في ترويج السلطنة كأفراد، واستقطاب شركات استثمارية أخرى منافسة بسبب توجيه الأنظار إلى عُمان كوجهة استثمارية جاذبة.
بعدما اتفقنا على أهمية استقطاب الاستثمار الخارجي المباشر وغير المباشر لأي بلد يسعى لتنويع مصادر دخله، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: كيف لنا أن نعظم هذه الفوائد؟ هناك خطوات يجب الانتباه إليها منذ البداية وتحديدها بشكل دقيق؛ أهمها: تحديد ما يُراد استثماره؟ والاجابة عن بعض الأسئلة الجوهرية؛ وأهمها: لماذا علينا استثمار هذا المكان؟ وماذا سوف نجني من وراء ذلك؟ وما هي عوامل الجذب التي سوف تأتي بالمستثمر الخارجي لكي يستثمر هنا في هذه “القطعة” تاركا جميع بقاع الدنيا وراءه؟ وما هي استعداداتنا القانونية قبل التفاوض، وهل تتناسب مع حجم ونوعية الاستثمار؟ وهل يمثل السلطنة فريقٌ مؤسسيٌّ مؤهل لمثل هذه الاتفاقيات المتشابكة والمعقدة والمتخصصة جدا؟ وهل استعدَّ الفريق الحكومي المفاوض لأي سيناريوهات للتحاور إعلاميا وبشكل شفاف مع المجتمع المحلي داخل السلطنة؟ وما هي الرسالة الإعلامية للمؤسسات الاستثمارية العالمية خارج السلطنة؟ وهل هناك تشاور بين هذه الفرق التفاوضية بممثلي الصندوق الاحتياطي للدولة والاستفادة من تجاربهم الاستثمارية السابقة والحالية؟ بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة وقبل الدخول في أي شراكات دولية، يُمكن لعمان تعظيم عوائد الاستثمار الخارجي وتحقيق الأهداف من هذه الخطوة، ويمكن لهم أكثر من ذلك، وهو استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية العملاقة في المستقبل؛ فقرار الاستثمار ليس مجرد توقيع مذكرة تفاهم، بل أعمق من ذلك، خاصة وأن مثل هذه القرارات الإستراتيجية تحكمها بنود معقدة ودقيقة ومواثيق دولية وسيناريوهات لا تخطر إلا على الخبراء المحنَّكين من التجار والماليين والقانونين، وهذا ينطبق على استثمار “داماك” وغيرها من الاستثمارات المشابهة.