كتبتُ، الأسبوع الماضي، مقالًا بعنوان “10 فوائد للقوانين الاستثمارية الجديدة”؛ بمناسبة صُدور مراسيم سلطانية سامية معنيَّة بقوانين اقتصادية تهدف لتنشيط الاقتصاد العُماني بعد طول انتظار، ومطالبات من جهات محلية -كغرفة تجارة وصناعة عُمان، واللجان الاقتصادية في مجلسي الدولة والشورى- ومطالبات من جهات دولية -كالبنك الدولي وصندوق النقد… وغيرهما من الجهات الاستثمارية والاستشارية- وبعد المقال تلقيتُ عددًا من الاتصالات والتعليقات من بعض المهتمين، خاصة بعض أصحاب الأعمال من عُمانيين وغير عُمانيين، يسبشرون خيرا بهذه القوانين، لكنهم في الوقت نفسه أبدوا بعض مخاوفهم أو بمعنى أصح شكوكهم؛ لذلك قرَّرت كتابة هذا المقال لتوصيل رسالتهم إلى المشرِّعين، خاصة المعنيين بإصدار اللائحة التنفيذية.
فمن الطبيعي أنَّ أي قانون جديد يتم إصداره سيقابله قبول من البعض، ورفض من البعض، وتشكيك من البعض، ومهمَّة المشرعين أخذ جميع هؤلاء ووجهات نظرهم في الاعتبار قدر الإمكان، وتعريف هذه الفئات ومعرفة دوافعهم بشكل دقيق، ليتم مخاطبتهم وتوصيل الرسائل التوضيحية ليكونوا جزءًا من المنظومة التشريعية التحفيزية الجديدة. كان من أهم ما أبداه المتشككون رغم درجة تفاعلهم وتفاؤلهم أنَّ القوانين في شكلها “عملية” وفي غاية الأهمية، لكن عند وصولها لمرحلة “التنفيذ” لن تكون “مُفعَّلة”، حالها حال الكثير من القوانين، وتفسيرهم أنَّ الموظفين أو المنفذين للائحة التنفيذية سوف يكون حسب أهوائهم التي ربما ستُسهم في عرقلة المشاريع بدلا من تنميتها وتسهيلها، وأيضا من الشكوك التي أثيرت من قِبل البعض أنَّ بعض الموظفين وهم (التنفيذيين) في الوحدات الحكومية المختلفة هم الموجودون حاليا، وهم أنفسهم المنفذون الحاليون للقوانين القديمة أو الحالية، الذين يطغى على تعاملهم عدم المعرفة الكافية من ناحية أو القيام بالممارسات الجافة وعدم الترحيب بالمستثمر، وطغيان الصفات الشخصية وعدم التزام بعضهم بالمهنية اللازمة المرحِّبة والواعية بأهمية الاستثمار، ومعرفته بأثر الاستثمار على البيئة الاستثمارية والاقتصادية على البلاد بوجه عام. وفي حال التقصير، لا يكون هناك رادع حقيقي لمن فوَّت أو ضيَّع فرصة استثمارية مفيدة ومجدية للمجتمع ككل. وتستمرُّ الشكوك أيضا من البعض بسحب البساط من المستثمر المحلي لصالح المستثمر غير العماني أو الاستثمارات العابرة للقارات، خاصة في بعض الأنشطة التي بدأ العماني يستثمر فيها ونجح فيها، أضف إلى ذلك ارتفاع التكلفة على المواطنين في حال خصخصة بعض القطاعات الحيوية كقطاع التعليم أو الصحة، وهناك من يُشكك في التجاوزات التي قد يُحدثها المستثمر غير العماني من نقل المعرفة إليه دون عناء وبكل سهولة، وضياع خبرته الفنية إلى غير العماني إذا أراد الاستقلالية والتخلي عن كفيله أو شريكه العماني، أو هروب المستثمر الأجنبي إلى خارج البلاد في حال إخفاقه تجاريا، وبذلك يكون فيها ضياع لحقوق الموردين أو المصدرين لسلعة أو خدمة أو ضياع حقوق الموظفين العمانيين أو الوافدين الذين على كفالته في حال هروبه، وهناك من يُثير التعسُّف والاضطهاد للموظف العماني في حال كان يعمل مع المستثمر الوافد، وهناك تظهر فئة مِمَّن تسعى للتشكيك من أجل التشكيك في أي جهد حكومي دون علم أو دراية.
ظهور المستبشرين والمشككين والمعارضين لأي قانون شيء طبيعي، وما على الدولة إلا أنْ تجد الخطة التسويقية التي تبدِّد بها المخاوف والشكوك بكافة اللغات المستهدف الوصول إليها للاستثمار في السلطنة، وأهمها بالطبع العربية والإنجليزية، وبكافة الأدوات التسويقية التقليدية التي تتناسب مع البعض، والطرق الحديثة التي تستهدف البعض الآخر، والاستفادة القصوى من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة المختلفة، على أن يكون هذا الجهد مستمرا، ويمكن قياسه، وحسب منهجية واضحة، وبأسلوب مبسط وجذاب، يتناسب مع لغة العصر، على أن يراعى في هذه الخطة تقييمها بين فترة وأخرى، وسهولة تعديلها حسب اللازم، وأخيرا توعية وتدريب وتأهيل الموظفين الذين سوف يكونون في الواجهة بأهمية تذليل المعاملات وتسهيلها، وأن يتعاملوا بعقلية انفتاحية، وأن يكون التعامل على أساس أنه مع كل نشاط تجاري واستثماري جديد يأتي إلى عُمان فإنه سيفتح بيتا لأسرة عمانية، وسيفيد كل مكونات المجتمع، وستعود فائدته على الدولة ككل والفرد العماني على وجه الخصوص.
بقلم خلفان الطوقي