الحديث عن إذاعة عمان هو الحديث عن حسن بن سالم الفارسي فقد ولدا معا وكبرا ومعا وشكلا وجدان المستمعين معا.
وإذا تسرَّع المسؤولون وقرروا فصل أحدهما عن الآخر فإن حسن بن سالم الفارسي والإذاعة كالتوأم لا بد وأن يلسعهما الشوق بسياطه ويمرضهما الفصل.
ولا يمكن تخيُّل مايكرفون الإذاعة بدون حنجرة حسن بن سالم الفارسي ، ولا تخيُّل حسن الفارسي إلا بجانب المايكرفون أو في طريقه للإذاعة أو هو يدخل الأستوديو أو يلقي اللمسة الأخيرة على نشرة الرابعة أو هو في المطار في بث منقول على الهواء يقدم صورة صوتية لاستقبال ضيف لسيد عمان أو افتتاح منجز تحت الرعايةالسلطانية السامية.
ورغم أن العرب تقول :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدمِ
فإن هذا النصف الذي مثَّله حسن بن سالم الفارسي بكل اقتدار لم ينل للأسف عُشْرَ عُشْرَ عُشْرَ عُشْرَ حقه بينما كبُر الآخرون وهو مكانه لا يكبر إلا في وجدان المستمعين.
وأجزم لو أن حسن الفارسي وقف لطاول مبنى الإذاعة في مدينة الإعلام وهوائي الإرسال في السيب فالتوائم تتساوى في الأطوال وتتشابه في التقاطيع.
وإذا كانت القوانين وجدت ليتساوى في ظلها الكل بما في ذلك قانون التقاعد فإن العمر تسارع بحسن بن سالم الفارسي ليجد نفسه وحيدا على مشارف الستين ومعه ثورة القولون العصبي وضغوطات القلب وجحود البعض والكثير من الفصول الجميلة للنهضة التي كتبها بصوته ليستعيدها بفخر وهو ينزف.
وكأنَّ صوت المذيع حسن الفارسي الذي نسمعه لنراه لم يشفع له لنيل استحقاقه كالآخرين.
وكأن الصوت الذهبي الذي سبك تسعة وأربعين عاما من عمر الإذاعة الذهبي لم يسمح لبقاء التوأم معا حسن والإذاعة.
وكان بوسع القانون لأن يجد استثناء يسمح للتوائم بأن لا تفترق ، وللظلال بأن لا تنفصل وللبلابل بأن لا تغادر الأودية وللنجيبات المراسيل بأن لا تهجر البوادي.
وبخروج الإذاعي الكبير الأستاذ حسن بن سالم الفارسي من الإذاعة ستخسر الإذاعة لسانها وفؤادها ونصفها الأجمل.
ولعل أمثال حسن الفارسي يجب أن يبقى في الإذاعة لقراءة النشرات ويتصدى لأمور البث الحي للمناسبات الوطنية فالبنوك التي تتخلى عن احتياطياتها تفقد تصنيف البنوك ، والبحار التي لا يتكسر عند شطآنها الموج ليست ببحار ، وحسن بن سالم الفارسي الذي ستشتاقه الآذان هو الإحتياطي الأهم الذي لا يجب أن يكشف والموج الذي يعطي هوية للبحار.
إن حسن بن سالم الفارسي يغادر شامخا في شهر النهضة كما جاء شامخا في شهر النهضة.
————————-
حمود بن سالم السيابي
هامبورج في ٦ يوليو ٢٠١٩