خميس بن عبيد القطيطي
دخلت خطة القرن مسارها الاقتصادي من خلال مؤتمر المنامة لحث المانحين من دول ومؤسسات دولية تجارية لتوفير ما يقرب من 50 مليار دولار لإتمام صفقة القرن، التي تعتبر علامة تجارية سياسية خاصة بالإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب. هذه الصفقة التي تحدث عنها وزير خارجية الولايات المتحدة وهو أحد المسؤولين المعنيين بها، حيث تحدث قبل أيام بصعوبة تنفيذ هذه الصفقة حسب المعطيات على أرض الواقع، وهي الحقيقة التي تكشفت فعليا لدى إدارة البيت الأبيض. ورغم ذلك مضت الإدارة الأميركية في التحضير والإعداد لهذا المؤتمر بمملكة البحرين والذي تم عقده خلال اليومين الماضيين 25، و26 يونيو من أجل تجميع مبلغ الـ50 مليار دولار لإتمام الشق الاقتصادي للخطة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما مصير تلك الأموال التي تكفل بدفعها المجتمعون في مؤتمر المنامة في حال فشلت صفقة القرن؟!
الإجابة على هذه التساؤلات سنتركها للمستقبل الذي تغلب عليه لغة المال والأعمال، بل لغة السياسة الراهنة في العالم اليوم.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو صريحا بالحديث عن صعوبة تحقيق هذه الخطة في حديثه لوسائل الإعلام، أما عرَّاب الصفقة جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب فقد مضى للإعداد لمؤتمر المنامة لجمع الأموال اللازمة لتنفيذ بنود الصفقة!
الحقيقة هنا أن هذه الخطة لا توجد لها أية آفاق حقيقية للنجاح لأكثر من سبب، وفي مقدمة تلك الأسباب أن الضمانات العربية والأميركية لا تكفي لإنجاح هذه الصفقة، فالمقاومة الفلسطينية أثبتت في السنوات الماضية أنها المعيار الحقيقي الذي يتحكم بالمشهد الفلسطيني، والشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه رافض لهذه الصفقة لكونها تتجاهل حقوقه التاريخية كعودة الأراضي المحتلة التي يناضل من أجلها أكثر من قرن منذ الانتداب البريطاني حتى اليوم وما زال الرباط والنضال مستمرين. الأمر الآخر لا يمكن لهذه الخطة النجاح على أرض الواقع نظرا لتقسيم فلسطين جغرافيا وديموغرافيا إلى ثلاثة أقسام غير متجانسة وغير مترابطة؛ القسم الأول (ما تبقى من الضفة الغربية بعد استقطاع أراضي المستوطنات وبعض أراضي القدس) والقسم الثاني (قطاع غزة) والقسم الثالث (الجزء المراد استقطاعه من أراضي سيناء بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط والمقدر بـ720 كم مربع، وهي نفس المساحة المستقطعة من الضفة الغربية لصالح كيان الاحتلال) وهو ما سيقابله تعويض مالي وأراضٍ مشابهة في صحراء النقب لصالح مصر، وهذا كله حسب تسريبات إعلامية سابقة (إلا إذا طرأت تعديلات جديدة على الخطة).. واستكمالا لخطة صفقة القرن سيتم إنشاء بعض المرافق والبنى الأساسية المزمعة كمطار وميناء لما يسمى غزة الكبرى، وكذلك طريق بري يربط تلك الأقسام المكونة للمساحة الجغرافية الفلسطينية المستحدثة مع تقديم الدعم المالي للشعب الفلسطيني كما ورد بالخطة. والمضحك في هذه الصفقة هو منع تكوين جيش فلسطيني والاكتفاء بالشرطة المحلية لتنظيم الأمن في فلسطين الجديدة، وتتكفل “إسرائيل” بالدفاع عن الأراضي الفلسطينية على أن تقوم الدول العربية بمنحها الأموال اللازمة مقابل تكاليف الدفاع عن فلسطين (حسب الخطة المطروحة في وسائل الإعلام). أما بالنسبة لمدينة القدس التي ستتضاءل بعد استقطاع بعض الأراضي منها مثل حي سلوان وجبل الزيتون وحي الشيخ جراح، وكلها مناطق حيوية في القدس الشريف، بالإضافة إلى المناطق القريبة من المستوطنات، وينشأ مسار أو ممر ضيق لوصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، علما أن أراضي المستوطنات المستقطعة من الضفة تضم أكثر من ربع مليون مستوطن. ونحن هنا لم نضع خطة من بنات أفكارنا، بل هو كما ورد في وسائل الإعلام العربية والدولية، وهذه الخطة في حقيقتها لا يمكن تنفيذها واقعيا وجغرافيا خصوصا مع الرفض الشعبي الفلسطيني والعربي، والفصائل الفلسطينية المسلحة ـ بلا شك ـ قادرة على أن تقول كلمة الفصل في هذه الخطة والدفاع عن حقوقها المشروعة. فكيف ستمرر هذه الصفقة في ظل وجود رفض فلسطيني كامل، ووجود مقاومة عصية أفشلت كل مشاريع إسرائيل السابقة في قطاع غزة؟ وكيف سيمكنها فرض خطة كهذه لتغيير كامل الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية؟!
وأخيرا نعود إلى التساؤل الأول المطروح وهو: ما مصير هذه الأموال في حال فشل الصفقة؟ هل ستعود إلى أصحابها أم سيتم التحفظ عليها لمديات زمنية قابلة للتمدد في ظل استمرار المحاولات الأميركية لفرض هذه الصفقة على الواقع الفلسطيني والعربي؟! الجواب ـ لا شك ـ في عقلية العرَّاب الأميركي ونترك ذلك للمستقبل.