مسعود الحمداني
ظهرتْ القوائم الأولية للمترشحين لمجلس الشورى، ولم تخل -كالعادة- من مفاجآت، خروجُ أعضاءٍ فاعلين، ودخول أسماءٍ أخرى جديدة، قوائم صادمة للبعض، ومفرحة للبعض، وفي كل الأحوال هناك فترة للطعن للمترشحين، تناقشها وتقررها نفس الجهات التي استبعدتها! ومعظم الاستبعادات متعلقة (لأسباب أمنية)، وهي الجملة التي لا يفهمها غير القائمين عليها، هذا إضافة لأسباب أخرى قد يجهلها غير ذوي الاختصاص والأمر؛ لذلك قد لا يكون هناك جدوى للطعن في معظم الحالات لأن الإعلان عن الأسماء تم بعد بحث وتقصٍ، وهو في النهاية قرار (سيادي).
استبعادُ بعض الأعضاء الحاليين في مجلس الشورى وغيرهم من القائمة الأولية يظل مثار جدل وهرج ومرج من المجتمع أحيانا؛ لأن العضو المستبعد نفسه لا يعرف سبب استبعاده، وفي ظل هذه الضبابية يذهب البعض إلى أن سبب الاستبعاد قد يكون بسبب آراء ومواقف العضو (الحادة) تجاه الحكومة، وفي هذه الحال يرى الكثيرون أن المجلس لا سُلطة له، ولا فائدة منه؛ لأن الألسنة التي تنتقد وتطالب بحقوق المواطن (يتم قطعها) -كما يعتقدون- بل إنَّ قرار الاستبعاد قد يصنع من الشخص المستبعد بطلا في نظر الآخرين، والمشكلة أنَّ وزارة الداخلية تظل صامتة، ولا تعلّق على مثل هذه الاستبعادات؛ لذا يظل الأمر في طي الكتمان والتكهنات.
إنَّ عبارة الاستبعاد “لأسباب أمنية” قد تفسَّر بعدة تخمينات؛ منها ما يمس شرف المترشح، ومنها ما يختص بـ”شرف الحكومة”؛ بمعنى أنَّ البعض يميل للاعتقاد بأن الحكومة تستبعد من هو مثير للجدل، ومن ينتقدها، وتقرِّب من لا صوت له، وهو مساس بنزاهة العملية الانتخابية، ومساس بهوية وأهمية مجلس الشورى، وفي ظل عدم وجود جهة توضح أسباب الاستبعاد للناخبين يفقد الناخب ثقته بالمجلس ويميل إلى “نظرية المؤامرة”، وأنَّ البرلمان مجرد شكل صوري لا فاعلية له، وللأسف فإن البعض يخلط بين “الآراء السياسية” للعضو، ويعتقد أن ما يقوله أو يصرّح به يندرج تحت بند “السياسة”، بينما لا يعدو رأيه -الحاد أحيانا- كونه تعبير عن رأي اجتماعي ناقد لأداء حكومي معين، ولم أسمع -شخصياـ طيلة مناقشات مجلس الشورى في جميع دوراته رأيا سياسيا صريحا يتعلق بذات صاحب الجلالة -حفظه الله- ولا بالتدخل في السياسة الخارجية أو التدخل في شؤون دول أخرى، بل كل ما سمعناه وشاهدناه مناقشات تدخل في إطار النقد الاجتماعي الذاتي بغض النظر عن طريقة الطرح، وهو أمر صحيّ ومفيد للدولة والوطن، فسياسة دس الرؤوس في الرمال لن تجعلنا نخطو خطوة للأمام، وتسليط الضوء على الفساد والمحسوبية والمشاريع الفاشلة يدخل في صميم عمل عضو المجلس، بل هو مسؤولية وأمانة يحملها على عاتقه، لذلك يجب دعم المجلس -حكوميا- من خلال دعم الأعضاء الفاعلين.
أعتقد أنَّ الأوان قد حان لترفع الحكومة يدها عن قوائم المترشحين؛ فمجلس الشورى هو مجلس الشعب، وهو من ينتخب مرشحه، وهو أعلم بمن يُمثله سواء من الناحية الأمنية أو الجنائية أو السمعة الطيبة في المجتمع، وأظن أن هذا الشعب أصبح ناضجا بما فيه الكفاية ليعرف من هو الشخص المناسب الذي عليه اختياره، دون ضرورة التدخل من جهات أخرى؛ فهو لن يختار مجرما أو لصًّا أو غير مؤهل وجدير بتمثيله، وفي هذه الحالة يخضع المترشحون فقط للشروط العامة التي نصَّ عليها المرسوم السلطاني رقم (58/2013)، ويمكن إضافة شرط حصول المترشح على (براءة أمنية) قبل التقدم للترشح؛ حيث سيعمل هذا الشرط على استبعاد المترشحين أنفسهم بأنفسهم، وهو ما سيُبعد الحكومة عن الحرج، ويجعل للعملية الانتخابية مزيدا من الاستقلالية وحرية القرار، ويجعل القرار المجتمعي ذا ثقل ومسؤولية أكبر.
قد تكون هذه الخطوة متقدمة كثيرا، لكنها باتت ضرورية في عالم متجدد ومتحرك وغير قابل للسكون، بدلا من رمي التهم على الحكومة، وصنع أبطال من ورق